;
عبدالحفيظ العمري
عبدالحفيظ العمري

سلام من صبا بردى 2096

2012-06-03 02:37:18


كم يغص الحلق وينقبض الفؤاد لما تلقيه الفضائيات الإخبارية – عربية كانت أم أجنبية – من أخبار المآسي التي تدور على أرض سوريا.
المناظر هناك غنية عن أي تعليق بل تعلّق علينا وعلى صمتنا المشين إزاء ما يحدث …أرقام الضحايا بالعشرات يومياً في حرب إبادة بين نظام مدعوم (بالفيتو)الروسي/الصيني وشعب أعزل إلا من إرادته في التغيير..
قفزت إلى ذهني – وأنا أتابع تلك الكوارث- قصيدة أمير الشعراء احمد شوقي المعنونة بـ(نكبة دمشق) والتي كتبها شوقي عندما ضرب الأسطول الفرنسي دمشق عام 1926م، فلما قرأتها قلت سبحان الله ما أشبه الليلة بالبارحة وكأن شوقي اليوم بين ظهرانينا، لذا دعونا نسمع إلى شوقي حيث يقول:-
سلام من صبا ( بَرَدَى ) أرق ... ودمعٌ لا يكفكف يا دمشقُ
ومعذرةُ اليراعة والقوافي ... جلال الرزء عن وصف يدق
لحاها الله أنباءً توالت ... على سمع الولي بما يَشُقُّ
يفصِّلها إلى الدنيا بريدٌ ... ويُجملها إلى الآفاق برْقُ
أليست هذه الأبيات تتكلم بلسان حال عامي 2011/2012م وليس عام 1926م ..فقط بعض (الرتوش) البسيطة ،فلم يعد يفصّل الأخبار إلى الدنيا بريد ولا برق بل الجزيرة والـBBC وسواهما من القنوات الإخبارية، وليس مجرد خبر جامد لا حياة فيه بل مادة ممتلئة بالصوت والصورة والألم والدماء والدموع …
يتابع شوقي قائلاً:-
تكاد لرَوْعةِ الأحداثِ فيها ... تُخالُ من الخرافةِ وهي صدقٌ
وقيل معالم التاريخ دُكَّت ... وقيل أصابها تَلفٌ وحرقُ
هل كان شوقي يشاهد مدينة حمص اليوم وهي تُضرب في آثرها الرومانية القديمة ليسبك البيت بعبارة (معالم التاريخ) و(تلف) و(حرق)؟!
يتابع شوقي قائلاً:-
ألستِ دمشق للإسلام ظئرًا ... ومرضعةُ الأبوَّة لا تُعقُ
رباع الخلد ويحك ما دهاها ... أحقٌّ أنها دَرَست أحقُّ
وهل غرف الجنان منضَّداتٌ ... وهل لنعيمهنَّ كأمس نسقُ
وأين دُمى المقاصر من حجال ... مُهتكة وأستار تُشَقُّ
برزْن وفي نواحي الأَيْكِ نارٌ ... وخلف الأَيْكِ أَفْراخٌ تُزَقُّ
إذا رُمنَ السلامة من طريقٍ ... أتتْ من دونه للموت طرقُ
بليلٌ للقذائف والمنايا ... وراء سمائه خطفٌ وصعقُ
سلى من راع غيدك بعد وهن ... أبين فؤاده والصخر فرق
وللمستعمرين وإن ألانوا ... قلوب كالحجارة لا تَرقُّ
رماكِ بطيشه ورمى فرنسا ... أخو حرب به صلفٌ وحمقٌ
دمُ الثوار تعرفه فرنسا ... وتعلم أنه نورٌ وحقُّ
وقفة مع هذه الأبيات تستدعي العجب من كلام شوقي ،هو يتحدث عن فرنسا في زمانه لمّا ضربت سوريا ،لكن الأبيات تتحدث بعموم الأحداث فمازال ليل القذائف ينهال على سوريا الذي يفزع (الغيد) ليس بعد وهن (أي بعد نصف الليل) بل كل حين، وكأن البيت بعد التحوير:
سلي من راع غيدك (كل حين).. أبين فؤاده والصخر فرق
أما المستعمرون الذين ألانوا فهم من أبناء جلدة السوريين اليوم، فليس شرطاً أن يكون المستعمر من خارج الوطن، فهناك (المستعمر الوطني) ذلك المصطلح الذي صكه شاعرنا البردوني بقوله: :-
ترقى العار من بيع   إلى بيع بلا ثمنِ
ومن مستعمر غازٍ   إلى مستعمر وطني
وهو نفسه من رمى بطيشه اخو حرب به صلف وحمق.. كأن الألفاظ تصف رأس النظام السوري اليوم، رغم أن قصيدة شوقي كانت موجهه ضد فرنسا التي أغاظتها القصيد، فمنعت شوقي من دخول كل بلدان المغرب العربي التي كانت تحتها يدها آنذاك، لكننا يمكننا أن نفهم البيت الأخير بصورة معكوسة، ففرنسا اليوم هي التي عرفت دم الثوار وساندتهم في المحافل الدولية ولم تكن نداً لهم كما كان الحال عام 1926م..
وأخيراً يتحدث شوقي إلى الثوار وعنهم في الأبيات الأخيرة بحقائق ما تزال مثل القانون العلمي عاملة حتى الآن لأن، الثورات تتشابه في الإرادة وإن اختلفت في التفاصيل، فيقول شوقي:-
بلادٌ مات فتيتها لتحيا ... وزالوا دون قومهم ليبقوا
وقفتم بين مَوْتٍ أو حياةٍ ... فإن رُمْتمْ نَعيم الدَّهرِ فاشقوا
وللأوطان في دم كل حرٍّ ... يدٌ سَلَفَتْ ودَينٌ مستحقٌ
ومن يَسقي ويشربُ بالمنايا ... إذا الأحرار لمْ يُسقَوْا وَيسقوا ؟
ولا يَبني الممالكَ كالضحايا ... ولا يُدني الحقوقَ ولا يحقُّ
ففي القتلى لأجيال حياة ... وفي الأسرى فدى لهمو وعتق
وللحرية الحمراء بابٌ ... بكل يد مضرجة يُدَقُّ
رحم الله أمير الشعراء، ترى ماذا كان سيكتب لو كان موجوداً اليوم في خضم هذه الأحداث ؟!..
وفي الأخير كم نتمتى ان يتحقق عنوان المقال وان يكون (سلام) من صبا بردى ...لكن هيهات!.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد