;
محمد علي اللوزي
محمد علي اللوزي

الحوثية.. قوة قابلة للإختباء 1502

2013-11-10 16:31:20


حين كان العباسيون يفرطون في التنكيل بالعلويين لم يجد بداً الشيعة الاثنى عشرية من أن يخترعوا بعثاً مؤجلاً يمنحهم أملاً في النصر على أعدائهم، فكانت مسألة الإمام الغائب الذي تقول رواياتهم عنه إنه من صلب الإمام (العسكري), وإنه بمجرد ولادته تم إخفاؤه عن الإنظار وتغييبه ليبقى رمز الحضور المقاوم للآخر والمعادي له في نفس الوقت، باعتبار أن غيبته كانت حتمية ليتحقق المقصود لدى الشيعة (الإثنى عشرية) في خروجه ليسوس العالم ويملأه عدلاً بعد أن ملئ ظلماً وجوراً..

ومن ذلك التاريخ حتى اليوم مازال مختبئاً في سردابه يعاني ويرقب ويتبصر كيف يقود الدولة التي تشكل في حضورها صراعاً مع كل المغاير له, باعتباره ظالماً له, ومن حقه أن يناصبه العداء.. والفكرة في حد ذاتها هي تحريض حقيقي على الأقوام والشعوب الأخرى وعلى ما هو إسلامي لا يؤمن بالغيبة وفق هندسة الإثنى عشرية لها.

لذلك نرى الصراع تاريخياً حتى مع المسلمين من قبل الصفوية التي ذهبت لاختراع قضية أكثر دموية في التعامل مع القوى التي لا تعطي الولاية حقها ولا تقول بالإمام الغائب وفق نظرية الشيعة..

وهنا نجد المعنى الخفي لتكرار الصراع بين المسلمين مع الشيعة الاثنى عشرية الذين لا هم لهم سوى خلق ثارات تاريخية وتمكين القوى المناوئة للمسلمين من أن تحدث الفوضى ليتغلغل الشيعة بذريعة رفض الظلم والقهر الذي هم أحد أسبابه الحقيقية في الصف الإسلامي، والذي يمهد في السياق التدميري لظهور مهديهم على خلفية قتل ودمار ودماء يتمكن بعدها من الظهور ليحقق العدل.. هي إذاً نظرية مبنية على العنف, فغيبته كانت بسبب تنكيل العباسيين للعلويين، وظهوره أيضاً يأتي على خلفية احتدام الصراع على الأرض.. إزاء هذا المعنى نفهم حقيقة توجهات الحوثية في خلق مناخات خصومة مع الآخرين من القوى الإسلامية وفي المقدمة من ذلك السلفيين, لعل (دماج) نموذجاً بارزاً لتعامل الحوثي مع المختلف معه.

والواقع أن الصراع المرير الذي يجري اليوم والدماء التي تسيل وتبررها قوى اثنى عشرية وتدعمها الدولة الصفوية ومن له مآرب أخرى، كل ذلك يقدم الوطن لقمة سائغة للأعداء.. غير أن هذا لا يهم من يؤمنون بـ (ولاية الفقيه) ويتبعون أوامره ولا يقدسون وطناً قدر تقديسهم لما يجيء من (قم), وهو الأمر الذي تنطوي عليه مخاوف لديهم تتمثل في أن انتصار السلفيين الذي يبرز بقوة من خلال صمودهم وقدرتهم على صد العدوان ودحره, وربما الوصول إلى موقع نصر مؤزر بفعل ما أحدثته الحوثية من عداوات مع الآخرين بمساحة واسعة, تشكل في مجملها قوة ضاربة وقادرة على إنجاز النصر ضد الحوثيين، لاسيما وأن فتح أكثر من جبهة واستعداء القوى الإسلامية الأخرى ليس في صالح من يعيشون جنون القوة، ولا يبالون بالغد وما يسفر عنه، ليجدوا أنفسهم في ذات السياق التاريخي مهزومين كما عادتهم, ومن ثم الاختباء والتقية التي هي جزء أساس في سياستهم، وهي نتاج خوف من الآخر واستدراج له إلى حيث الإيقاع به..

غير أنها في المعطى الواقعي باتت معروفة ولم تعد تنطلي على أحد, سيما والحوثية لا تجيد المناورة بها ولها في هذا مواقف تتناقض فيها مع نفسها, فهي مع (الدولة المدنية الحديثة) وفي نفس الوقت مع (الولاية للبطنين), وهي مع (العلمانية) وفي نفس الوقت مع (ولاية الفقيه) حد الخضوع وجعله أقرب إلى مقام العصمة, وهي مع (الديمقراطية) وترفض (الحوار), ومع (السلام) وتمارس العنف والقتل في دماج.. هذه التناقضات تقدم الحوثية كقارئ غير ذكي للواقع ومتغيراته وتجعل منها قوة قابلة للاختباء من جديد، وقد يكون هناك أمام آخر يدخل سرداباً لا نراه بعدها ليبقى أتباعه يدورون في فلك الظهور للأول والثاني، وكل ذلك نتاج إخفاقات كبيرة وفشل ذريع تحققه الشيعة (الاثنى عشرية) بعدميتها المستمرة والتي يصل بها الحال إلى أن تضطهد نفسها بنفسها لنقع على غياب مستمر من المهدي إلى الحوثي اليوم, وهو غياب سنقع عليه كحنق من العالم حين تعجز الفكرة عن أن تجد نفسها وتضرب نفسها في ذات الوقت..

الأمر إذاً سيبقى في متواليات الغياب المزمن والحضور المؤلم, فلا الحوثية أدركت معنى المتغير وتعاملت مع الواقع بعيداً عن الغلو والتطرف, ولا هي قدرت على إنجاز نظرية ولاية الفقيه, وبين هذا وذاك ليس سوى الغياب لرمز تصنعه ثم تجعله يختبئ بحجة أن الوقت لم يحن بعد للظهور المنتصر..

وهكذا يبقى الصراع كامناً في ذات القوى الشيعية ومختزلاً في تجارب من التاريخ وفي ما يرونه نوعاً من تعذيب الذات حين لا يقعون على شيء يمنحهم ولاية دينية هي التي تحدد ما يجب ومالا يجب للبشر وتتعامل بمنطق الأحقية الإلهية التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها.. وهكذا من انفعالات طموحة تأتي انكسارات رهيبة، ومن جموح في الدم، إلى اختفاء واختباء وعدم ظهور وإلى كمون أو بيات زمني لا يعرف أحد متى يعود ثانية، غير أنه غياب يبقى مبرراً للدم ولمزيد من الصراع..

ونخشى على الحوثية أن يكون مآلها كما المهدي المنتظر الذي غاب منذ ولادته وحتى اليوم ولم يعد متمثلاً إلا في ولاية الفقيه حتى إشعار آخر.. فهل نجد في مواجهة الحوثية للتنوع وتحفيز التنوع ليحشد نفسه أمام العنف القادم من نظرية الغائب والولاية ما يخلق غائباً آخر في الزمان؟.. السؤال مفتوح والمواجهة مستمرة والقادم لا يشي بنصر حوثي وقد ألب عليه مجتمعاً بأسره, ولم يعد أمامه غير الغيبة من جديد أسوة بمن سبق.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد عبد الملك المقرمي

2024-05-05 23:08:01

معاداة للإنسانية !

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد