;

شعبُ عملٍ وشعبٌ كـالتماثيل 993

2007-08-20 11:21:05

سلمان العنزي

النفسُ تغلبُ إن صحّت عزيمتُها

فتْكَ الجيوشِ وتدميرَ الأساطيلِ

ولن ينال مصونَ المجدِ طالبُه

إلا بغالٍ من الأعلاق مبذولِ

ما أبعد النُّجحَ عمّن لا مضاءَ له

وأضيعَ الأمرَ بين القالِ والقيلِ

الناسُ شعبان: شعبٌ كلّه عملٌ

يبغي الحياةَ، وشعبٌ كالتماثيلِ

 

عجبي لا ينتهي من أشياء محدودة لها ثقلها في هذه الحياة المليئة بالغرائب! والمحفوفة بالترهات، والمترهّلة بكثرة الحاجيات الفارغة، والمتلبّسة بهموم الكثرة العاطلة!

لا ينتهي عجبي عندما أقرأ عن رحّالة قضوا أيام حياتهم الزاهية، وسلخوا أعذب أوقاتهم المشرقة في الكشف عن أسرار الكون، والإفصاح عن مبهمات الأرض، والإبلاغ عن مجاهل السماء، لا يثبطهم الأهل والأحباب، ولا يقعُد بهم العجزُ والكسل وتلمح البياض في مشرقات النساء! ولا يثنيهم صخبُ الراحة في الأندية والشواطئ، ولم تحظ رغباتهم الإنسانية بأكثر من نظرة استهزاء، وابتسامة سخرية.

وقسْ على هؤلاء الأماجد من يشابههم في البحث والتنقيب، والدرس والتعلم، حتى لا يعرفوا طعماً ألذّ في أعينهم من طعم النور الخافت المتسلل من ضوء مكاتبهم المحمّلة بكتبهم الجادّة المتعبة، من علماء وأدباء وفلاسفة ومفكّرين ضخّوا في عروق الحياة دماءً يشرق بها وجهها الخابي، وتنشط بسببها أعضاؤها الفاترة. . . وحقّ لي أن أعجب، وحقّ لمثلي أن يعجب من بُناة العالم أولئك في وقتٍ يغصّ فيه المرء بأمانيه المتكاثرة فلا يجد لها منفذاً، ويغرق في سيل أفكاره المتناثرة فلا يبصر لها مخرجاً، ويلطم صباح مساء بمتطلبات العيش فلا يملك ملجأ أو مغارات تحميه!

أولئك العظماء المقدرون لنعمة الوقت في حياتهم الفانية، يقابلهم أناس لم يلتزموا في حياتهم؛ الجد والمثابرة والصبر على تحمّل المشاقّ، فهانت عليهم أنفسهم وهانوا على أنفسهم ولم يقدّروا معاناة الآخرين في حياتهم من أجل نفع البشرية كلها، فضربوا بأوقاتهم وأوقات غيرهم عُرض الحائط الصامت، وانتهجوا سبيل الغيّ يقحمون فيه من يعرفهم ومن لا يعرفهم. . .

هذا أحدهم يأتيك في وقت أنت أشغل ما تكون فيه عن أعزّ الناس إليك، وما ذاك إلا لأنك تنظر إلى ما يعود بالنفع على الأمة منذ أعلنت نفسك (مجنّدة) في جيش البُناة العاملين، فترفض مقابلته التزاماً بالانضباط العام؛ فيلحّ عليك ويوهم الرسول بينكما أن المسألة معقدة وجادة، وأن ما يفعله صاحبنا لا يعدّ من الأخلاق العربية ولا من آداب الفروسية!!

فإذا خرجت إليه، ودعوته إلى بيتك، دخل وكأنه يحمل همَّ فقيرٍ ظلَّلته سحابة راجفة في يوم شاتٍ، وبعد التحيّات المباركات، وإعادة تلك التحيّات يفاجئك بأنه لا موضوع عنده، ولا قضية لديه، وإنما هو الفراغ القاتل دلّه في هذا الوقت على هذا البيت وذلك الاسم!!

والأمثلة أكثر من أن تُحصى، والمواقف أعظم من أن يحتويها حرف!! فهل يحقّ لأولئك الخلق ممّن لم يلتزم منهج بناة العالم أن يقتحموا حياة الآخرين ويحوّلوها إلى هشيم تذروه المجاملات السخيفة والعادات المرذولة!

لستُ أرمي بهذا الكلام إلى الغلظة والجفاء ويبوسة الأخلاق، أبداً. . . وما عنيت هذا وما ألمحت له، وما كان لي ذلك، والله يقول لنبيه -صلى الله عليه وسلم- (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك)، ولكنني أطالب بشيء من الانضباط والصرامة قد تنزعج منه نفوس لم تكن طيّعة لداعي الحق، وتشمئز منه أغمار لم تطرق أبوابهم قوارعُ الأيام، ولكنه سيأتي بنتيجة فاعلة تعلّم النشء وتربيهم على المنهج الصحيح، وتحيي من كان صالحاً لتحمّل التّبعات ولكن غرّته الأماني، ومالت به الشهوات وخدعته جدة الشّباب!

ألم يقل ربنا -عز وجل- لنبي من أنبيائه الكرام (يا يحيى خذ الكتاب بقوة) أي بجدّ وحرص واجتهاد، قال عبد الله بن المبارك: قال معمر: قال الصبيان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب. قال: ما للعب خلقت.

هذا النداء العلوي العظيم لنبي من الأنبياء - صلوات ربي وسلامه عليهم - يجب أن يكون نبراساً لنا ولكل من يريد أن يخدم دينه وأمته ويبلغ العالمين الرسالة الخالدة، ولا يعني هذا أن تنقلب الحياة إلى جدّ صارم وجهامة مفزعة، بل يعني أن يكون العمل الجادّ المثمر هو ديدننا وإن قل. ولن تهون أمة كان العمل هو حاديها في طريق حياتها.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد