;
حافظ الشجيفي
حافظ الشجيفي

عمال الشحن والتفريغ بميناء عدن ضحايا لإهمال الدولة 2163

2012-06-13 03:53:11


بالنظر إلى الأهمية الحيوية والاقتصادية والمهنية القصوى والعالية الشأن والقيمة على كل المستويات والأصعدة الخدمية والإنتاجية ذات البعد الاستراتيجي والقومي للبلدان والشعوب وبالمقارنة مع بقية المرافق الأدنى قيمة والأقل أهمية مما تمثله الموانئ على وجه الخصوص لكل دولة من دول العالم ..فلعلك لن تجد في الموارد البشرية التي تتولى عملية الإنتاج فيها عمالا يعانون من الظلم والتهميش والحرمان والإهمال ومصادرة الحقوق كذلك الذي عانى ومازال يعاني منه عمال مينا عدن للشحن والتفريغ منذ عقود عديدة ..كما انك لن تجد أيضاً بين كل دول العالم دولة واحدة تهتم وتعتني بعمالتها ومواردها البشرية العاملة في أي مجال إنتاجي أو خدمي أخر أكثر مما تهتم وتعتني بصورة استثنائية بعمالتها ومواردها البشرية العاملة في موانيها البحرية ما عدى اليمن التي انفردت بذلك وحدها دون بقية بلدان العالم وتفوقت فيه حتى على أكثر الحكومات التي اشتهرت بالفساد والتسيب..
فلا دولة أو حكومة سواها في هذا الكون قد فعلت ذلك مع عمالها من سابق أينما كان موقع عملهم، ولئن حدث مع البعض منها ذلك في حالات نادرة وقليلة فلا أتصور إطلاقاً بأنه قد حدث فعلا للعاملين في موانئها على وجه التحديد حتى وإن كانت هذه الموانئ لا تحظى بأي مقدار من الأهمية الدولية والإستراتيجية التي يجب أن يحظى بها ميناء عدن لاعتبارات كثيرة لم يعد يحظى بها كما كان يحظى بها قديماً كثاني ميناء في مجموعة الموانئ الأكثر أهمية في العالم ..
غير أن ذلك لم يكن كافيا ليشفع لهم ويعتق رقابهم مما أصابهم من الغبن والكد والحرمان طوال سنوات عملهم فيه ولم يعفهم من ظلم الظالمين ونهب الناهبين ممن سلبوهم أبسط حقوقهم المهنية والقانونية أمام أعين الحكومة وبحضرتها ولربما كان ذلك واحداً من الأسباب التي أفقدته تلك الأهمية ..
ولكي لا نبتعد كثيراً عن فحوى الموضوع الذي أردنا ان نتناوله ونتطرق إليه من خلال هذا المقال تحقيقاً لرغبة العديد من عمال الشحن والتفريغ بميناء عدن ممن طالبونا مراراً بضرورة الكتابة عنهم وعن همومهم المهنية ومعاناتهم العملية التي طالما واجهوها ومازالوا يواجهونها مع الجهات المعنية في هذا المرفق الحيوي الخطير في محاولة منهم ونحن معهم لإيصال صوتهم إلى مسامع السامعين من المسؤولين أهل السلطة وأصحاب القرار لعلهم يسمعونهم ويصغون إليهم ويستجيبوا لصراخهم فيعملون بما يمليه عليهم الواجب الإنساني والوظيفي والوطني تجاههم في الانتصار لمطالبهم وحقوقهم لما فيه المصلحة العليا للشعب والوطن قبل مصالح هؤلاء العمال ..
في 7/7/2007م صدر حكم اللجنة التحكيمية للفصل في النزاعات العمالية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في الدعوى رقم (271)لسنة 2006م المرفوعة إليها من قبل ما يزيد عن (400) عامل من عمال الشحن والتفريغ بميناء عدن عبر مندوبيهم الموكلين من قبلهم بمهمة التقاضي والترافع نيابة عنهم أمامها ضد خمس شركات تجارية تمثل القطاع الخاص اندمجت في كيان ملاحي واحد فيما كان يسمي ((بالإدارة المشتركة للشحن والتفريغ)) التي وقعت في تاريخ 7/9/1997م مع الجهة المعنية بإدارة الميناء اتفاقاً ثنائياً انتقلت بموجبه مسؤولية أعمال الشحن والتفريغ إليها لمدة عشر سنوات اعتباراً من ذلك التاريخ مع مهام وصلاحيات الإشراف على هؤلاء العمال وتشغيلهم بدلاً عن شركة الملاحة الوطنية التي كانت تتولى القيام بهذه المسؤولية كجهة حكومية تمثل القطاع العام قبل أن تتخلى عن ذلك بهدف إفساح المجال وفتح باب المنافسة أمام القطاع الخاص وتشجيعه على تسيير هذا العمل في الميناء عوضاً عن الدولة ..
غير أن الدولة ممثلة بشركة الملاحة الوطنية التي أبرمت هذا الاتفاق معها لم تنظر كما تبين لاحقاً لا بعين الاعتبار ولا بعين العطف ولا حتى بعين القانون لما يفرضه عليها الواجب الإنساني والأخلاقي والوطني تجاه هؤلاء العمال بالذات أكثر من أي واجب آخر ولم تكترث أو تأبه بما يعنيهم من الأمر ولم تراعِ أوضاعهم المهنية والنقابية ولم تضع في حسبانها أو تتخذ بشأنهم وقد قررت ان تبيعهم للقطاع الخاص أي إجراءات أو تدابير قانونية أو ضمانات تشريعية أو ترتيبات تنظيمية من شأنها ان تحدد وتحكم علاقتهم بهذه الشركات وتصون وتحفظ حقوقهم ومكتسباتهم المهنية والقانونية وتؤمن مستقبلهم العملي معها أو مع غيرها وتعالج مشاكلهم وإنما سلمتهم إليها كمن يسلم قطيع من المواشي الضالة للوحوش الكاسرة وتركتهم في مهبات الرياح العاتية فريسة سهلة وسائغة لمخالب الجشع والاستغلال أنياب الابتزاز التي ظلت تمزق وتنهش أجسادهم السمراء من خلال هذه (الإدارة) التي اعتبرتهم ونظرت إليهم وتعاملت معهم كل هذه السنوات على أنهم عمال ((مؤقتين)) ولا ينطبق عليهم أي بند من بنود قانون العمل رقم (5) لعام 1995م والمعدل بالقانون رقم (25) لعام 1997م الساري مفعوله في البلاد على نحو تعمدت من وراءه ان تحرمهم من تلك الحقوق والمكتسبات التي اقرها وكفلها لهم هذا القانون باعتبارهم عمال لهم من الحقوق مثل ما عليهم من الواجبات سواء كانوا مثبتين أو مؤقتين وليس كما صنفتهم هي لتحتال على حقوقهم الشرعية والقانونية في مكافأة نهاية الخدمة وفي الحصول على الإجازات السنوية والتعويضات وتكاليف العلاجات اللازمة عن الإصابات والمخاطر التي يتعرضون لها في العمل أو بسببه مثلهم في ذلك مثل غيرهم من العمال في كل مكان تمهيدا لإنكارهم وحرمانهم منها لاحقا كما حاولت ان تفعل ذلك أمام اللجنة التحكيمية عندما زعمت في أقوالها المثبوتة بمحاضر القضية بان هؤلاء العمال لا يستحقون منها شيئاً مما ذكر أكثر من أجورهم اليومية رغم أنها لم تتوقف خلال فترة عملها في الميناء عن الخصميات التي طالما ظلت تستقطعها منها تحت بنود القانون بواقع 9% بصورة يومية ولا توردها لصالحهم كما ثبت ذلك للجنة التحكيمية التي باشرت النظر فيما تضمنته دعواهم من المطالب والحقوق فأصدرت حكمها حيالهم في التاريخ المشار إليه سلفا والذي نص صراحة على عدالة قضيتهم ومشروعية مطالبهم واقرها لهم وأمر الإدارة المشتركة بقوة الشرع والقانون بتأديتها إليهم دون قيد أو شرط ولو استدعت الضرورة استخدام القوة المسلحة معها لإجبارها على ذلك..
إلا أن الفترة المحددة الممنوحة لها بموجب ذلك الاتفاق لتشغيل الميناء انتهت بعد شهرين فقط من تاريخ صدور هذا الحكم لتنسحب الإدارة المشتركة من الواجهة وتغادر الميناء في موعدها كما قدمت إليه وتستغني عن هؤلاء العمال وترمي بهم بكل بساطة على قارعة الطريق كما يرمى العظم بعد ان يؤكل لحمه وتتوارى عن الأنظار قبل ان تقوم بتنفيذ هذا الحكم بما جاء فيه من قرارات صارمة, ليجد هؤلاء العمال أنفسهم في متاهات الضياع لا يعرفون إلى أين يتوجهون ومع من يتخاطبون وإلى أي شرع ينتصفون لانتزاع حقوقهم المنهوبة من ناهبيها ..وعوضاً عما كانوا قد استبشروا أن يحل بهم من الخير في أن تتحسن أوضاعهم المهنية وظروفهم العملية والمعيشية إلى الأفضل بعد رحيلها، فقد قابلهم الحظ بما هو أسوأ وأمر مما مر بهم وانقضى عليهم من البؤس والشقاء حينما وجدوا أنفسهم مجددا مضطرين ومرغمين على العمل والتعامل مع شركات تجارية وملاحية أخرى كثيرة حلت محلها بعدما حصلت على تراخيص لمزاولة أعمال الشحن والتفريغ كلاً على حده في الميناء وتسنى لها المجال أكثر مما تسنى لمن سبقها في ممارسة الظلم والاستغلال عن طريق التنافس والمقاولة فيما بينها لتنفيذ هذا العمل على حساب مقدرات العمال وطاقاتهم العضلية وحقوقهم وأرزاقهم المعيشية دون أي ضوابط أو قيود تشريعية أو لوائح مهنية أو أخلاقية تنظم علاقتها بهم لتنفرد كل شركة من هذه الشركات بحريتها الكاملة في تشغيل وتوقيف وفصل من تشاء منهم بكل انتقائية ومزاجية، ليغدوا عرق هؤلاء العمال رهناً لمناقصات الظلم والجشع في أسواق الأنانية والربح يعبثون به كيفما طاب لهم العبث دون حسيب أو رقيب أو وازع من دين أو ضمير يردعهم، لمجرد أن هؤلاء الناس يحتاجون إلى عمل يجنون من ورآءه ما يسترهم ويسد رمقهم ويحفظ حياتهم من الفاقة والعوز هم وأهاليهم ولعل هذه هي نقطة الضعف التي باتت تستثمرها هذه الشركات...
وللوقوف على تفاصيل الصورة وتقريبها للقارئ أكثر فقد رأينا ونحن نقوم بهذا التحقيق الصحفي أن نجري بعض الحوارات مع عدد من هؤلاء العمال الذين وافقوا على نشرها في الوسائل الإعلامية بعد أن تعهدنا لهم وأبدينا استعدادنا الكامل أمامهم كأشخاص أن نبذل ما بوسعنا للوقوف إلى جانبهم ومساندتهم وتحريك قضيتهم لدى كل المحافل الحقوقية والقضائية والإعلامية ومنظمات المجتمع المدني المهتمة وذات العلاقة إذا ما تعرضوا لأي أذى أو ضرر إجراء تعسفي بفعل ذلك وقد التقينا على مقربة من البوابة الرئيسية للميناء بالعامل مطيع عبد الواحد الشعبي بينما كان منصرفاً منه في طريق عودته إلى البيت وهو يتصبب بالعرق بعد يوم شاق وطويل قضاه أسوة بكثير سواه في العمل تحت هجير حرارة الشمس اللافحة التي تذيب الأرصفة وتشوي الجلود حيث رد علينا بد هنيهة من الاطراق والصمت بلسان حاله قائلاً ((لا تؤاخذونا أو تعتبوا علينا ان ترددنا أو أبدينا تحفظنا من الخوض والتطرق لمسائل ترتبط مباشرة بمصادر رزقنا الوحيدة كهذه ..فأنتم لا تدركون كيف تسير الأمور هنا وكيف تجري وتتم الوقائع ,,فنحن نعمل مع شركات لا تقيم لنا وزنا أو اعتبار وتتعاطى معنا عن طريق الفوضى والعشوائية دون أي معايير عملية أو خدمية أو مهنية تطبقها علينا ويمكن أن نتعرض للفصل والتوقيف والحرمان من العمل معها في أي لحظة ودون سبب, فلا يوجد من يحمينا هنا أو يدافع عن حقوقنا, فلا إدارة الميناء تهتم ولا كيان نقابي يتلمس همومنا ويتحسس مشاكلنا، فالنقابة التي كانت تمثلنا انتهت قبل أن تنتهي (الإدارة المشتركة للشحن والتفريغ)) التي عملنا معها لمدة عشر سنوات قبل أن ينتهي عقدها المبرم مع الميناء وترحل في العام 2007م ومعها مستحقاتنا ومكتسباتنا المهنية والقانونية التي أحرمتنا منها ولم نجد من يقف معنا أو يناصرنا عليها ..
أما فهيم عبد النور محمد سعيد الذي التقينا به في نفس المكان أيضاً وهو احد العاملين الذين يتبنون ويتحمسون لفكرة التأسيس لنقابة تحميهم وتدافع عن حقوقهم وتنتصر لقضاياهم، فقد قال ((إن حكم اللجنة التحكيمية للفصل في النزاعات العمالية الذي صدر بخصوص دعوانا المرفوعة إليها ضد ما كان يسمى بالإدارة المشتركة للشحن والتفريغ قبل شهرين من انتهاء الفترة المحددة لعملها في الميناء، قضى هذا الحكم ضمن ما قضى به ان تقوم الإدارة المشتركة بتثبيت العمالة التي أمضت سبع سنوات وأكثر في العمل معها وبعدم شرعية وقانونية الخصميات التي ظلت تستقطعها بصورة يومية بواقع 9%من أجورنا اليومية باسم القانون وإعادتها إلينا كما نص أيضاً على حقنا كعمال في الإجازات السنوية بما يعادل راتب شهر عن كل سنة خدمة معها ومثلها مكافأة نهاية الخدمة، إلا أن الإدارة المشتركة لم تنفذ شيئاً من هذه الأحكام، غير أننا لا نرى والحال كذلك ما يجعلنا نلقي باللوم على الإدارة المشتركة وحدها على ما أصابنا وما لحق بنا من الضرر أو نحملها المسؤولية بمفردها لنبرئ بذلك إدارة الميناء مما يفترض أن تتحمله من كامل المسؤولية عن ذلك بعد أن فرطت فينا وفي واجباتها القانونية والوظيفية والإدارية والإشرافية نحونا وورطتنا بالعمل مع هذه الشركات دون أن تلزمها بأي ضوابط أو لوائح إدارية أو مهنية أو نقابية أو تنظيمية تضمن حقوقنا وتكفل مكتسباتنا وتحقق مصالحنا وتصون جهودنا وطاقاتنا وترسم حدود علاقتنا الآنية والمستقبلية معها ...وسواء رحلت الإدارة المشتركة للشحن والتفريغ ومعها حقوقنا أو لم ترحل وتأتي شركات جديدة بدلاً عنها أو لم تأتِ فان ذلك لا ولن يعفي إدارة الميناء بأي حال من الأحوال من مسؤوليتها الكاملة عنا وعن حقوقنا ماضياً وحاضراً ولاحقاً وما آلت إليه أوضاعنا وظروفنا بسبب تقصيرها الواضح معنا وبالذات حين أدرجتنا ضمن صفقاتها التجارية التي عقدتها مع هذه الشركات كسلعة كاسدة ينبغي التخلص منها  وتصريفها بأي وجه كان، لنصبح عرضة لعبث وتلاعب المستهترين بأرزاقنا كما حدث ذلك ومازال يحدث حتى الآن"..
ويرى الأخ فهيم عبد النور محمد سعيد بأن هناك ترابطاً بين تدهور أوضاع العمال ليس فقط في ميناء عدن وحده ولكن في كل مرافق العمل والإنتاج في الجمهورية وما اعتبره تراجعاً في أوضاع الحريات فيها، حيث فسر أن ما يعوق حالة العمال من التطور هو غياب الحريات النقابية، بالإضافة لضعف الأجور وتدنيها، الأمر الذي جعل بين العمال وأربابهم علاقة إذعان..
 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبد الملك المقرمي

2024-05-05 23:08:01

معاداة للإنسانية !

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد