;

العقيق اليماني رحلة شاقة من بطون الجبال إلى فصوص الخواتم 2442

2008-03-27 15:09:40

صالح البيضاني

من بين بضعة وعشرين حرفة تقليدية يمنية ما زالت تقاوم الاندثار وتحافظ على ألقها"*" لازال العقيق اليماني يتسيد الحرف من خلال اجتذابه لعشاق هذه الفن الذي يحول الأحجار الصماء إلى فصوص براقة تخطف الأبصار.

إنها حرفة الحرف التقليدية اليمنية وربما أقدمها حيث يذكر كتاب "التيجان في ملوك حمير" أن شداد بن عاد من قوم عاد قد "بنى قصره من حجارة الجزع"، ويذكر كذلك أن العقيق اليماني قد جاب الآفاق ووصل إلى أوروبا في وقت مبكر حيث ذكر أرسطو في العديد من آثاره بأن أجود أنواع العقيق والجزع كانت تجلب من اليمن.

وقد بلغ العقيق مكانة بارزة جعله من أهم مقتنيات ملوك اليمن حيث يذكر أن الملك المظفر الصليحى عندما أصبح حاكما لليمن أرسل إلى حلفائه الفاطميين هدايا كان من بينها سبعون سيفاً مقابضها من العقيق، واثنا عشر سكيناً نصبها عقيق، وخمسة أثواب وَشْيٍ وجام عقيق وفصوص عقيق.

ويذكر الهمدانى أن فن تشكيل واستخدام الجزع المُوشى والمُسيّر قد وصل ذروته فَعُملت منه القوارير والقحف ومقابض السيوف والصفائح وغيرها.

من الجبل إلى الحانوت

ينقسم العقيق اليماني إلى خمسة أصناف بحسب اللون وهى الأحمر، والرُطَبِي، والأحمر للصفرة، والأزرق، والأبيض، والأسود. وتتم عملية تصنيعه بعدة مراحل تبدأ من مرحلة البحث عن عروقه في الجبال وتعد منطقة آنس القريبة من صنعاء ابرز أماكن استخراج خام العقيق حيث تتوارث الكثير من الأسر في هذه المنطقة حرفة البحث عن عروق العقيق من خلال رحلة تبدأ كل صباح سعيا وراء العثور على مناجم جديدة لهذا الذهب الأحمر الذين يسعون إليه بدأب وهمة وبدون ملل أو انقطاع.

تنشرون على قمم الجبال بأزاميلهم وعدتهم البسيطة لينحتون في الصخور التي يميزونها من ألوانها مدركين لمكامن? ?العقيق? ?والأماكن? ?المحتملة? ?لوجوده?. ?وغالبا ما يتم الاستعانة بشكل كامل بخبرات الأجداد في هذه الحرفة حيث يتم البحث عن الصَخور المائلة إلى الإخضرار مع التنبه لوجود بعض الإشارات التي تؤكد وجود العقيق مثل الصدف واللمعات الصغيرة التي تصدر من العقيق وكل تلك الاشارات في حال تواجدها تعنى انه ينبغى أن يبدأ الحفر في الصخر وصولا للطبقة الصخرية التي يختبأ فيه العقيق بشكل مستقيم قد يمتد طوله إلى حوالي 15 متراً بشكل أفقى يتجه غالبا جهة?

"?القبلة". وهو أحد أسرار العقيق التي لا يعرف لها سبب.

المنقبون عن أحجار العقيق غالبا ما تنتهى مهمتهم بالحصول على أحجار العقيق الخام التي ينحتونها من بطون الجبال ليتم بعد ذلك بيعها للحرفيين الذين يقومون بعد ذلك بصقلها وتلميعها وتحويلها إلى فصوص للخواتم والقلائد. ويعد سوق الملح بصنعاء القديمة من اكبر التجمعات الخاصة بالحرفيين في هذا المجال حيث توارث الحرفيون هم أيضا فن صياغة العقيق ومن ثم عرضه وبيعة بأشكال مختلفة.

ويتم صياغة وشغل العقيق من خلال عدة مراحل تبدأ من خلال شراء خام العقيق الذي قال عنه البيرونى أنه يظهر بأحجام كبيرة وأنه رأى عند أحد الكبار في اليمن قطعة واحدة يزيد وزنها عن عشرين رطلاً. وتبدأ عملية صقل العقيق من خلال تجهيز خام العقيق لعملية الصقل وهى عملية تمر بعدة مراحل حيث تصفي المجموعة التي تم شراؤها من الشوائب ثم تُوضع في وعاء فخارى تغلق فوهته جيداً باستخدام عجينة من الطين لمنع دخول الهواء تماماً ويوضع الوعاء الفخارى داخل تنور حرارته خفيفة.

وتكرر هذه العملية يومياً لمدة محددة يقدرها صاحب العمل بناء على خبرته في مقدار ما تحتاجه الصخور من حرارة وتتراوح المدة ما بين 8-15 يوماً وكلما كانت الصخور أكبر احتاجت للبقاء داخل التنور لمدة أطول. وبعد الانتهاء من هذه المرحلة التي تسمى "التقسية" يتم البدء بالمرحلة التالية التي يتم فيها وضع أحجار العقيق التي تم تقسيتها بشكل مرصوف ومتساوى في إناء نحاسى أو خزفي "طِيْنِي" وتغطى بقدر معين من الرماد وتوضع فوق الرماد النار بحسب حجم الحجارة.

ويتم بعد ذلك تشذيب أحجار العقيق باستخدام مطرقة صغيرة خاصة بالعقيق حيث يتم تشكيل أحجار خام العقيق واستبعاد الأجزاء غير المرغوب فيها حسب الرؤية الفنية للحرفي نفسه الذي يقوم بعد ذلك بتركيب الأحجار التي تم تشكيلها في رأس خشبى مأخوذ من أحد أغصان شجر الأثل ويتم تثبيت الحجر المراد صقله لتبدأ بعد ذلك أهم مراحل شغل العقيق وهى عملية الصقل التي تستغرق جميع مراحلها حوالي ساعتين للفص الكبير وساعة للفص الصغير وتبدأ عملية الصقل بما يسمى "التَّشْوِيْبُ" وهو تحديد الشكل المبدئى للفص أو الحجر بواسطة حكِه في حجرة خاصة تسمى "بالمُشَّوِبَة".

بعد ذلك يتم إزالة الخدوش التي تحدث في الفص نتيجة عملية "التشويب" السابقة بواسطة حجر تسمى "المُقرِّبة" وهى تشبه "المشوبه" لكنها أكثر صلابة وتلى تلك العملية عملية "تَطْسِيَةْ" الفص وبداية تلميعه بواسطة حجر خاص يتم إحضاره من بعض مناطق اليمن كما هو الحال في كافة الأحجار التي تستخدم في العمليات السابقة.

أما آخر عمليات التعامل مع أحجار العقيق فهى مرحلة حك فص العقيق في حجر طباشيرية أولاً من الخلف ثم من الأمام، وفي كل مرة يتم فك الفص عن العود باستخدام النار ونعيد تركيبه في الفص باستخدام الصمغ المذاب. وقد طرأت العديد من التغييرات في الطريقة التقليدية السابقة لاستخراج وصياغة العقيق اليماني من خلال الاستعانة بالآلات الحديثة التي توفر الوقت والجهد والمال غير أنها لا تعطى ذات النتائج الجمالية التي تمنحها الطريقة التقليدية الأصيلة التي أوشكت على الاندثار.

بعد الانتهاء من صياغة فصوص العقيق بشكلها البديع وبأنواعها وألوانها المختلفة يتم تزيين خواتم الفضة والحلي والقلائد بتلك الفصوص التي يتم عرضها في الحوانيت التقليدية الصغيرة المنتشرة في صنعاء القديمة والتي تتعدد أسعارها بحسب أصنافها التي يعد الرماني والأحمر من أجودها وأغلاها غير أن الفصوص النادرة من العقيق اليماني تباع بمبالغ مرتفعة جدا نظرا لما تحتويه من أسماء وأشكال نادرة وذات دلاله لفظ الجلالة "الله"و"محمد" وصور الكعبة والشجر والحيوانات.

ويرجع سبب ارتفاع أثمان الكثير من فصوص العقيق لارتباطها بمعقدات دينية إضافة إلى مزاياها الجمالية ويعتبر من أشهر من تناول خواص العقيق اللونية وسر معالجة ألوانه بالحرارة هو الهمداني، حيث يقول في كتابه الجوهرتين "وكذلك العقيق يكون أوله أدكن فإذا شوي بالنار والملة أظهرت صُفرته وحُمرته" وهو أول من أثبت هذه الملاحظة حيث ثبت علمياً في عصرنا الحديث أن الكرنيليان الداكن اللون يتم معالجته بالحرارة، حيث تتأكسد مركبات الحديد فيه فتزهو ألوانه الحمراء وأن تسميته التي عرفت في القواميس Agate أو Onyx أنما يقصد بهما الجزع.

وعن منافعه فيقول التيفاشي: "من تقلد بالأحمر منه شديد الحمرة سكتت عنه روعته عند الخصام، ومن تختًم بالأحمر المصفر الذي فيه خطوط بيض قطع عن حامله نزف الدم، ويقول الأبشيهى من تختًم بالعقيق لم يزل في بركة، ويقال أن العقيق الأحمر يقترن بالياقوت الأحمر مع الياقوت الأصفر، ضمن قائمة أحجار السعد لمن يؤمنون بذلك وأن أفضل وقت للتخوتم بهما هو شهر يوليو.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

محمد عيضة شبيبة

2024-04-27 03:04:29

إلا الزنداني!!

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد