;
فهمي هويدي
فهمي هويدي

شيء اسمه الكرامة!! 1121

2013-11-22 18:26:26


في أحد اجتماعات مؤتمر دافوس الذى عقد عام 2005 بالبحر الميت (الأردن) لمناقشة سبل إنجاح السلام وتحقيق التعاون الاقتصادي في الأراضي الفلسطينية، كان المشاركون مجموعة من رجال الأعمال والسياسيين العرب والإسرائيليين.

 وخلال الاجتماع تركزت المناقشة حول عملية الإعمار المقترح تنفيذها لإنعاش الضفة الغربية, وجرى الحديث عن مشروعات للإسكان وخطط للتنمية الصناعية والزراعية، وما يمكن أن يترتب على تنفيذها من عمالة وزيادة في الصادرات ورواج في الأسواق.

 وفى ختام الجلسة التي أثير فيها الموضوع طلب الكلمة افريام سنيه الذى كان آنذاك نائباً لوزير الدفاع الإسرائيلي, وشغل قبل ذلك منصب الحاكم العسكري للضفة أثناء الانتفاضة الأولى (عام 1987) ومما قاله إن المناقشات التي جرت أثارت عديدا من الموضوعات المهمة، لكنها جرت في الاتجاه الغلط.. وشرح للجالسين أنه أثناء توليه منصبه في الضفة كانت الأوضاع الاقتصادية في أحسن أحوالها، وبلغ الانتعاش في المجتمع الفلسطيني ذروة لم يبلغها من قبل، حتى منذ العهد العثماني، الأمر الذى يعنى أن الناس لم يكونوا يعانون من قسوة الضغوط الاقتصادية وأعباء المعيشة، ومع ذلك انفجر غضبهم بشكل عارم فاجأ السلطة الإسرائيلية.

(في 8 ديسمبر من ذلك العام دهست شاحنة يقودها إسرائيلي سيارة كان يستقلها عمال فلسطينيون من جباليا، فقتلت أربعة منهم وجرحت آخرين، وأثناء جنازتهم قام المشيعون بإلقاء الحجارة على موقع للجيش الإسرائيلي في جباليا، وكانت تلك الشرارة التي أطلقت ما عرف بانتفاضة الحجارة التي فجرت بركان الغضب في الساحة الفلسطينية من الضفة إلى القطاع).

ختم الجنرال سنيه حديثه بقوله إن الاقتصاد مهم للغاية، لكن الكرامة أهم منه عند الناس.

 وينبغي ألا ينسى الاقتصاديون والسياسيون هذه الحقيقة التي تعلمها هو من انتفاضة عام 1987, إذ الأكيد أنه لم تكن هناك مشكلة اقتصادية حقيقية في الواقع الفلسطيني، ولكن المشكلة كانت في شعور الناس بأن الاحتلال الإسرائيلي أهانهم وأهدر كرامتهم, من ثم فالتحدي الحقيقي والاستقرار الحقيقي لن يتوافر فقط من خلال إنجاح مشروعات التنمية الاقتصادية، ولكن مفتاح الاستقرار الأكبر يكمن في إشعار الناس بأن كرامتهم محفوظة وأن كبرياءهم محل الاحترام.

حين سمعت القصة من بعض شهود الاجتماع لم يضايقني فيها سوى أنني وجدت نفسى متفقاً في الرأي لأول ــ وربما آخرــ مرة مع كلام مسئول إسرائيلي, حتى قلت إن الرجل كان صادقا وأمينا فيما قاله وأنه وضع يده على نقطة بالغة الأهمية، تتجاهلها حكومة إسرائيل ويتجاهلها كثيرون من أهل السياسة، الذين يحاولون تجنب غضب الجماهير وامتصاص نقمتهم عن طريق استرضائهم بإغداف الأموال والعطايا عليهم، وينسون أن الناس تهمهم كرامتهم بأكثر مما يهمهم رغد العيش الذى يراد لهم أن ينشغلوا به.

 

في التجربة الجزائرية درس من هذا القبيل.. ذلك أن بعض الحكام الفرنسيين تصوروا أن ثورة الجزائريين يمكن أن تهدأ إذا ما قامت سلطة الاحتلال بتنفيذ مشروعات الإسكان والتنمية، وظلوا لسنوات طويلة يتحدثون عن الجهود التي يبذلونها لحل المشكلات الاقتصادية التي يعانى منها الجزائريون، إلا أن بصيرة الجنرال شارل ديجول جعلته يدرك أن مشكلة الجزائر تحل باستقلال البلاد ورحيل فرنسا، أي من خلال إعادة الكرامة للجزائريين. وهو ما تحقق في عام 1961.

ثمة لغط في أوساط بعض المثقفين الخليجيين حول هذه المسألة. وسمعت من بعضهم كلاما متواترا عن العطايا والمزايا التي تغدق عليهم بين الحين والآخر، وكيف أنها تلبى لهم أشواقا وطموحات كثيرة، ليس من بينها حقهم في الكرامة, الذى يرونه متمثلا في حظهم من المشاركة والمساءلة وفى الاحتكام إلى قانون يخضع له الجميع بلا استثناء، وفى التعامل معهم كمواطنين لهم صوت وليس كرعايا ليس أمامهم سوى الامتثال والخضوع.

تحضرني قصة تجاهل مسألة الكرامة هذه كلما طالعت في الصحف المصرية أخبار الإغراءات والعطايا التي تعرض في المناسبات المختلفة على أهالي سيناء, وهى التي تتراوح بين هدايا الأغذية والخيام والبطاطين وبين وعود مشروعات التنمية التي يلوح بها المسئولون في الحكومة المصرية بين الحين والآخر. ولا يشك أحد في أن ما يقدم إليهم أو ما يوعدون به يلبى احتياجات قطاعات عريضة من أبناء سيناء، لكن ذلك كله لا يعوض الكرامة التي يفتقدونها، في ظل عمليات القمع والسحق التي يتعرضون لها من جانب الأجهزة الأمنية التي تتعامل معهم بخشونة مفرطة لا تميز بين الأبرياء والمذنبين، وتعتمد سياسة «التمشيط» والتجريف التي تطيح بكل ما تصادفه وتعرض كثيرين لخسائر فادحة وإهانات لا ينسونها. وهو يشعر الناس بالهوان والانكسار، ويخلف ثارات عميقة بينهم وبين السلطة وممثليها.

إن إشباع البطون والغرائز يرضى الحيوان في الإنسان، ووحده الحفاظ على الكرامة هو الذى يشعر الإنسان بإنسانيته.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد