;
د/ عبدالله الحاضري
د/ عبدالله الحاضري

صراع القوقاز واثرهُ المباشر على الثورة السورية..! 1999

2013-03-07 15:48:22


أبداً لا يُمكن أن نُدرك حقيقة ما يجري في سوريا دون أن نتطرَّق ولو من ناحيةٍ تاريخية مُجرَّدة لطبيعة الصراع الدولي في منطقة القوقاز - آسيا- وكيف تشكَّلت أطرفه ومحاوره ولو بصورةٍ مُقتضبة وبإيجاز غيرَ مُخل لِنصِلْ الى مفهوم منطقي تشخيصي لعلاقة صراع " القوقاز" بالثورة السورية, فالحالة الروسية الايرانية العدائية للثورة السورية هي حاله استثنائية في واقعها غامضة في أسبابها, مُخزيه في نتائجها الكارثية على الوضع الحضاري والإنساني وتضع أكثر من علامة استفهام عن حقيقة ما يجري في سوريا على كُل المستويات والوقوف في نفس الوقت على خلفية المسوغات المخفية تحت الطاولة للموقف السلبي الأميركي الذي لا يقل خزياً عمن سبقوه في آسيا..! والظاهر أنَّهُ من البدَهي أن نتساءل لماذا تُصِر أميركا على الحاق العار بتاريخها وحضارتها امام اطفال ونساء سوريا الذين تُرتكب بحقِّهم جرائم ابادة جماعيه لم يشهد لها التاريخُ مثيل بأفتك الاسلحة الروسية وبفتاوى وفاعلية إيرانية واوباما لا يُحرِّك ساكنا وكأنَّ الامر لا يعنيه فهل اصبح الضمير الامريكي في غيبوبة ومرهوناً بقطرات النفط القوقازيه..؟!وهل القيم الإنسانية التي استودعها الله الحضارة الغربية خانتها امريكا ذاتها..؟!.
وحتى لا نذهب بعيدا في هذه العجالة يجب القول ان انهيار الاتحاد السوفييتي غيَّر الحالة الجيوسياسية في القوقاز وآسيا الوسطى التي استقلَّت بموجبه جمهمورياته وتغيَّرت بذلك كُل مُعطيات العلاقات الدولية في اسيا عموماً والقوقاز بشكلٍ خاص فأمريكا استوطنت قلب القوقاز كما لم تكُن من قبل واقامت علاقات نوعيه دبلوماسية وتجاريه ومعاهدات عسكرية وثيقة مع دول في المنطقة مع "جورجيا-اذربيجان -داغستان " وهذه الأخيرة بالذات أسالت اللُعاب الاميركي فهي تربُض فوق بُحيرة من النفط يمتَد إلى داخل " أذربيجان" وفيها من الاحتياطي ما يجعلُها في التصنيف العالمي ثاني احتياطي بعد الخليج..! وبدأت أميركا تُسارع في تفعيل الاتفاقيات التجارية النفطية مع هذه الدول وشرَعت في مـد أنابيب نقل النفط منها الى جنوب شرق تركيا هذا التوغُّل الامريكي المُتسارع في جُغرافية منطقة القوقاز أثار حفيضة روسيا وإيران اللتين أعتبرتا الوجود الامريكي في عُقر دارهما خطراً حقيقياً على وجودهما الحيوي وتهديداً مُباشراً للأمن القومي القوقازي ونهبٌاً مُشرعناً للثروات النفطية في القوقاز وبحر"قزوين" الذي هو عبارة عن حق خالص لهما ولدول المنطقة وما الوجود الامريكي الوقح الا امرٌ مُستهجن قد يُربك الوضع الجيوسياسي برمته ويخلق حالة شاذة مُغايرة تماما للتاريخ وللواقع القوقازي وعلى اثره وجَّهت روسيا اصابع الاتهام لأمريكا بانها تقف وراء احداث الشيشان وثورة الشيشيان وتمرُّد داغستان وارباك الوضع الامني في المنطقة بكلها وداخل روسيا وما أثار حفيضة روسيا أكثر هو انَّ أميركا نفذَّت بالفعل مشروع مـد أنابيب نقل النفط والغاز من دول حوض بحر قزوين إلى البحر الأسود ومن ثَم خَط باكو -تبليسي- وصولاً إلى ميناء صوبا الجورجي على البحر الاسود ومن ثَم الى ميناء جيهان على البحر المتوسط جنوب شرق تركيا هذا المشروع الأمريكي العملاق الذي نُـفـذِت المرحلة الاولى منه اربك كُل الاوراق الروسية -الإيرانية - واشعَر الصين ايضا ان امنها القومي في خطر امريكا تطرُق كُل الابواب ما جعل تحالفها الاستراتيجي مع الاتحاد الروسي أكثر عمقاً مما مضى وعلى ذات السياق اعتبرت روسيا ان هُناك دول رجعيه أسلامية متخلفة متحالفة مع امريكا تُحاول زعزعة الامن القومي الروسي بإيعاز منها واتهم "فلادمير بوتين" السعودية وباكستان بانهما تقفان وراء احداث القوقاز من أجل تحقيق أهداف جيوسياسية وشَخَّص بشكل واضح ان هذه الاهداف ماهي إلا دينيه بالدرجة الاولى وأقتصاديه بالدرجة الثانية وذكرَ ان ثروات "القفقاز" النفطية الممتدة من بحر قزوين الى البحر الاسود هي المُحتوى للمطمَع الاقتصادي.
