#- روى البخاري عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه كان يقول لأهل العراق: ما أسْأًلَكم عن الصغيرة وأجرأكم على الكبيرة! تقتلون الحسين ابن بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتسألون عن دم البعوضة! وقد سمعت رسول الله يقول:(الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا). #- وعلى نهج أهل العراق في هذه الإزدواجية والفصام النكد والتناقض، فقد تباهى أبو الغادية الجهني رغم صحبته و روايته لحديث (تقتل عماراً الفئة الباغية) بقتل الصحابي الجليل (عمار بن ياسر)، ويروى أنه تورع عن الشرب في كوز زجاج، عجباً كيف لم يتورع عن قتل عمار. #- ومثله (عمرو بن جرموز) بعد معركة الجمل تعقب الزبير بن العوام -حواري الرسول - فقتله وهو يصلي غدراً، ثم سارع يبشر (علي بن أبي طالب) بقتله، لكن علياً أمر بطرده وقال لبوابه: (بشر قاتل ابن صفية بالنار). # وكان من يجلدون الإمام (أحمد بن حنبل) يسألونه عن حكم الدم الذي ينضح منه على ثيابهم، وينتقدون صلاته جالساً والقيد في يديه وفي رجليه. #- وذكر الإمام الغزالي أن بعضهم سأل شيخاً وقال: إني زنيت وصارت المرأة حاملاً من الزنا فماذا أصنع؟ فقال له الشيخ: ولماذا جعلت المصيبة مصيبتين، لماذا لم تعزل؟ فقال الرجل: بلغني أن العزل مكروه. فقال له الشيخ: بلغك أن العزل مكروه ولم يبلغك أن الزنا حرام؟ #- وفي واقعنا اليوم نعيش أيضا دوامة من التناقضات لدى الكثير من القدوات، فمن ذلك: #- (دعاة وطلاب علم) يدندنون حول ضرورة مقصد جمع الكلمة وواقعهم التنازع والفرقة، ديدنهم الجدل وسوء الظن والغيبة، تسبقهم العامة إلى التحلي بمكارم الأخلاق ولزوم الأذكار والطاعات، منابرهم بدروس السيرة والغزوات ساخنة، لكن مدافعتهم للعدوان على الدين والوطن باردة، يتورعون عن أكل اللحوم المستوردة ويتجرؤون على أكل لحوم العلماء، يتفرغون في بحث مسائل الوساوس والشكوك في فروع الطهارة والصلاة ويغفلون عن مدافعة الفساد و شكوك وشبهات أهل الإلحاد. ويروى أن أحدهم صرخ على أبيه، حيث كلفه بشراء لوازم البيت محتجاً بأنه مشغول بإعداد محاضرة بعنوان بر الوالدين، وآخر وبخ زوجته تصدقها ببعض ذهبها لسماعها خطبته محرضا المصلين على الصدقة للمنكوبين قائلا: الخطبة ليست لك ولكن للمصلين!! (كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون). #- (أطباء ومثقفون) يوصون بالغذاء الصحي والرياضة والبعد عن الكولسترول ويدققون في زيادة السعرات، لكن بعضهم يدمن الدخان والقات، ولضمان نسبة مالية يكلفون مرضاهم نفقات الفحوص والتحليلات المختبرية وشراء جراب أدوية وربما إقامة عمليات جراحية.. فما أقبح بأعظم مهنة حين يتجرد أهلها من الأمانة والرحمة!. وكلُّ محارِبٍ في الطِبِّ يبقى على الأيامِ أكرمَنا جهادا أليسَ المبضعُ الحاني صَلاحاً وكان بنظرةٍ أُخرى فسادا. #- (المدرسون) وظاهرة الغياب وعدم تحضير الدروس وتصحيح الدرجات وإلزام بعضهم طلبتهم بشراء مذكراتهم و المحاباة للأقارب والأصحاب في التعامل في توزيع الدرجات مما يفقد الثقة في المعلم والتعليم. وإذا المعلمُ لم يكن عدلاً مشى روحُ العدالةِ في الشبابِ ضئيلا وإذا المعلمُ ساء لحظَ بصيرةٍ جاءَت على يدهِ البصائرِ حُولا. #- (آباء وأمهات) لا يحفظون حقوق بعضهم فضلا عن حقوق أولادهم ثم لا يفترون عن مطالبة أولادهم بحفظ حقوق الله و الوالدين، يأمر الوالد اولاده بالأمانة والصدق ثم يوكلهم في الكذب للتخلص من متاعب الزائرين والدائنين، يخافون على أولادهم الفشل والمرض في الدنيا من غير اعتبار لخزي وعقاب الآخرة. #- (جيل الشباب): هذا الجيل المستهدف فكريا من خلال وسائل التواصل والإعلام فلا يخفى ما طرأ عليه من تغيرات كثيرة في همه و فهمه وسلوكه.. حملان وديعة في الشارع وذئاب ضارية في المنزل، وفجأة تنقلب الفتاة اللطيفة إلى حمقاء عنيفة لمجرد مطالب سخيفة. #- (سياسيون وإعلاميون) يدعون مناهضة الفساد والاستبداد والإقصاء والإرهاب ثم هم يرهبون بل ويقصون آراء وكيانات ورقاب من يعارضهم بل ومن لا ينساق وراءهم، يتباكون غياب مبادئ العدل و الحرية والديمقراطية لكنهم، يبيعون الارض والثروة والسيادة ويقتلون بعضهم بالوكالة أو لتصفية حسابات وأموال وعقارات بغير إنسانية ثم مازالوا يتشدقون بالشعارات الوطنية ويتقلبون في الشعارات والأحزاب بحسب أرجحية القوة و المصالح الشخصية. يدور مع الزجاجة حيث دارت ويلبس للسياسة ألف لبس. فإن كان تناقض غير هؤلاء لجهل أو تأويل أو ضعف تدين وشقاق، فتناقض غالب هؤلاء عن مطامع وخيانة للوطن والدين ونفاق. #- وفي التخلص من هذه الآفة، فلابد -سيما عند التنازع والفتن - من تعميق التربية الإيمانية والأخلاقية لمدافعة التأويل والهوى والجهل واختلال السلوك والفهم، وكذا تأصيل المنهجية الفكرية والعلمية برد الفروع والجزئيات والمتشابهات إلى الأصول والكليات والمحكمات، وسؤال الله العفو و العافية والثبات.