من أين يستمد هذا الرجل قوته؟ ما هي عناصر هذه القوة الخارقة التي تمنحه هذا الثبات والإصرار والأعصاب الحديدية. وقد بلغ من العمر عتياً وتجرع من المرّ ما يكفي، ومن المتاعب والآلام والمآسي مالا يحتمل؟
إن من مركبات هذه القوة.. من أبسط العناصر وإن كانت في جملتها تِكون هذا المظهر المعجز الخارق، أول هذه المركبات هو الوضوح، إنه يعرف ما يريد بلا لف ولا دوران ولا تعقيد.
ثاني هذه العناصر هو الإيمان، إنه يؤمن إيماناً عميقاً مطلقاً بما يسعى إليه، مؤمن بأنه واجب عليه وحق له لابد أن يأخذه.
والعنصر الثالث هو الشجاعة المستمدة من الاستهانة بذاته، فهو في قرارة نفسه يؤمن بأن الأهداف التي يسعى إلى الحصول عليها أثمن آلاف المرات من شخصه، فهو مؤمن بأن خسارته في شخصه لا يمكن أن تقاس إلى ربح بلاده منه .
إنه لا يعرف المناورات السياسية، لأنه يعتقد أن السياسة كالحرب لا تحتاج إلا أن يؤمن بما يحارب من ٍأجله أولاً، وأن تعرف الهدف الذي يتحتم عليك الوصول إليه ثانياً، ثم تنسى نفسك وتخرج شخصك من حساب الأرباح والخسائر ولا تصنع لذاتك قيمة في ميزان المعركة، بل تتقدم في ثقة وقد خلا ذهنك إلا من هدفك، ولم تعد حياتك بكل ما يتعلق بها يشغل منه قيد أنمله وباتت إصابتك أو مصرعك لا يعني في نفسك شيئاً، وإنما هدفك هو كل شيء فإن بلغته فالنصر لوطنك وإن سقطت دونه فقد مهدت الطريق لمن يتبعك ودفعت في قلوبهم من الشجاعة ما لا بد أن يوصلهم إلى ما فقدت من أجله نفسك وضحيت بذاتك وحياتك..
لهذا نجد كل ما حظي به الرجل من الحب والمكانة في القلوب لم يبلغه إلا بقوته المستمدة من هذه العناصر الثلاثة: الوضوح والإيمان والشجاعة.
وفي كل خطواته النضالية حققت له هذه المركبات نجاحاً كاملاً فالثورة الشعبية السلمية الرائدة ذاتها كانت نموذجاً لطريقته في العمل وقدرته وإخلاصه وتضحياته وعندما يقف ليدافع عن الحق الذي يسعى إليه إنما يدافع بنفس الطريقة والمبادئ والأخلاق ومن إيمانه وإصراره وشجاعته الكامنة في مواجهة كل المخاطر وتحمل كامل التبعات في سبيل المحافظة على حق شعبه ومكتسباته وهو في دفاعه لا يقف وحده، فالشعب كله يدرك المعركة التي يخوضها وحجم التآمر ويقف إلى جانبه حتى النهاية.
هذا لعمري هو القدوة الحقة والمثل الأعلى حسبما بدت لي جوانب الشخصية الفريدة النبيلة وشدتني نحوها ولأمانة التاريخ إن (باسندوه) في هذا الزمن يعد فلتة دهرية وهبة لشعبنا اليمني من الله ولنعم عقبى الدار.