ذكر هذا التصريح في احدى قنوات التلفزيون الروسي- وكان الاكثر دِقه في تشخيص الحالة الروسية للوضع الجيوسياسي للقوقازهو " فلادمير كوولوف " الذي أكَّـد أن هناك دوائر في السعودية والباكستان موَّلَت التمرُّد الداغستاني ويلزمُه القول ايضا ان ذلك تَم بإيعاز امريكي التي تسعى لِخلق حالة ارباك في المنطقة.., غير انَّ الثابت الوحيد هو ان امريكا -ولكي تُحقق أهدافها في القوقاز-سعت فعليا لجِعل روسيا معزولةً عن مناطق نفوذها الطبيعية وتجريدها من وسائل السيطرة على مُحيطها تمهيدا لتفتيتها الى جُغرافيات متعددة غير قادرة على الصمود امام مشروعها وتضلُّ خاضعةً بالضرورة لها ومن اجل ذلك وسَّعت نفوذ حلف "الناتو" شرقا ليستغرقَ سيادات تلكَ الدول ونفوذها على اراضيها من خلال اشراكها في كُل مشاريع "الناتو" باستثناء " طاجكستان" طبعا وحتى تضمن امريكا استحواذها على ثروات القوقاز فجَّرت بؤر صِراع بأفكار ومفاهيم عرقيه وقوميه في المنطقة فوقعت الحرب ما بين " اذربيجان وارمينيا " على اقليم " ناغوري كاراباخ " وعلى اثر هذه الحرب تحالفت أذربيجان مع امريكا وتركيا وارتمت بالكلية في احضانهما وتحالفت ارمينيا مع ايران وارتمت بالكُلية في احضانها واستحوذت الشركات الاميركية على مُعظم العقود التجارية في اذربيجان وكذلك استحوذت ايران على معظم العقود التجارية في ارمينيا وتفجَّر صراع عرقي في جورجيا لتنفصل على اثره " ابخازيا" وترتمي "تبليسي" اكثر في احضان أمركيا ويرتهن قرارها السياسي بها ومما زاد الطين بِله هي تلك المناورات " الأمريكية الجورجية الأطلسية " وايـن..!! في البحر الاسود هذه المناورات ماهي في حقيقة الامر الا صفعة امريكية في كُل الخدود الروسية ..! وادركت روسيا بعدها ان امريكا تسعى لقطع اوردتها وشرايينها والاستحواذ الكامل على كُل الثروات في " القفقاز" وإخضاعها كُرها للهيمنة الأميركية بعد أن تُصبح حُطاماً لا حراك فيه وفي نفس الوقت أدركت إيران أن أميركا باتت تُشكل - بوجودها في القوقاز - خطراً مُفجعاً على وجودها وأن طبيعة الصراع قد جعلها في خندقٍ واحد مع روسيا وحليفتها الصين ونتيجةً لهذه المُعطيات تشكَّلت الحالة الجيوسياسية في منطقة القوقاز وفقا لطبيعة الصراع ومحاوره ومُجنَّباته فأصبحت امريكا وجورجيا واذربيجان وبعض المناطق في داغستان حِلفٌ واحد عميقٌ بأبعاده السياسية والعسكرية والتجارية واصبحت روسيا الاتحادية والصين وإيران وأرمينيا وأبخازيا وأوستيا حِلفٌ واحد بالضرورة الجغرافية والديموغرافية المُرتكز على مفهوم الحق الطبيعي في الوجود وبعد هذا التشكُّل الجيوسياسي في المنطقة حينها كان من الواضح ان ميزان القوى مائل نسبياً لصالح أميركا وحُلفائها كنِتاج حتمي لأثار انهيار الاتحاد السوفييتي والتفرُّد الامريكي بالقرار السياسي الدولي منذ عام 92 وحتَّى عام 2000تقريبا.
وفي بدايات 2001 بدأت روسيا وحُلفائها العمل على تعديل ميزان القُوى لصالحهم وظهرت فاعليتهم وواقعيتهم بحُكم انصهارهم في جغرافية وديموغرافية مناطق الصراع القوقازي واستطاع هذا الحِلف في بدايات عام 2007 كسـر وتعديـل ميزان القُوى لصالحه وتتويج جُهده المبذول بالعودة الى الخارطة السياسية العالمية والاشتراك في صناعة القرارات الدولية.
 ومما ساعده على هذا التتويج انكماش الفاعلية الاميركية كـ حتمية لوجودها الطارئ الغير مُستقر في المنطقة المُعلَّل سياسياً وتجارياً فقـط ولم يكُن يبعُد في مداه الأقصى عن الاستحواذ على منابع النفط مُبتعداً بذلك عن أي مُسوِّغ أخلاقي أو حضاري لوجوده في القوقاز ولهذا لم تجد روسيا وحلفاؤها صعوبةً في تحقيق انتصارها النوعي فكريا ومادياً في زمن قياسي عليها وباتت المصالح الامريكية والغربية برمِّتها في القوقاز تحت رحمة روسيا وحلفائها ..!.
لقد قصدتُ من خلال هذ السرد الوصول الى نتيجةٍ واحدة مُحددة وهي ان صراع القوقاز ونتائجه بطبيعة الحال أثَّر على الثورة السورية فالنظام السوري داخل بالضرورة في الحِلف " الروسي الايراني الصيني " منذُ أمـدٍ بعيد والمعارضة السورية مُصنَّفه نظرياً خاصةً بعد دعـم تركيا وبعض الدول العربية لها بأنها حليف لأميركا العدو اللدود لروسيا وحلفائها في القوقاز ولابُد أن تُصفَع أميركا في سوريا كما صَفَعتْ روسيا في القوقاز وحتَّى لا تتأثر المصالح الأميركية في القوقاز خَنعت امريكا والغرب للصفعة الروسة كما لم تفعل من قبل ونصبَت فقط صواريخ " باتريوت" في تركيا على استحياء حتى تُخفف من هول الصدمة التركية من الموقف الامريكي الخاذل لها وهي العضو المؤثر في حلف " الناتو " ورفضت امريكا حتَّى مُجرد دعـم الشعب السوري بالسلاح وتركت صواريخ "سكود" تُبـيـد اطفالهُ ونسائهُ دون حياءٍ من الله أو أحدٍ من خلقه وكأنما ادركت امريكا انهُ حان الوقت لتتلقَّى صفعات من صفعتهُم بالأمس ! وهي اليوم اكثر واقعية الى درجة انها تُديـر خدَّها للصفع الروسي في سوريا والصفع الايراني في كُل جهاز تخصيب يورانيوم والصفع الصيني في كُل أختراق الكتروني لمرافقها الحيوية..! وما على المُعارضة السورية الا أن تُدرك أن لا خيار أمامها سِوى الارتكاز على الله ومن ثَـمَّ على طاقتها الحيوية المبذولة على اسوار دمشق.. فيـبدو أنَّ الغرب اتخذَ قرارهُ بالتضيحة بقيَمهِ وأخلاقياته وأن أمريكا تخون أمانة البشرية المُستودعة لديها حتَّى لا تضيع مصالحها في العالم وفي القوقاز الواقعة تحت رحمة روسيا وحلفائها التقليديين ..!
وحسبنا الله ونعمَ الوكيل

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد