;
أ. حسان أحمد العماري
أ. حسان أحمد العماري

حينما تغدو صلاتك ثورة .! 1530

2014-05-09 19:12:49


الصلاة فريضة الحياة ووظيفة العمر, فقد دعاءِ الخليل عليه السلام فقال(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [إبراهيم:40] وأنطق الله عيسى عليه السلام وهو طفل صغير فقال (وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) [مريم:31] وافتتح الله بها صفاتِ المؤمنين (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1، 2] وأمر سبحانه وتعالى بالمحافظة عليها فقال ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) [البقرة:238، 239]..

والصلاة هي مفتاحُ السعادة.. وطريقُ دارِ السلام.. وبها يكون العبد في جوار الملك العلام.. روى البخاري أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال لبلال عند صلاة الفجر: يا بلال.. حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام.. فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة!! قال: ما عملت عملاً أرجى عندي, أني لم أتطهر طهوراً في ساعة ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي.. وروى الطبراني وأصل الحديث في مسلم.

 وعن ربيعة بن كعب- رضي الله عنه- قال : كنت أخدم النبي- صلى الله عليه وسلم- نهاري, فإذا كان الليل آويت إلى باب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبت عنده, فقال يوما: يا ربيعة.. سلني فأعطيَك, فقلت: أَنظِرْني حتى أنظر.. وتذكرت أن الدنيا فانية منقطعة, فقلت: يا رسول الله أسألك أن تدعو الله أن ينجيني من النار ويدخلني الجنة, فسكت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثم قال: من أمرك بهذا؟ قلت: ما أمرني به أحد ولكني علمت أن الدنيا منقطعة فانية وأنت من الله بالمكان الذي أنت منه فأحببت أن تدعو الله, قال: إني فاعل, فأعني على نفسك بكثرة السجود..

 وروى مسلم عن ثوبان مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة, فقال: عليك بكثرة السجود لله, فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة).. وفي صحيح مسلم من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُــولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِىَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُــطُّ خَطِيئَةً وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَــةً))..

 إن للصلاة أهمية في حياة المسلم, فهي دليلٌ على إسلامه وإيمانه وبها يكون تميزه عن سائر الأديان والملل فقد قال صلى الله عليه وسلم ((العهد الذي بيننا وبينكم الصلاة فمن تركها فقد كفر))[ صححه الألباني. مشكاة المصابيح (574).] وبها تكون الراحة وعن طريقها تقبل الأعمال وترفع الدرجات وتغفر الزلات وتزيد الحسنات وبها يكون العبد إماماً في الدين قال تعالى { وَجَعَلناهم أئمةً يَهدونَ بأمرِنا وَأوحَينا إليهِم فِعْلَ الخيراتِ وإقامَ الصَّلاةِ..}.(الأنبياء/73) وبالصلاة تستجلب الأرزاق وتدفع البلايا والمصائب وتحل البركة وهي من شروط التمكين والاستخلاف في الأرض قال تعالى { الّذينَ إنْ مكَنّاهُم في الأرضِ أقاموا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكاةَ وأمرُوا بالمعروفِ ونَهَوا عنِ المنكرِ وللهِ عاقِبةُ الاُمورِ }.(الحج/41) ولذلك حافـظ عليها المسلمون وتواصوا بها ولم يجعلوا شيئاً من حطام الدنيا يشغلهم عنها..

 هذا عامر بن عبد الله بن الزبير كان على فراش الموت يعد أنفاس الحياة وأهله حوله يبكون فبينما هو يصارع الموت سمع المؤذن ينادي لصلاة المغرب ونفسه تحشرج في حلقه وقد أشتدّ نزعه وعظم كربه فلما سمع النداء قال لمن حوله: خذوا بيدي..!! قالوا: إلى أين؟ .. قال: إلى المسجد, قالوا: وأنت على هذه الحال!! قال: سبحان الله!! أسمع منادي الصلاة ولا أجيبه خذوا بيدي, فحملوه بين رجلين, فصلى ركعة مع الإمام, ثمّ مات في سجوده, نعم, مات وهو ساجد ليلقى ربه على هذه الحال.

وقال عطاء بن السائب: أتينا إلى أبي عبدالرحمن السلمي, وهو مريض في مصلاه في المسجد, فإذا هو قد اشتد عليه الأمر, وقد بدأت روحه تنزع, فأشفقنا عليه وقلنا له: لو تحولت إلى الفراش, فإنه أوثر وأوطأ, فتحامل على نفسه وقال: حدثني فلان أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: لا يزال أحدكم في صلاة ما دام في مصلاه ينتظر الصلاة.. فأنا أريد أن أقبض على ذلك, فمن أقام الصلاة وصبر على طاعة مولاه, ختم له برضاه, بل هــــذا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يخرج إلى حديقة له كانت خارج المدينة, فعاد والناس قد صلوا صلاة العصر جماعة فقال أواه يا بن الخطاب شغلتك حديقتك عن الصلاة أشهدكم أيها الناس أني قد جعلتها لفقراء المسلمين.

 ومن عظمة الصلاة وأهميتها وثمارها في حياة الأفراد والمجتمعات أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتنقل المسلم من السلبية إلى الإيجابية أمرا بمعروف ونهيا عن منكر بل وتبعده عن مساوئ الأخلاق ورذائل الأمور قال تعالى (وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت/45) ولذلك من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر ومن لم تدعه صلاته للتجمل بأحسن الأخلاق فليراجع صلاته وخشوعه وإخلاصه فالصلاة تحدث في نفس المؤمن ثورة ضد مظاهر الفساد والانحلال، ثورة ضد الكسل والخمول، ثورة ضد الأخلاق السيئة والقيم الهابطة، ثورة ضد الأنانية وحب الذات، ثورة ضد التقصير في بر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران.. ولذلك استغرب قوم شعيب عليه السلام منه وهو يدعوهم ويأمرهم وينهاهم ويحذرهم من طرق الضلال و يقول لهم ( وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (هود:85) واستمر عليه السلام في دعوتهم ونصحهم وإرشادهم فماذا قالوا ؟ ( قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) (هود:87)  قالوا ما علاقة صلاتك وعبادتك في معتقداتنا وأموالنا وسلوكنا وحياتنا ... صلاتك لنفسك لا تتدخل في حياتنا وما أكثر ما يقال اليوم هذا الكلام لمن يريد أن يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر أو يدعو إلى خير..

 إن الصلاة تحدث في نفوس المسلمين ثورة ضد التحاسد والتقاطع والتدابر فيما بينهم فالصلاة تعلمنا الحب والتعاون والتآلف، تعلمنا وحدة الصف والتراص وجمع الكلمة، تعلمنا ألا نجعل مجالاً للشيطان أن يدخل بيننا. قال عليه الصلاة والسلام: "أقيموا الصفوف، فإنما تصفون كصفوف الملائكة، حاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله" [السلسلة الصحيحة:743]، فكما لا ينبغي أن ندع فرجة للشيطان في صلاتنا فإنه ينبغي كذلك أن لا نجعل فرجة للشيطان يوغر من خلالها القلوب ويفسد العلاقات ويؤجج الخصومات بين الأخ وأخيه والجار وجاره والمجتمعات والأحزاب والقبائل مع بعضها البعض.. إنه ينبغي أن لا ندع فرجة للشيطان في حياتنا ومجتمعنا وبلادنا حتى لا تسفك الدماء وتزهق الأرواح ويذهب الأمن ويحل الخوف ونجنب بلادنا ويلات الحروب والصرعات والإختلافات..

 إنه ينبغي أن لا ندع فرجة للشيطان حتى لا يغلب أحدنا مصلحته الشخصية وحب الذات على مصلحة الجميع ومنفعة الآخرين, إنها الصلاة التي تعلمنا التراحم والعفو والتسامح وما أحوجنا إلى هذه القيم والمعاني اليوم في حياتنا ليكون التوافق والترابط والتآلف سمة بارزة لمجتمعنا وأمتنا.. قال عليه الصلاة والسلام, "أقيموا صفوفكم ثلاثاً، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم" [السلسلة الصحيحة:32].. إنه يجب على كل مسلم أن يسعى جاهداً للوصول إلى ثمار هذه الصلاة وأثارها في الحياة وقيمتها الروحية والإيمانية بالمحافظة عليها وحسن أدائها .

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد