تعد ثورة الربيع العربي نموذجاً حضارياً من الطراز الأول وليس هناك أدنى شك بذلك, نظراً لالتزامها السلمي المعبر عن مدى الوعي الحقيقي لدى شبابها المتنور والمتعطش للتغيير في الوقت ذاته ولهذا نستطيع القول إنها حدث تاريخي هام اندفع الكثير للمشاركة فيه بمختلف توجهاتهم وبعفوية مطلقة دون أن تكون هناك أي علاقة لأي أجندة لا من قريب ولا من بعيد للتدخل فيها خصوصا في أيامها لأولى بالتحديد
ممالا شك فيه أن الربيع العربي كان بمثابة النافذة التي أتاحت الرؤية لجيل متطلع نحو الأفق باحثا عن عالمه الحقيقي ومستقبله المنشود
ولكن للأسف الشديد ما يعكر صفو هذا الربيع هو قصور الرؤية لدى البعض بمستقبل هذا الربيع ممن يعتبرونه ليس اكثر من مجرد منصة مسرح ربما من السهل أن يتصدر خشبته كل من هب ودب وكأن هذه الثورة لم تكن سوى تجمهر في الشوارع لا اكثر ولهذا يخشى الكثير من المراقبين لهذا الحدث أن تذبل وتتساقط أوراق هذا الربيع قبل نهاية فصله
ما يحدث اليوم في مصر هو بكل تأكيد ارتداد مباغت لخريف لا ينذر بأي خطر مطلقا في الوقت الذي بات هذا الفعل عملاً متوقعاً حدوثه كردة فعل مفادها اطفى بريق ثورة 25يناير بثورة مضادة وليس ببعيد أن يتكرر هذا السيناريو في كل الدول التي شهدت الربيع العربي دون استثناء لان هناك من يمول هذه المسالة إما بطريقة مباشرة عن طريق الترويج الإعلام والدعم اللوجستي وأما بطريقة غير مباشرة عن طريق تقديم الدعم المادي بصورة سرية أو بصورة دعم العمل المنظم أو ما يشبه ذلك.
ولعلنا لاحظنا في ظل هذا الربيع ازدياد غير مسبوق لمنظمات المجتمع المدني بمختلف توجهاتها فكل منظمة لا شك أنها تحوي آلاف الشباب تم استقطابهم أثناء الثورة كما أيضاً تدار تلك المنظمات بطريقة احترافية من قبل خبراء هم في الواقع جنود حقيقيون لقوى معروفة تسعى للهيمنة على العالم بمساعدة حلفاء استراتيجيين من الأنظمة العربية التي تخشى أن تصلها رياح التغيير
وبما أن ثورة 25 يناير بوصلة الربيع العربي وقد حققت انتصارات متتالية على ارض الوقع بمنأى عن التدخلات الخارجية بالتأكيد ستكون الأكثر استهدافا من غيرها وعلى هذا الأساس سيعطى هذا التظاهر شرعية كاملة من المجتمع الدولي حتى لو سادته الفوضى والغرض من هذا هو إيصال رسالة طارئة للحكومة المصرية صاحبة الشرعية في اللحظة الراهن تقديم بعض التنازلات والا ربما قد يتحول هذا الربيع السلمي إلى خريف حرب واقتتال على غرار ما يحدث في سوريا فكل الاحتمالات واردة وفقا للدراسات الاستراتيجية والآليات المقترحة في التصدي للعاصفة القادمة من الربيع العربي والتي تشكل خطر كبير على المصالح الإسرائيلية والأمريكية في دول الخليج كما تحدث الجنرال الإسرائيلي عاموس يدلين إن الربيع العربي أهم حدث في المشرق العربي بعد حرب 1973م وان نتائجه سوف تظهر في إسرائيل في المدى المتوسط وليس الآن وعلى إسرائيل أن تستعد لتغييرات جوهرية في نمط التفاعلات بالمنطقة
فالجدير بالذكر هنا أن ثورة الربيع العربي ستواجه في الظرف الراهن صيف حار يليه شتاء بارد وهذا بالطبع سيستدعى بالضرورة إلى تظافر جهود كل المخلصين لأوطانهم من اجل تجاوز هذه المحنة ومن الطبيعي أن يحدث مثل هذا لا سيما في ظل اجتثاث نظام شمولي استأثر بالسلطة لسنوات طويلة وعاث في الأرض فسادا فالاستبشار بخير الربيع لا يلغي واجب مواجهة الخريف فاذا كان للربيع جمالا يسحر القلوب فله أيضاً استحقاقاته الخريفية..