;
د/ عبدالله الحاضري
د/ عبدالله الحاضري

اللواء علي مُحسن.. والخطوط الحمراء! 3007

2012-12-25 11:20:54


التاريخ ما هو إلا تقييم للجُهد والفِكر الإنساني وهذه هي خُلاصته, وأقصى ما يُمكن أن تتمناه الشعوب بمجموعها هي أن يُدوَّن التاريخ لها تلك المواقف التي اقتضت منها بذل كُل طاقتها وفكرها من أجل قضيةٍ عادلةٍ آمنت بها واستدعت منها الوقوف أمام طُغيان أو استبداد طارئٍ عليها أو خطر شكَّلتهُ الطبيعة في يومٍ ما على وجودها.. ولطالما كان للتاريخ وقفةً وتأمل حين يُدوِّن المواقف العظيمة لتلك الشعوب مُمثلةً ومُختزلةً بنُخبها الثقافية أو السياسيةِ أو العَسكرية..وحين تُقلِّب الأجيال مُحتويات الأسفار التاريخية تُصاب بذهول من حَجم وطبيعة التضحيات التي بذلها أسلافها كي تحيا حياةً كَريمة وتظل بعد هذا الاستقراء في وعيها مدينةً في وجودها الاجتماعي الراقي لتلكَ العُقول وتلك الأفكار وتلكَ الطاقات.. لن ينسى تاريخنا القريب شهداء "48"ولا شهداء "سبتمبر" ولا شهداء "الثورة الشبابية" ولا العُقول المنتجة التي صاغت هذه الثورات ولا الجُهد المبذول في التنفيذ.. ستظل اليمن الحديثة مدينةً في وجودها التاريخي للقائد/جمال جميل وللإمام/عبدالله الوزير والشهيد/محمد محمود الزبيري والشهيد/علي عبد المُغني وغيرهم من الأفذاذ الناصعة ذكراهم في التاريخ، فلهم الفضل بعد الله في إحياء اليمن من جديد، فلا يُمكن أن ننسى أفكارهم التي أضاءت لنا الدرب ومازلنا على هديها نمضي حتى نُكمل مشوار نضالهم العتيق ولقد قيَّض الله لهذه الأمة من يُكمل ما بدؤوه..إنهم شباب الثورة السلمية الذين ضحَّوا في سبيل إنجاح وإكمال مسيرة أسلافهم الثوار.
ومن هذا المُنطلق يجب القول أن الثورات متوالية، متسلسلة عبر الأجيال، أشبه ما تكون بالموروث الأخلاقي الذي يجب تَسكِينَهُ في الجيل الوارث ليُكمل مشروع طريق الحُرية الطويل.. هذا هو الوصف المنطقي لهذه الثورة الشبابية التي صنعت أحداثاً غيَّرت التاريخ المُعاصر وإن كُنتُ أنسى فلا يُمكن أن أنسى "21 -3-2011"، إنه تاريخ ويوم انضمام اللواء/علي محسن للثورة الذي يمكن وصفه بأنه اليوم الذي انتصرت فيه.. ذلك اليوم الذي أيقن فيه النظام السابق وأدركَ أنه إستراتيجياً قد انتهى وأن انضمام اللواء قد قصم ظهره مُبكراً وحسم المعركة الثورية في عالم الأسباب وعدَّل ميزان القوى المادي والمعنوي لصالح الشعب بعد مجزرة جمعة الكرامة.. وأن انهيار النظام الكامل بات وشيكاً والآتي من الأيام الثورية كفيل بذلك بعد أن فوَّت الثوار الفُرصة التاريخية لإسقاطه نهائياً فور انضمام اللواء محسن مباشرة.. لم يكن الانضمام وتَعهُد اللواء بحماية الثورة والثوار هو نهاية جُهده وجهاده، فتلك كانت البداية التي اقتضت منه التعامل الراقي الواعي مع تبعات الانضمام المادية والمعنوية على كُل المستويات والتي تحملها لوحده بصبرٍ وسعةَ صدرِ وتجلُّد قيادي نادر فريد من نوعه.. لقد قدَّم روحه وسخَّر كُل إمكانياته من أجل هذه الثورة ومن أجل الوفاء بالتزاماته التي أعلنها في خطاب الانضمام، فلم يبرح بعد ذلك مقر قيادته طواعية وكضرورة ثورية طيلة عام ونصف تقريباً ويده لم تبتعد عن الزناد مُنقطعاً عن العالم الاجتماعي وعن كُل مُحيطه الأسري..مؤثراً الوجود في كنفِ الثورة.. راضياً بقدره مهما كان وبنمط حياة الثوار التي كان يحييها معهُم اللحظات والدقائق والساعات والأيام أولاً بأول في مُحيط اعتصامهم وفي خيامهم وفي مسيراتهم، مُستفرغاً كل طاقته وفكره في تفعيل الإيقاع الثوري وفي نفس الوقت حماية الثورة من الانزلاق للمجهول والثوار من بطش النظام وقد اقتضى منه الجمع بين هذين المُتناقضين استفراغُ رصيد تجربته العسكرية ورصيد تجربته السياسية وكان تفعيل الجمع بين هذه التناقُضات في الواقع الثوري شُغله الشَّاغل الذي كان يعصُره عصراً حتى أصبح غريباً عن كُل من كان حوله وبدا لهُم كأنهم لا يعرفونه أو هكذا كان.. لقد بذل اللواء"علي محسن" كُل ما يُمكن أن يبذله العظماء من أجل أوطانهم، فلقد كان في أحلك الظروف الثورية قامة سامقة..رابط الجأش.. قوي الشكيمة..يعرف تماماً ماذا يريد وكيف يُحقَّق ما يُريد، جاعلاً في نفس الوقت من نفسه وجيشه سداً منيعاً وعقبةً كأداء أمام كُل المؤامرات الظلامية التي كانت تستهدف إجهاض الثورة وإخمادها مادياً إلى الأبد.. لقد كان اللواء واضح في إستراتيجيته الثورية والتي تمثَّلت في منع النظام من استخدم القوة ضد الثورة مهما كانت تبعات هذا المنع وعلى ذات السياق أعْمَلَ وبحرفيةٍ رائعة القيم الأخلاقية الوطنية بإدماجه الكلي للجيش الحُـر في بوتقة الثورة وربط مصيره النهائي بها وجوداً وعدماً حتى وصلت بهذا الاندماج إلى العالم المشهود بنصر وحسم ثوري سياسي أنموذجي تجلَّت فيه كل معطيات وعناصر الحكمة اليمنية في أبهى صوره عرفها التاريخ الإنساني الحديث.. ويجب أن نُقرر هنا أن اللواء أثَّر برؤاه المعرفية والفلسفية في مُقدمات الثورة وفي نمط الحسم وفي صناعة الأنموذج الثوري برمته..وحين يسرد التاريخ حكاية الثورة اليمنية الشبابية هل سيكون لها وجود بدون الحضور الحسِّي والمعنوي لـ للواء ؟! أقول هذا للتأكيد..فبعضاً البشر المعاصرين لنا يجحد هذا الحضور التاريخي للواء لأسباب سياسية أو طائفية، لكن التاريخ موضوعياً متجرداً لا يعترف بكل تلك التُّرَّهات.. إنه لا يعترف سوى بالوقائع وصانعيها والأشخاص وإبداعاتهم التي تُجبر التاريخ على تدوينها..فماذا يمكن أن يقول القائل عن الثورة بدون اللواء/علي محسن؟!.. التاريخ يُدوِّن ما وقع بالفعل ولا يعنيه وصف الفعل أو الفاعل إلا بما فيه موضوعياً ولا يُقرنه بآراء المعاصرين له قدحاً أو مَدحاً، فذاك شأن التقييم الشخصي الذي لا علاقة له بالتاريخ..
لقد قصدت من خلال هذا الإيراد القول أن اللواء/علي محسن قدَّم كل شيء للثورة وكان الثائر الفاعل للإيقاع الثوري، متوارياً عن الأنظار وعن اللغط الإعلامي، قاصداً رضا مولاه فحسب كما عهدناه ولا نُزكي على الله أحداً.. ولكن للأسف الشديد ما إن حطَّت الثورة أوزارها نسبياً حتَّى صوَّبت الخمائر الثورية المضادة للثورة وبعض القُوى المأزومة سهامها صوبه.. مُبتعدةَ عن أي قيم أخلاقية ثورية وأصبح اللواء الثائر مُستهدفاً من قِبل هذه القوى التي تحالفت مع بقايا النظام السابق للنيل منه بكل الأشكال والصور الممكنة.. فلقد علم هؤلاء البعض أن هذا الرجل العظيم كان لوحده ثورة..ولولاه في عالم الأسباب ما كانت الثورة بهذا الثوب الرائع القشيب الذي تتحلى به في حاضرنا.. فعلى أقل تقدير اللواء حَــدَّ من طبيعة الثمن الذي كان الشعب سيدفعه من أجل إنجاح ثورته والذي كان مُقدراً أنه لن يكون أقل كُلفةً مما فعله بشار بشعبه أو معمر بأمته بعد أن بدت ملامح ذلك الثمن واضحاً في مجزرة جُمعة الكرامة ولكانت اليمن أثراً تاريخياً بعد عين... لقد كانت القوى المعادية للثورة وعلى رأسها النظام السابق وزعيمها تُدرك أن ثأرها كامنٌ في النيل من اللواء، فهو رمزٌ للثورة والقلعة الحصينة لها، فبعد أن فشلوا في تصفيته جسدياً ها هم اليوم يسعون لاغتياله سياسياً..ولقد أدركتُ شخصياً ومُبكراً أن رأس النظام السابق لن يُغادر اليمن ولن ينقاد للمُبادرة الخليجية حتى يتخلص من هذا البطل الثائر سياسياً ويوقف زخمهُ وعطائه وجهده بالضغط المُباشر أو غير المُباشر دولياً ومحلياً من أجل ذلك وفي الوقت ذاته يفتعل الأحداث والوقائع التي قد تجعلهُ مُحايداً وتشُلُّ حركته بالإقصاء لكوادره من أماكنهم الطبيعية والتضييق عليه والحد من إمكانياته على كُل المستويات حتى يصل الحال باللواء، وفقاً لترتيبهم، إلى مرحلة طلب الرحمة من خصومه وأعدائه من النظام السابق.. إن رئيس المؤتمر تمرَّد على كل شيء ويرفض كل شيء حتى ينتهي من حَبكِ مؤامرته ولن يرضى بغير التخلُص والإقصاء للواء/علي محسن وجعله حُطاماً ومن ثَم سيرحل بعد أن تصبح اليمن مهيأة أيضاً لتكون أطلالاً..
إن القرارات الأخيرة برغم وجاهة ما تتوخاه، إلا أني أشتمُ فيها ومنها رائحة المناصفة والمماثلة ما بين بقايا النظام السابق وبين اللواء "علي محسن"، ما بين رمز الثورة ورمز النظام السابق، ما بين الثورة وبين النظام السابق ويبدو أن هذا جُل ما كان يسعى إليه حثيثاً رأس النظام السابق من خلال رفع سقف حالات التمردّ والسعي في الأرض فساداً ومن ثَم الاشتراط الوقح الغير مباشر مقابل وقف كُل ذلك النَّيل من رمز الثورة وإقصائه من دوره الوطني والثوري كمعادلة واضحة.. وكلما أصرَّ الثوار على رحيـل رموز النظام السابق، كلما أصر هؤلاء أن يكون الثمن هو رحيل اللواء علي مُحسن أيضاً.. حتى أصبحت هذه المعادلة اللا معقولة سمجة بكُل ما تعنيه الكلمة وفي تصوري أن ما يشترطه بقايا النظام أمرٌ غير مُستغرب، فقد فعل فيهم رمز الثورة الأفاعيل.. لكن المستغرب أن يستحوذ النظام السابق على الوعي الثوري من خلال فرضه لمعادلة التخريب وتهيئة الوعي الاجتماعي أنه لن يكُف أذاه أو يرحل ولن يوقف نشاطه الإجرامي إلا بتحقيق شرطه الغير مُعلن المُبطن "رحيل اللواء".. فيُرفض هذا الشرط اجتماعياً وسياسياً وثورياً بصمت ليعود التخريب بعد ذلك من جديد متزامناً مع الوهن الثوري الذي بدأ يستحسن ويتذوق إمكانية تقبُّل فكرة الزعيم في اللاوعي تحت ضغط المعادلة الذي يبدو أن صقور المؤتمر ضالعون في تفعيلها..
إن النظام السابق من خلال هذه المعادلة لم يحتل فقط نصف الحكومة ونصف الجيش ونصف الوطن، بل إنه الآن يصنع معادلة تستهدف احتلال نصف وعي ثورة ونصف ذاكرة الثوار من خلال سعيه لتغليب المصلحة السياسية والنرجسية على المبدأ الأخلاقي الثوري الذي يراهن بقايا النظام على إفراغه من محتواه حين يصل إلى مرحلة الإمكان الثوري المُجسد إدراكاً في جواز أن يبتلع الطوفان السياسي جُزءً من تاريخهم أو رمزاً من رموزهم.. فإذا كان النظام السابق قد وصل إلى هذا الإمكان نظرياً بوعي سياسي وبلا وعي ثوري فهل يُمكن القول أن هذا الإمكان بدأ تفعيله حسّياً في القرارات الأخيرة بالتخلُص من الفرقة مُقابل التخلُص من الحرس وفقاً للمعادلة المُفترضة من النظام السابق؟ وهل سيكون الآتي من الأيام وفقاً لهذه المعادلة حاملاً فكرة التخلص من اللواء علي محسن؟!.. لكني لستُ أدري.. أيُّ كمٍ وأي حجمٍ يُمكن أن يكون المقابل؟!..لستُ أدري أي ثمن وأي مقابل قد يكون للتخلص من ثورة؟!.. هذا جانب والجانب الآخر حين تصل المعادلة إلى هذه المرحلة من الحسم هل يمكن القول أن الثورة شرعت بأكل أبنائها؟ فإذا لم يكن كذلك..فأي قيمة لثوره تُقدم خِيرة أبنائها قُرباناً لأعدائها بداعي الوصول لأهدافها؟! مع إني أعلم تماماً أن اللواء لن يُمانع في تقديم أي تنازُلات من أجل الشعب وثورته , لكن..يظل السؤال القائم الذي يفرض نفسهُ على كُل الثوار: إلى أي مدى مُمكن أن تسمح الثورة للواء أن يُقدم تنازُلات لا خطوط حمراء فيها؟! والأهمُ من ذلك ما هي تلكَ الخطوط الحمراء التي لا ينبغي لأحد أن يتجاوزها حتَّى اللواء نفسه؟!.. أترُك الإجابة على مُجمل هذه التساؤلات للضمائر الثورية الحية..
وفي الأخير أقول: أعلم يقيناً أن كلماتي هذه قد تُغضب كثيراً من الزملاء ورفقاء الدرب..لكني أجدُ أنّهُ من الظُلم أن تكُف أقلامنا عن كتابة الحَق بداعي أنُّه قد يُفهم منها أننا نتقرَّب بها إلى غيرنا زُلفى، غيرَ أنَّ الحق أحقُ أن يُتَّبع وما قد يضُرنا أن يفهمنا غيرنا على غيـر ما نقصد وعلى غيـر ما نُريد، ففي نهاية الأمر نحنُ مسؤولون أمام الله عما نكتب وما نقول ولسنا مسؤولون عما قد يفهمُه الآخرون فيما لا تحتملهُ كلماتنا ولا تستهويه أفكارنا ولا قصدتهُ نياتُنا!.
 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد