;
محمد علي محسن
محمد علي محسن

نعيش كأخوة أو نموت كأغبياء!! 1000

2017-04-08 06:11:20

لنتصالح مع الماضي، بكل ما فيه من مواجع وآلام. المستقبل الجميل الذي ننشده ونتحمس له، لا أعتقد أنه سيأتي هبة أو منحة من الجيران أو الأصدقاء، وإنما هو صنيعة تخلينا عن كثير من الأنانية، وكثير من الأفكار السلبية الفاسدة المنتهكة لآدمية الإنسان.
فما لم نتخل عن محاولات العبث بروح المجتمع المنسوجة من الطيبة المحبة للخير والسلام والوئام - وأيضا – السذاجة والبلاهة واللامبالاة؛ يستحيل التأسيس هنا لدولة ناهضة عادلة يسودها التعايش والتسامح والحياة الآمنة المستقرة.
السياسي الذي يفسد الحاضر بترهات وأوهام وأحقاد، هو في حقيقة الأمر كائن فاشل ميت، فكم من أموات وهم أحياء؟ وكم من أحياء وهم أموات؟. فلا تتعبوا أنفسكم في البحث عن جنان عدن وسط لهيب الشعارات الحماسية المفضية للجحيم.
 قيل إن الديناصورات نفقت وانقرضت من الوجود بسبب أنها لم تتكيف إيجابا مع بيئتها الآخذة بالتبدل والتغير. فلو أنها أتقنت طريقة الضفدعة في تكيفها العجيب مع جفاف المكان، لكانت تلك الكائنات حية ترزق الآن.
دوماً أجدني أستذكر قولة الراحل رسول حمزاتوف، ايقونة داغستان ورسولها الأمين إلى العالم، فعلى لسان أبو طالب، أحد أبطال قصته "بلدي" قال: ‘إذا أطلقت نيران مسدسك على الماضي، أطلق المستقبل نيران مدافعه عليك". ونحن للأسف لا نطلق رصاصات مسدس فحسب، وإنما جميع الأسلحة الخفيفة والثقيلة. 
وأكثر من ذلك فلو لدينا أسلحة بيولوجية محرمة أو حتى نووية لما ترددنا لحظة في تدمير الحاضر والمستقبل اعتقاداً منا بفعل الصواب حيال ماض. نعم ماض هو في الحقيقة تواريخ وأحداث طويت، والأذكياء هم وحدهم فقط من يؤخذون من ماضيهم العبرة والدرس، يعني الشيء النافع لحاضرهم وترك كل ما يضر به.
 أما الأغبياء والسذج فحتماً سيبقون يتناحرون على أوجاع ومآسي الماضي، إنهم يماثلون أولئك الذين أضلوا العباد والبلاد ودمروا الأوطان قروناً، بداعي الثأر للإمام علي وعترته الميامين ومن معاوية ونجله يزيد وأتباعهم من الحكام الأمويين. ففي هذه الحالة يصير الدم المعفر ظلماً وعدواناً وجنوناً مكرمة تستوجب الاحتفاء بها بدلاً من الحزن والمناحة.
حالنا هنا يشبه قبائل "البوندو" الهندية، فهذه القبائل تعد موت الرجل بفعل مرض أو حادث، بمثابة العار، ذلك أن كرامته تفرض عليه أن يلاقي حتفه في معركة وليس في حادثة عرضية.
 أما أكبر قبيلتين في جزيرة مدغشقر، فتقومان بنبش رفات أمواتها لتقيم احتفالات ومآدب ورقص صاخب. فكل ثلاث سنوات، وتحديدا عند موسم حصاد الرز، يقوم ذوو الموتى بتجميع عظام أمواتهم. وفي مشهد سريالي غريب، يستنفد أحيانا ما ادخرته عائلات الموتى من غلالة الأرز، تقام المآدب الباذخة والرقصات الصاخبة، وليومين متتاليين، فكلما كانت الرقصات أكثر وأطول حول الرفات كلما كان ذلك راحة وسكينة لروح الميت المحتفى به. 
المحزن في هذه البلاد أننا أدمنا العيش في كنف ماض يعيد إنتاج ذاته وإن بوجوه عدة. فهناك من استوطن مرحلة الكفاح المسلح والاستقلال وما بعده، وآخرون فضل العيش في حقبة الانكليز وأبان كانت عدن تضاهي المدن الحديثة ومينائها يزاحم موانئ نيويورك وشفيلد ومرسيليا. وهناك من بقي أسيرا لسنوات ما قبل التوحد وحتى اجتياح عدن بحرب شعواء همجية في صيف 94م وما تلاها من سنون حفلت بالاستعباد والقتل والهيمنة. 
المهم وقعت ثورات وانتفاضات وحروب، ورغم هول ما حدث، لا يبدو من أفعالنا وأفكارنا بأننا سنغادر الماضي البغيض، كيما نؤسس لوطن آخر يعلي من قيم الحرية والتسامح والكرامة والإنصاف ويروم لدولة يسودها العدل والمساواة والرخاء والاستقرار. 
إننا وباختصار عاجزون عن الابتداع والخلق، وهما مهمتان أساسيتان وحيويتان يصعب تحقيقهما دون رغبة وإرادة وإيثار. وعندما تبدد المجتمعات فرصها في التحولات الكبيرة، فذاك أنها منشغلة في صراعات ماضوية وفي تفاهات ضيقة لا تنتهي. ما يستوجب من عقلائها إن وجدوا، أن يفكروا جدياً بطريقة ما، تنتشل هذه البلاد من حالتها الغارقة بالبؤس والفساد والتفكك والتبعية والفوضى والعوز والسلاح. 
نعم، لنتعايش كأخوة أو نموت كأغبياء، قولة أطلقها المحامي لوثر كنج قبيل اغتياله برصاصة جنوبي أميركي متعصب لعرقه ولونه الأبيض، في الهزيع الأخير من ستينات القرن المنصرم، ففي المحصلة كانت الفكرة أقوى من الرصاصة. كما وكان الحلم أكبر من أن تنال منه همجية الفعل.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد