;
مصطفى الجبزي
مصطفى الجبزي

المشهد الطائفي في اليمن والتهديدات القائمة 1289

2017-04-20 16:56:56

تدور في اليمن رحى حرب منذ أكثر من عامين فما موقع الطائفية من هذه الحرب؟ هذا هو السؤال الذي بنيت عليه هذه الورقة.
في حقيقة الأمر هذه الحرب هي خليط من عدة عوامل، لكنها ليست حرباً طائفية وذلك لأمرين:
إنها حرب بين دولة شرعية منتخبة وانقلابين هما تحالف بين جماعة الحوثي وصالح. ودخول صالح؛ الرئيس السابق، في هذه الحرب جعلها غير دينية لأن صالح ينتمي أولاً لذاته الشرهة المريضة بالحكم والسيطرة ولأنه ينتمي إلى القبيلة قبل انتمائه إلى المذهب. وإن كانت الحركة الحوثية هي الطرف المذهبي الأكثر وضوحا في معادلة الحرب والانقلاب هذه.
ثانيا لأن الدولة في اليمن ليست مذهبية فهي حكومة تشكّلت في فترة انتقالية في بلد عرف شيئاً من الديمقراطية وتعدد الأحزاب وكان أن تقاسمت الأحزاب المواقع الوظيفية على أسس حزبية وجهوية لا مذهبية.
وعموماً، لم يكن للمذهبية الدور الأكبر في الحروب اليمنية البينية المتكررة كثيراً. وإن كان الخطاب العام لا يخلو من نعرات مذهبية، لكنها لم تنتقل إلى مرحلة الفعل في القرن الأخير على الأقل.
إلا أنه لا يمكن تجاهل البعد المذهبي في اليمن وسنأتي على تفصيل ذلك.
قادت الأحداث التاريخية في اليمن إلى تمايز لونين مذهبيين بأغلبية كبيرة تندرج تحتهما أطياف أخرى من الممارسات والمشارب المذهبية ووجود أقلية يهودية يمنية أصيلة تضاءلت مع الوقت وتكاد تندثر حالياً بفعل التضييق عليها من طرف الحوثيين، حيث شهد اليمن هجرة آخر مجموعة من يهود اليمن من صنعاء العام المنصرم إلى إسرائيل تحمل معها واحدة من الكنوز الثقافية الآثارية الهامة جداً.
وكانت الأرضية قد استوت نتيجة لأحداث تاريخية إلى اقتسام للجغرافيا وفقا لخطوط مذهبية شبه واضحة تتربع فيها أكثرية سنية في بعض مرتفعات متاخمة لسهول وتهايم وصحاري اليمن مقابل شبه أكثرية زيدية في المرتفعات الجبلية.
ومع كل التحولات في الحكم المرتكز على المذهب لم تكن الجغرافيا المذهبية ثابتة في يوم ما، بل جرى تحول وتبدل وتلاقح وتقارب في أحايين كثيرة وتنافر في أحايين أخرى. 
وكان القرن العشرين منطلق تحولات جيوبوليتيكية هامة في اليمن الذي كان في شطر منه يخضع للسيطرة العثمانية والشطر الآخر يرزح تحت الاحتلال البريطاني مباشرة او كمحميات في الأغلب. وما إن بلغ القرن المنصرم منتصفه حتى كانت الخارطة اليمنية في أشد حالات التشظي.
وإن كان الشطر الشمالي من اليمن قد آل مجدداً إلى حكم الأئمة المرتكزين في قاعدتهم الفقهية في الحكم على المذهب الزيدي فان ذلك الشطر لم يكن زيدياً خالصاً بلغة المذهب بل كان مناصفة بين زيدية وشافعية بصفة عامة. على عكس الشطر الجنوبي الذي يبدو أكثر انسجاماً مذهبياً.
وصحيح القول إن الذاكرة الجمعية نتيجة لاضطهاد الأئمة لليمنيين عامة ولتجنيد بعضهم الزيدي على بعضهم الشافعي كانت تغص بكثير من التصورات المؤلمة والحكايات المؤسطرة في بعض منها. إلا أن الصراع الجمهوري/ الملكي في الستينيات عقب ثورة 26 سبتمبر كان صراعاً سياسياً واجتماعياً بامتياز، لم تظهر عليه الصبغة المذهبية. وعملت الجمهورية الفتية على تفادي الصراع المذهبي من خلال تقنين الأحكام الشرعية وصيغت الأحكام وفق لوائح وقوانين وتشريعات متجاوزة للفارق المذهبي. 
علماً أن الفارق المذهبي لم يكن جوهرياً على مستوى العبادات والمعاملات وأحكام الأسرة والمواريث. بينما قادت ثورة الاستقلال في الجنوب إلى تأسيس دولة بايديولوجيا موضوعية أزاحت العامل الديني من المشهد وأنشأت تشريعات تقدمية على مستوى المنطقة والعالم العربي.
لكن رياح العولمة مع بداية التسعينيات - التي صادفت أيضا تحولاً جيوسياسياً هاماً في اليمن يتمثل بإعادة توحيد البلاد في العام 90 - أذكت الانتماءات السابقة على الدولة ، وقد يكون مرد ذلك فشل مشروع الدولة وقدرتها على تشكيل فضاء عام مستوعِب للتنوع والتعدد، والنكوص السريع في مشروع الوحدة نتيجة لاندلاع حرب أهلية تركت جرحاً غائراً لم تُدّخر فيها فرصة توظيف العامل الديني في هذه الحرب من خلال تجييش تيار ديني متشدد لصالح طرف ما.
قبلها بسنوات كانت الثورة الإسلامية في إيران قد أوقدت نار الطائفية في المنطقة من خلال قيام نظام ديني يعطي أولوية لتصدير ثورته ونهجها المذهبي مقابل ازدهار للحركات السلفية ولتيار الإسلام السياسي. ونتيجة لذلك بدأ الاستقطاب المذهبي يمس اليمين وتجلى منذ الثمانينيات وكان من مخرجاته الحركة الحوثية التي ظهرت إلى العلن بالعنف من خلال حروبها مع الدولة منذ ٢٠٠٤.
والحركة الحوثية هي حركة إحيائية أصولية تعمل على موضعة المذهب جغرافياً أي منح الجغرافيا هوية مذهبية أو بالفرنسية territorialiser l’aspect confessionnel ، احتكار التمثيل وهي بهذا تقدم بنية مذهبية طاردة وإقصائي ولا يتوقف الاحتكار على الجغرافيا بل على حقيقة الإيمان وموضوع السلطة والحكم. وقد أسفرت عن مقولاتها الإقصائية هذه من خلال وثيقة فكرية نشرتها الجماعة في العام 2012 بعد ربيع عربي يمني عانقت معه تطلعات التغيير والتحديث عنان السماء. إلا أن الجماعة التي كان يتوقع منها أن تتحوّل إلى حزب سياسي وان تضيف دينامية جديدة في المشهد السياسي اليمني، قدمت نفسها جماعةً دينية فوق السياسة.
جعلت هذه الجماعة من خلال تلك الوثيقة الممهورة بتوقيع زعيم الجماعة الشاب عبد الملك الحوثي وثلة من رجال دين الجماعة مسألة الولاية من مسائل الإيمان واحتكرت حق تفسير وتأويل النص القرآني بأبناء السلالة.
كانت تحظى بتعاطف كبير في البلاد باعتبارها خارجة من حرب نظام جائر وهذا التعاطف دفع بالناس إلى تجاهل كتاب العقيدة الخاص بها والذي بدا بطبعه عنصريا طائفيا.
مع العام 2014 تجلت حقيقة الجماعة خصوصا حين بدأت تجيش الحشود لمهاجمة عاصمة البلاد واستعدائها لطرف سياسي بعينه وتقديم نفسها كنقيض أيديولوجي لتنظيم القاعدة المتطرف.
ومع تنفيذ انقلاب على السلطة في نهاية 2014 أعلنت الجماعة التي لم تكن جماعة لاهوتية صرفة بل ميليشيا مقاتلة ومدربة خبرت الحربَ لسنوات عديدة وشحنت أفرادها بعداء وكراهية المجتمع، أعلنت حربها على "الدواعش" بينما لم يكن أحدٌ قد سمع بتنظيم داعش في اليمن، وهنا، صار كلُ مخالف لها هو داعشي.
ينبغي الإشارة إلى أن الجماعة بدأت في طرد المختلفين عنها بدءً بيهود آل سالم في محافظة صعدة معقل الحوثيين في بداية العام 2007 ثم الجماعة السلفية التي كانت تتخذ من وادي دمّاج في صعدة مقر لها في العام 2014.
أحكمت جماعة الحوثيين بدعم من الرئيس السابق صالح المُزاح من الحكم في العام 2012 القبضة على مفاصل الدولة واستولت على عاصمة اليمنيين وواصلت حربها جنوباً وصولاً إلى عدن، ثغر اليمن، وعاثت فساداً وتدميراً وتنكيلاً بالسكان خصوصاً في محافظة تعز والبيضاء والحديدة. لكن هذا الإجراء الحربي الدموي لم يكن سوى واحد من تمظهرات العنف إذ وصل العنف إلى الكتاب المدرسي وإلى منابر المساجد ودور العبادة ورجال الدين.
البقية يتبع في العدد القادم

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد