بين مسكني الذي أسكن فيه في منطقة صينة بشارع المرور بتعز ومسكن أمي الكائن فوق مبنى البحث الجنائي في نفس شارع المرور أيضا قرابة مسافة 150 متر فقط، ورغم ذلك لم أستطع أنا أطفالي زيارة أمي في هذه الجمعة وتناول وجبة الغداء معها خوفاً من عدم تمكني أنا وأطفالي من العودة إلى مسكننا الذي يبعد بضعة أمتار فقط خوفاً من الاشتباكات والمواجهات النارية التي تندلع فجأة فيما بيننا البين والتي تندلع بدون أي موعد مسبق وبدون حتى أي مُقدمات.
هذه فقط قصة واحدة من عشرات القصص المأساوية لساكني شارع المرور الذين تحولت حياتهم منذ أسبوع إلى قلق دائم وأضحت الأُسر في هذا الشارع تعاني جداً فلا ليلها ليل ولا نهارها نهار، وأصبحت تلك الأسر في شارع المرور قاب قوسين من ترك منازلهم والنزوح إلى جهة أخرى جراء الخوف والفزع والحصار الذي استوطن هذا الشارع.
لا أعلم لماذا استمرت هذه الفتنة وتمددت جذورها وتوسعت هوتها بدلاً من انكماشها وحصرها وإنهائها ولم الشمل فمن يتمترس على يميني في تبة الأمن السياسي ليس حوثياً ولا عدواً ومن يتمترس على شمالي فوق تبة البحث الجنائي ليس حوثياً ولا عدواً وكلا المتمرسين في جهة اليمين والشمال يحملان قضية واحدة وهم واحد ونبض واحد وينتميان لمدينة واحدة ويتقاسمان وجعا واحدا وغريمهما غريم واحد هم الانقلابيون فقط.
أعلم جيداً أن لا أحد من المتمترسين يريد إطلاق رصاصة واحدة على نصفه الآخر في الجهة المقابلة، وأعلم تماماً أن لا أحد من المتمترسين يريد أن يواجه نصفه الآخر في المترس المقابل، وأعلم جيداً أن كلا المتمترسين يشتاق كل منهما لأن يحتضن نصفه الآخر في المترس المقابل في الجهة المقابلة ويتمنى كل منهما أن يعود لممارسة حياته الطبيعية في الالتقاء ببعضهما البعض والجلوس سوياً حول مائدة طعام واحدة والاجتماع للمقيل داخل مقيل واحد يتبادلان أطراف الحديث اليومي والعودة الى حياتهما المعتادة إلى ما قبل أسبوع واحد فقط من تاريخ اليوم.
صدقوني أنني أعلم كل ذلك وأدركه تماماً ولكن مالا أعلمه هو لماذا تعثر إتمام هذا الأمر حتى هذه اللحظة وما هو العائق الذي أعاق إعادة الحياة الطبيعية إلى وضعها السابق ؟!!.
كم هو قاس ومؤلم حينما يتقاتل جسدنا الواحد ويوجه كل منهم رصاصاته ضد نصفه الآخر وكم هو مؤلم حينما نظل ننظر لجسدنا الذي نتكئ عليه ونسند له قضية تحرير تعز وهو يتهاوى أمامنا بسبب خلاف بسيط غاب فيه العقل وحضرت بدلاً عنه البندقية واحتجب فيه الحوار وحضرت بدلاً عنه القذائف والرصاص.
يا عقلاء تعز ويا قيادات تعز ويا رجال تعز ويا شباب تعز ويا أمهات شهداء تعز ويا زوجات جرحى تعز أسألكم بالله وأناشدكم بحق قضيتنا المشتركة في تعز وبحق جرحنا الواحد ووجعنا الواحد وحصارنا الواحد ومعاناتنا الواحدة بأن تخرجوا جميعاً لرفض هذا الاقتتال وأن تقفوا جميعاً بقلب واحد وتهتفوا جميعاً بصوت واحد لا للاقتتال فيما بيننا..
لا لسفك دم بعضنا
لا لتمزيق وحدتنا وتمزيق اصطفافنا
لا لكسر تعز وهزيمة تعز وإذلال تعز عبر تربصنا ضد بعضنا البعض
أوقفوا الاقتتال فيما بينكم جميعاً أيها المتقاتلون
وأوقفوا رصاصات بنادقكم التي تخترق أجسادنا وتحرق أحلامنا
أوقفوا قذائفكم التي ترعب أطفالنا وتدمر ممتلكاتنا
أوقفوا الحرب فيما بينكم
فقد مللنا الاختلاف
مللنا الاختلاف
مللنا الاختلااااااف.
