;
د/ عبدالله الحاضري
د/ عبدالله الحاضري

الفِرقة ..والوداع الأخير 2305

2013-04-15 17:49:23


تتـوسط مَقـر قيادة الفرقة الأولى مُدرَّع منصة الاستعراض العسكري وعن يمينها يقع مكتب القائد وبعض الملحقات الاعتيادية وعن شمالها توجد باحات جميلة طبيعية كما هي عليه بتضاريسها الرائعة وأمام المنصة يقع المعسكر الداخلي فيه مرابض العربات وساحات الجمع العسكري اليومي مفروش بحصى قد تشبَّع بعرق كل الأبطال الذين تَدرَّبواْ ومرَّواْ مِـن هاهُنـا وبقية الاتجاهات تكاد تتماثل مع هذا الوصف الموجز ويقف فوق الجميع جبل الدِّفاع الجوي حارس الطبيعة العملاق الذي أنسناه وأنسنا نُحبُّه ويُحبنا في أروع علاقة حُـب يمكن أن تنشأ بين الإنسان والطبيـعة..! لـم تكُن الفرقة مليئةً بالأحجار وقطَع الإسمنت أو المنشآت العملاقة كُل ما فيها من وجود للأشياء بقيَ على طبيعته كأنَّها يمـنٌ مُصَّغرة بكُل تفاصيلها الجغرافية ,لكنَّها كانت مُمتلئةً برجالٍ مُميَّزين نادرين -شجاعة ونُبلاً وأخلاقاً- قلما تجـد مثيلاً لهُم فـي التـَّاريخ الحديث.. خاضوا الحروب تِـلوَ الحروب في كُل أرجاء الوطن دفاعاً عنهُ وعن حُريته واستقلاله ونظامه السياسي وحين تجد رجلاً مُفعماً بروح العسكرية حتى الثمالة وفي جسده آثٌرٌ لجُرح غائر أو أحد أطرافه مبتورة أو ارتسمت على وجهه أخاديدَ ملتوية مجعدة كأنها خارطة تحكي قِصَّـة عشق لوطن حزين إذآ وجدتَ رجُلاً هذه صفاته ,فاعلم أنَّك أمام عسكري ترَبَّى في الفرقة الأولى مُدرع وحين أنظر إلى إعاقة اللواء البطـل/حميد القُشيبي، قائد اللواء 310- وأتذكَّر شهداء الدرب أصلُ إلى نتيجةٍ مُحددة وهـيَ أنَّ وجود الشعوب في التاريخ مُرتكزٌ على قلوب تـنزفُ حتَّى آخـر قطرةِ دمْ ولا يرتكزُ وجودها مُطلقاً على لسان سليط أو خطاب محشو بفـنِ الكلمات ورُطب الحِكم.. لم تكن الفرقة –وربي- مُجرَّد أرض بـل كانت مُحتوىً فلسفياً نادراً لكُل أفكار الخلود والوجود.. أعني خلودَ الأفكار بتمثلها وجوداً قيماً ومنهج حياة في سلوك رجال نادرين تُنجبهُم الأمة في مراحل وجودها النوعي, وما الفرقة إلا ذرات تُراب امتزجت بالعنصر الفكري الوسطي للضُباط والأفراد مزجَ بينهما ثقافة أنَّ الدين لا وجود لهُ بدون وطـن, فأحيا الله بهذا المزيج نُخباً عسكرية كان وجودها بهذا التكوين ضرورةً تاريخية, واليوم صدرَ القرار الجمهوري بتحويل مَقـرَّ الفرقة إلى حديقة أطفال وكم هو حزيـنٌ هذا القرار في ذاته ,مُـرَّاً في تبعاته ,إلا أنَّهُ -ويبدو بدون قصدٍ من مُهندسيه -حمل في ذاته مفهوم حتمية التواصل التاريخي الاجتماعي ,ففي القرار مكمُن سـرّ الحياة في ما بعد فناء الجيل الذي عاصره وأنتجه ,فهذه الحديقة في حال وجودها ستكون الوحيدة في اليمن المشبعة برؤى عظماء الفرقة واليمن المُعللة بأفكار الحُرية والعدالة.. لقد تعلمنا أنه لا يوجد في هذا الكون فراغ ,فكُل الأفعال المنتجة في الأرض تستنسخها السماء وتحتفظ بها كمـا هيَ عليه لحظة الفعل ,فأرضُ الفرقة وسماؤها وفضاءاتها تحتفظُ في ذراتها بتاريخها وهل التاريخ إلا قطراتُ عرقٍ ودَم تدفعها للوجود أفكار الأشخاص والأمُم.., كُل الأطفال الذين سيدخلون هذه الحديقة في المستقبل سيستنشقون هوائها عبيراً وتلتقي أرواحهم بأرواح من عاشوا فيها ويتشبَّعون بوعي أو بدون وعي بأفكارهم ,فَفي كُل شبر وكُل زاوية فكرةٌ وقصةٌ وحكاية.. وحين يسأل الأطفال عن سـر عزَّتهم وكرامتهم في هذه الحديقة حينَ يدخلونها سيُجيب عليهم معلموهم - كضرورةٍ أدبيةٍ وأخلاقية - هُنا مقـر قيادة وعَرين اللواء/علي محسن الأحمر -صانع تاريخ اليمن الحديث وتحولاته- هُنا كان يحيا وهنا كانَ يعيش مع ضباطه وجنوده.. هُنا أفنى شبابه في خدمة الوطن وحمايته والذود عنه حتَّى اشتعلَ الرأسُ منه شيبا.. ذاك المبنى كان يسكن فيه وعلى تلك المنصة كان يستعرض جنوده وفي تلك التبَّة كان يرابط متوشحاً سلاحه حين تشتدُّ على اليمن الكروب وفي تلك الغرفة من ذلك المبنى أعلن انضمامه للثورة الشبابية وفيها أعلن واستبان أنه لا غاية لهُ إلا مصلحة اليمن وألقَـَم أفواه وأفكار حاقديه ومُبغضيه حجراً لم يقدرواْ على بلعها بتنازُله عن كل مآ هو حقٌ له ضارباً أروع الأمثلة في نكران الذات وتقديس مصلحة الأمة وجعلها فوق كُل الاعتبارات والمصالح ووهبكم أنتُم أيها الأطفال في نفس الوقت روحهُ المُحلقة في هذه الحديقة لتحيوا في واحات غناء بدلاً من الكوارث و مآسي الحروب.. غداً سيكون هذا حال أطفالنا مع مُعلميهم في الحديقة, وغداً نقول لهم نحنُ كنا هُنا بالبندق مع اللواء لتروا زماناً مغايراً لواقعنا ذاك الذي كان مليئاً بالجهل والظلم والبهتان.., غير أنَّ ما يُحيرني في هذا الموضوع كله من سيقول لمن وداعاً..! هـل الفرقة أرضاً وتاريخاً وفضاءات بعد هذا العُمـر ستقولُ لـ اللواء وداعاً..؟ أم سيبادرها هو بالوداع..؟ أم أنَّ كليهما سيودعُ الآخر بطريقته الخاصة..؟ وأيُّ قلوبٍ جبَّارةٍ تلكَ التي قد تـتحمَّل طُقوسَ وداعٍ لا لقاء بعده..! فلئن كان اللواء قادراً على تحمُّل ذلك تحت ضغط المصلحة الوطنية فجُلُّ ما أخشاه أن لا يتحمَّل ضُباطه وجنوده ما قـد يتحمَّله هو وتبرز في الآفاق بذور ملامح حراك أقسى من حراك الجنوب .ذلك أنَّ امتهان الوجود أشـدُّ ظلماً من انتقاص الحقوق ولتدارك هذه السلبية وتجاوزها لا بُدَّ من الإحسان لعسكريي الفرقة وإعطائهم فرصةً زمنية معقولة لترتيب أوضاعهم الاجتماعية والحقوقية والعسكرية. وفي الأخير أقول للواء كُنت عظيماً في البدايات الوطنية والثورية وعظيماً في النهايات الثورية الوطنية وأروع من ذلك كُله أنَّك اليوم تشتركُ إيجاباً في صناعة المستقبل بغرس مفاهيم المحبة والسلام وبثَّ الطمأنينة في نفوس الأجيال اليمنية وأنهيت للتو مرحلةً تاريخية جدلية لن تكُف ذاكرة الأجيال اليمنية عن سردها ما تعاقب الليل والنهار وستُوصفُ مُتفرِّداً في تاريخ اليمن الحديث بأنَّك روَّضتَ الأسـود وحَميتَ الحِمى وأودعتَ للأجيال في سيرتكَ منهجَ حياة نظرياً بالأفكار الوسطية والاعتدال وعملياً بالنضال فوقَ كُلَّ السهول والجبال وجَعلتَ من عَرينك حديقةً للأجيال واستبدلتَ بالبندق والبارود أكاليل الزهور والورود..
 وداعاً للفـرقـة الأولى مُدرع أرضاً.. ولشهدائها الجنَّةُ والخلود وللأحياء من مُنتسبيها أقول ومـا يُضيرنا أن أصبحنا قلوباً لِجـَسدٍ وَليـدْ.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد