;
د/ عبدالله الحاضري
د/ عبدالله الحاضري

صالح والحُكم والقانون.. 2094

2012-12-13 03:19:07


نعم..قد يعود صالح للحُكم بصورةٍ غير مباشرة أو حتى مُباشرة فذلك في حدود الإمكان العقلي, وعدم وقوع هذا الإمكان قد يعود فقط لوجود مانع قانوني صريح؛ لكن الوضع السياسي الغير مُتَّزن والذي يسوقنا كُل يوم إلى المجهول يُرجِّح هذا الإمكان العقلي على عدم الإمكان القانوني حتى وإن كان هذا الأخير صريحاً في ذاته بالمَنع؛هذا الإمكان الراجح المجنون ظروفه مواتيه، سائغة.. يتضح ذلك من خلال قراءة موضوعية مُتأنية للوضعين المأزومين الاجتماعي والسياسي.
ويبدو أن الرئيس يعيش في هذه الفترة أحلك أيام حياته في الحُكم وأن التاريخ لن يرحمه -إن لم يستدرك نفسه - بعد أن توفرت له كُل إمكانيات التغيير الممكنة على كل المستويات ومنَحهُ الشعب ما لم يمنحهُ لغيره ومع ذلك لم يفعل شيئاً بأي شيء..! وتراخى ولم يستغل الوضعية التاريخية المتاحة له للتغيير على أكمل وجه أو على أبسط وجه ولم ينظُر للأشياء أبعد من مدى عينيه وملامح حدود تقييمه الشخصي للثورة ولطبيعة مرحلتهِ التاريخية مُنشغلاً أكثر من أي شيء بالحوار الجنوبي مُتناسياً بقية جغرافية اليمن برمتها، فأطمع بذلك غيرهُ ومن دونهُ فيه ويأس الثوار منه وأحبط معنويات الشعب إلى درجة الإغراق في وحل الهموم والغموم، خاصةً بعد مرور فتره زمنية طويلة من تاريخ توقيع المبادرة الخليجية التي أنتجته وأنتجت ـ في نفس الوقت ـ مرحلته التاريخية التي أثَّرت ومازالت في حاضر اليمن ومستقبله إيجاباً أحياناً وسلباً في مُعظم الأحيان.
ولعل من نافلة القول التذكير أن المبادرة الخليجية بعموميتها ومنظومة نصوصها أنهت حياة صالح السياسية غير أن قراءة بعض نصوصها بمعزل عن هذا العموم يسوق إلى فهم مُجانب للصواب مفاده أنه بإمكان صالح مزاولة نشاطه السياسي، فالمبادرة لم تنُص على المنع الصريح, وهذا الاضطراب يؤدي إلى خطأ منهجي وقانوني فاضح ويُغير مفهوم المبادرة، ذلك أنه من المتعارف عليه في الفقه القانوني الدولي أن الاتفاقيات والمعاهدات نصوصها كلٌ لا يتجزأ ولا عبرة بمنطوق نص أو مفهومه أو مفهوم المسكوت عنه إذا ما تعارضَ مع عمومية أي اتفاقيه أو معاهدة؛ وسكوت المُبادرة عن النص بالمنع لا يعني إباحة النشاط السياسي لصالح، فالإباحة مفهومٌ خاطئ تتعارض مع المُبادرة بكلها ولهذا كان الأصل القانوني ـ وفقاً للمُبادرة ـ هو إعمال المنع بدلاً عن الإباحة أي حرمان صالح من مُمارسة العمل السياسي.
ويمكن التدوين هاهنا أنه من تاريخ مزاولة صالح للنشاط السياسي أصبحت المُبادرة أشبه ما تكون في توصيفها بأنها عدم نسبي في ذاتها وفي مدى إلزاميتها للأطراف وفي تصوري أنه لا فرق بين وجود هذا الرجل على رأس زعامة المؤتمر أو على رأس السلطة -سيان- فهو يمارس النشاط السياسي رغماً عن الرئيس وهذا خرقٌ بيِّن للمبادرة جعلته يطمح جدياً - في ظل الصمت والتغاضي عن خُروقاته - في العودة للسلطة بطريقه غير مباشره مرحلياً على أقل تقدير من خلال تأثيره السافر في مُجريات الحوار الوطني وفرضه عليه شروطه وأشخاصه وموضوعاته والاقتراح في الأخير أن يترأسه..!
وفي كل الأحوال هو مازال يتدخَّل بوضوح ويصدر أوامر حاسمة مؤثرة للمؤسسة العسكرية والأمنية ويتم تنفذها بحذافيرها دون نقص؛ ولستُ أدري هل يدري الرئيس هادي؟! هذه الحيثيات تجعلنا نعود للمبادرة الخليجية للوقوف على حقيقة شرعية ما منحته من امتيازات جمة لصالح.. وليت الأمر توقف عند حدود هذه الامتيازات الممنوحة فباستقرائها استبان أنها تضاعفت في الواقع الاجتماعي والسياسي بتخاذُل النُّخب المؤثرة وصمت الرئيس, وحُمِّلت بذلك هذه المبادرة أكثر مما تحتمل حتى بات واضحاً أنها لم تعد قادرةً على الصمود أمام كُل هذه الخروقات وأنها كل يوم تقترب من السقوط المُريع فهي بالإضافة إلى ما سبق لم تكن مُجردةً من الهوى والزيغ البشري المظنون بابتداعها مراكز قانونيه غير عادلة للنظام السابق لم يكن يحلم بها وفي نفس الوقت وعلى ذات السياق أسقطت عمداً من نصوصها القصد الثوري.. والأدهى من ذلك والأمر أنها لم تنُص صراحةً على أن منح صالح الحصانة كان مُقابل إنهاء حياته السياسية, كما أن القُوى السياسية المعارضة التي وقَّعت المبادرة تغاضت عن هذا الإغفال والإسقاط وإن شئت القول فقد تغافلت..! ولا أدري لماذا إلى اليوم؟!ولا أجدُ بعد هذا القصور في المبادرة من سلبيةٍ أخرى قد تساويها في الكارثية سوى القول إنَّه لم يكُن هناك من مبرر للنص عليها, إن هذه الكارثة القانونية ـ ببساطه ـ فرَّغت نسبياً الثورة من محتواها الثوري وجعلت النظام السابق في استراحة مُحارب يلتقطُ أنفاسه استعداداً لخوض معركةٍ أخرى مع الشعب الذي كان وما يزال نظرياً على الأقل ضحية قصور هذه المبادرة الماكرة في نصوصها ومفهومها.
نعم.. بالإمكان العقلي أن يعود صالح للحكم فلا يوجد مانع من ذلك ظاهرياً أو فلنقل مانع صريح من عودته للسلطة بكل مستوياتها ولا يوجد كذلك مانع سياسي فاعل قد يقف حائلاً دون ذلك وما على صالح في ظل صمت الرئيس وتغاضيه عن نشاطه السياسي إلا أن يُمدد ولا يبالي، خاصةً والمبادرة الخليجية شكلياً لا تحمي من استغفلته ولا تُحصِّن الشعب من عودة من ثارواْ عليه مرةً أخرى للحُكم..!غير أن التطرق بعميق للمبادرة قد يقلب هذه المعادلة السياسية, أعني دراسة حدود وتبعات هذه الإلتزامات من حيث الزمن والأشخاص وكذلك ماهية الواجبات والالتزامات التي ينبغي أن تكون متبادلة مابين الأطراف المعنية والذي قد يؤدي الإخلال بها إلى تحللها من المبادرة سواءً من بعض نصوصها أو حتى منها بالكلية, هذه الجزئية يجب بحثها بتأني وفقاً للأطوار الثورية والمفاهيم القانونية الدولية والوطنية على حدٍ سواء مع الأخذ بعين الاعتبار التوجهات الإستراتيجية لمنظومة نصوص هذه المبادرة وفقاً للقواعد القانونية الكُلية وليس فقط نصوص المبادرة.
هذا جانب..والجانب الآخر يجب التفهُم أن إفراغ الثورة من مُحتواها بعودة صالح بأي صورةٍ من الصور أو شكلٍ من الأشكال إلى الحكم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أو ممارسته لأي نشاط سياسي حزبي أو غير حزبي يجعل طرف الثوار والقوى التي وقَّعت المبادرة في حِل من التزاماتها القانونية التي ترتبت على توقيعها للمبادرة, ذلك أن أي اتفاقيه أو مبادرة إذا وصلت في نهايتها إلى هدم ما كان المُقتضى منها فهي عدم ولا قيمة لها..! فمُقتضى المبادرة هو إحلال السلام والسكينة لليمن...وعودة صالح للحكم فيه هدمٌ لهذا المُقتضى برمته بل وفيه تحفيز لعودة اليمن إلى صراع أهلي قد يكون أشد رعباً مما أرادت المبادرة تلافيه..! ففي حال عودة صالح للحكم أو التأثير فيه تُعتبر المبادرة فاشلةً ولاغيه لأنها وصلت إلى عكس مُبتغاها وهذا يُدلل على أن نصوصها كانت مُشتملة على خلل في الفكرة أو في قواعدها التي أنشأت مراكز قانونيه مختلة ابتداءً ولم تعكس إرادة واضعيها في تحقيق ما كانت تصبو إليه اليمن من التخلص من نظامها السابق والحفاظ على كينونيتها بعدم عودته.
إن محاولة تمكين النظام السابق من السلطة سيؤدي إلى هدم المبادرة وتحلَّل الأطراف من جميع آثارها وتبعاتها.. والممكن الصادق المعقول لاستمرار المبادرة هو تنفيذها نصاً وروحاً كمنظومة متكاملة غير قابله للتجزئة النصية والتفسير الأحادي لها, وفي نفس الوقت مراعاة لمس مُبتغى المبادرة بعموميتها التي تسوقنا إلى تحسُّس ضمير ووجدان واضعيها الذين جسدوا إرادتهم المضمرة في الأحرف والكلمات والنصوص المشتملة عليها المبادرة كهيئةٍ واحدة تستهدف سلامة اليمن أرضاً وإنساناً، الذي لا يُمكن القول بموجبه إلا أنَّ على زعيم المؤتمر المحصون قانوناً إذا ما أراد الاستمرار في التمتع القسري بالحصانة أن يلتزم بعدم مُمارسة أي نشاط سياسي مهما كانت طبيعته وأنه في حال إخلاله بهذا الإلتزام والمعادلة تُعتبر المبادرة الخليجية لاغية من تاريخ مُمارسته لأي نشاط سياسي وأن حصانته لم تعُد فاعلة ولا مُجدية وأن الثورة تُعتبر في حالة استمرار وانعقاد وعلى جميع القُوى السياسية العودة للساحات وحزم أمرها ثورياً؛غير أنَّه يجب الاعتراف أن صالح ما كان ليجرأ بالبوح بطموحه السياسية لولا الوضع السياسي المُخجل الذي أنبت في ظله وأنعش المشاريع الغير وطنية الصغيرة وأحيى من كانوا في ذمة التاريخ أمواتاً وكأن نظامنا السياسي لا يُغري فيه فقط من تدُّبُ فيهم الحياة بل احتنكَ أيضاً حتَّى المُحنطون في مقابر التاريخ..! وبَثَّ فيهم الحياة رغداً من جديد، لذلك أصبح صالح يطمح برئاسة الحوار الوطني ورئاسة ما بعد الحوار الوطني وما بعد بعد الحوار الوطني وما بعد بعد بعد الحوار الوطني..!! سلمتَ يا وطني من بعد لا يعلم إلا الله أين يصلُ مداها...!
 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد