;
د. وصفي عاشور أبو زيد
د. وصفي عاشور أبو زيد

نحو حلف فضول عربي إسلامي 1503

2013-01-18 15:20:18



"حلف الفضول" هو اتفاقية من أهم الأحداث التي وقعت قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كانت إثر قدوم رجل زُبيدي من أهل اليمن ببضاعة له، فاشتراها منه العاص بن وائل السهمي، ورفض أن يعطيه ثمنها؛ فاستغاث الزبيدي بالأحلاف من قريش- وهم بنو عبد الدار وبنو مخزوم وبنو جمح وبنو سهم وبنو عدي- فأبوا أن يغيثوه، فاعتلى جبل أبي قبيس- وقريش في أنديتهم حول الكعبة- فأنشد عدة أبيات مطلعها:
يا آلَ فهرٍ لِمَظلومٍ بضاعتَه     ببطن مكة نائي الدار والنفر
فلما سمع ذلك الزبير بن عبد المطلب بن هاشم قال: "ما لهذا مَتْرك"، فاجتمع في دار عبد الله بن جُدْعان عدد من بطون قريش، وتحالفوا في ذي القعدة- وهو شهر حرام- على ألا يُظلم بمكة غريب ولا قريب ولا حر ولا عبد إلا كانوا معه؛ حتى يأخذوا له بحقه ويؤدوا إليه مظلمته من أنفسهم ومن غيرهم، وأرجعوا للرجل الزبيدي حقه من العاص بن وائل، وحين رأت قريش ذلك قالت: "لقد دخل هؤلاء في فضل من الأمر"، فسمِّي ذلك الحلف بـ"حلف الفضول".
وهذا هو الحلف الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "شهدت حلفًا في دار عبد الله بن جُدْعان، لم يزده الإسلام إلا شدة، ولهو أحب إليَّ من حمر النَّعَم، أما لو دُعيتُ اليوم إليه لأجبتُ".
يقول أستاذنا د. عبد الرحمن سالم، أستاذ التاريخ والنظم الإسلامية، في كتابه عن الرسول: "فالواضح أن مبادئ هذا الحلف تتفق في جوهرها مع قيم الإسلام وتوجيهاته؛ لأنها مبادئ تهدف إلى حماية حقوق الإنسان وإنصاف المظلوم من الظالم، ولم يزد الإسلام هذه المبادئ إلا شدةً كما عبر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وهذا يدل على عظمة الإسلام وأنه جاء (مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه) (المائدة)، فأقر الأخلاق والقيم الإيجابية والإنسانية النبيلة وزادها شدةً، وهدم الأخلاق السيئة والقيم السلبية ونفَّر منها، ونحن في عصرنا هذا في حاجة ماسَّة إلى ولادة حلف عربي إسلامي للغرض نفسه، وإن كانت هناك هيئات ومؤسسات من وظائفها رفع الظلم عن المظلومين وكف الظالم عن ظلمه، وحماية الضعيف والفقير، ولكن هذه الهيئات فُرِّغتْ من مضمونها، وتسير في ركاب القوي وإن كان ظالمًا معتديًا، وتتخلى عن الضعيف وإن كان مظلومًا معتدًى عليه! ومن هنا فإن تشكيل حلف جديد أهون وأيسر من إصلاح الهيئات القائمة.
وإذا كان حلف الفضول قد تشكَّل بسبب وقوع ظلم من فرد واحد على فرد واحد؛ فكيف بنا اليوم والظلم يقع من شعب على شعب، ومن دولة على دولة، ومن أمة على أمة، ومن حكام طغاة على شعوب بأكملها، كما أن أمتنا الآن في حال نهوض وقيام، وتحتاج لمن يُنهضها ويسدد قومتها حتى تسرع الخطى وتختصر الطريق إلى الهدف المنشود، وهي أن تعود هذه الأمة شاهدةً ورائدةً وقائدةً، تكف الشر عن الناس حتى لو كانوا غير مسلمين، وتُوصِل الخير إلى الإنسانية جمعاء؛ لأن من مقاصد الإسلام العظمى: العمل على خير الإنسانية.
نضيف إلى ذلك أيضًا أن بلاد الربيع العربي التي تستأنف حياةً جديدةً الآن بحاجة إلى التكاتف والتوافق، وأن يقوي بعضها بعضًا، ويسند بعضها بعضًا، ويشد بعضها من أزر بعض "والمسلم أخو المسلم لا يَظلمه ولا يُسْلمه"؛ حتى تصل إلى غاياتها وتحقق مقاصد ثوراتها وتعمل على بناء دول حضارية حقيقية، تحترم الإنسان وتنزله المنزلة اللائقة به كإنسان (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) (الإسراء)، فتحقق له العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وترفع الظلم عن كاهله، بعد أن عاش عقودًا طويلةً تحت نير القهر والظلم والبطش والاستبداد.
كما لا ننسى أن موجة الثورات لن تقف عند هذا الحد، فسوف تتمدد يمينًا وشمالاً، وشمالاً وجنوبًا، وهذا يقتضي وقوع الظلم وإسالة الدماء، مثل التي نراها اليوم في بلد مثل سوريا، كما رأينا بالأمس في بلاد عربية أخرى.
 وكذلك قضايا العالم الإسلامي، مثل قضية المسلمين في ميانمار التي لا تجد بواكي لها، ولا سند ولا معين ولا نصير، وقضية فلسطين التي تعاني تحت الاحتلال الصهيوني ظلمًا وقصفًا وصلفًا، ولا تجد هذه القضايا رجلاً في العالم اليوم، مثل الزبير بن عبد المطلب بن هاشم يقول بلسانه: "ما لهؤلاء مترك".. إن هذا كله- وغيره- يؤكد حاجتنا الشديدة اليوم إلى تشكيل هذا الحلف، الذي أدعو أن يكون برئاسة مصر في ظل قيادتها الجديدة، وبعضوية تركيا مع بلاد الربيع العربي: تونس وليبيا واليمن، وقد ينضم لهذا الحلف دول أخرى لا ترضى الظلم للشعوب، وبخاصةٍ إن كانت ضعيفة فقيرة، وتكف الأشرار والظالمين عن شرهم وظلمهم حتى لو كانوا أقوياء وسادة العالم.
* Wasfy75@gmail.com

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد