ألقى الرئيس الأمريكي الخاسر دونالد ترامب خطابا أمام أنصاره بجوار بيته الأبيض شكرهم خلاله على الوقوف بجانبه وحثهم على عدم الاعتراف بنتيجة الانتخابات ودعاهم إلى التوجه صوب الكونغرس (مجلس النواب) الأمريكي قبيل التصويت على فوز منافسه. بعد ساعات قليلة حزم المناصرون أمتعتهم بعضهم ذهب مسالما وبعضهم حمل سلاحه معه وتوجهوا إلى حيث دعاهم رئيسهم، وحين وصلوا حدث مالم يتوقعه أحد ووقع مالم يكن بالحسبان، لقد اشتبك المحتجون مع عناصر الشرطة حتى أزاحوهم جانبا من البوابة ثم دخلوا إلى باحة المجلس والذي لم يستطع الدخول من البوابة تسلق الجدران ثم توجهت الجموع الغاضبة إلى داخل المجلس واشتبكوا مع الأمن مرة أخرى في الداخل ولم يكتفوا بذلك حتى اقتحموا قاعة الاجتماعات الرئيسية في مشاهد لم يسبق لها مثيل في تاريخ أمريكا، وخلال هذه الأحداث المثيرة سقط 4 قتلى وعشرات الجرحى وأسر العشرات، وعثرت الشرطة داخل أهم الأماكن حساسية في أمريكا على أسلحة نارية ومتفجرات.

كنا متعودين دائما على سماع قلق الأمم المتحدة وأمينها العام على الأوضاع في بلادنا، ومتعودين على بيانات الاستنكار والإدانة ودعوات التهدئة التي تخرج من البيت الأبيض، وعلى تقارير حقوق الإنسان والحيوان والأقليات وحرية الأديان التي تصدرها وزارة خارجيتهم، غير أن هذه المرة انعكست المعادلة وأصبحت دعوات التهدئة والتنديدات منصبة نحو أمريكا بعد أن تمسك رئيسها بالسلطة وأصبحت رموزها مستباحة واضحت الفوضى والدماء عندهم مما حدى بالجميع أن يتساءل: ما الذي يحدث في أمريكا (قبلة الديمقراطية كما يقال) وهي الدولة التي نصبت نفسها زعيمة للعالم وقامت بعشرات العمليات العسكرية في كثير من الدول وأغرقت المعمورة بثقافتها الاستهلاكية والرأسمالية. 

ما حصل ليست مجرد حادثة عابرة جراء لحظة غضب وانفعال من نتائج انتخابات، وإنما ظهر للعالم أجمع أزمات مختلفة سياسية واجتماعية واقتصادية تعشعش في المجتمع الأمريكي، قد يستغرب كثير من هذا القول لكن هذه هي الحقيقة الني ينطق بها كبار مفكريهم وعلمائهم وهذا ما يشهد به الواقع، سياسيا يقول نعوم تشومسكي الكاتب اليهودي الأمريكي الكبير "إن الديمقراطية

الأمريكية هي ديمقراطية أن تفعل ما تريد، ما دمت تفعل ما نريدك أن

تفعله" والجميع يعلم أن انتخاباتهم لا يحددها عدد الأصوات وإنما أصوات المجمع الانتخابي، وقد حصلت "كلينتون" على عدد أصوات أكثر من "ترامب" لكن الأخير فاز بحصوله على أصوات المجمع الانتخابي.

واقتصاديا يعيش حوالي 40 مليون أمريكي تحت خط الفقر، والفوه تتسع يوميا بين الأغنياء والفقراء، وتكاد الفئة المتوسطة أن تختفي في مجتمعهم.

ومن أزماتهم التفكك الاجتماعي لدرجة أن هناك قانون يجيز للأب طرد أولاده من البيت إذا بلغوا السن القانونية (18 عاما) مالم يدفعوا مقابل السكن والغذاء، وقانون آخر يجبر الأب على الاعتناء بابنه الرضيع تماما كما تفعل أمه، وأمريكا أكثر دولة في العالم ينتشر فيها السلاح وإطلاق النار يكاد يكون يوميا عندهم، هذا غير الدعارة والشذوذ.

ومن أعصى أزماتهم العنصرية؛ فالكثير متعصبين للعرق الأبيض ويؤمنون بأنهم أفضل من غيرهم لدرجة أنه لا يمكن لصاحب البشرة السمراء والملونة الوعظ في كنيسة بيضاء، ومن شواهد هذه العنصرية مطالبة حوالي 15ولاية أغلبها في الجنوب والجنوب الغربي بالانفصال من أبرزها ولاية كاليفورنيا التي تمثل حوالي 60% من اقتصاد البلاد ويقع فيها كبريات الشركات الأمريكية.

هذه الأمور مجتمعة أسهمت في اقتحام المتظاهرين لمبنى الكونجرس وإشاعة الفوضى في العاصمة.