;
أخبار اليوم/ خاص
أخبار اليوم/ خاص

العملية الانتقالية في اليمن: هل يمكن أن تكون نموذجا ينبغي اتباعه؟ 3273

2012-06-26 03:21:35


موقع إوبن ديمقراطية البريطاني
بقلم / هيلين لاكنر            


(عملت هيلين في جميع أنحاء اليمن منذ السبعينات من القرن الماضي وعاشت هناك ما يقرب من 15 عاما.
كتبت عن الاقتصاد السياسي في البلاد فضلا عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية, وتعمل كمستشارة تنمية مستقلة في المناطق الريفية في اليمن وأماكن أخرى وهي حاليا تعمل أيضا في مجال البحوث حول السياسات المائية في اليمن).

في البيئة الحالية حيث تتزايد الشكوك حول نجاح الثورات العربية لتحقيق الديمقراطية الحقيقية في بلدانهم، هناك حاجة لدراسة- بشيء من التفصيل- الوضع في اليمن.
ففي حين يبدو أن مصر معلقة بين نظام عسكري ونظام أصولي، وليبيا في خطر التعرض للتقسيم بين مختلف الفصائل المسلحة، والبحرين لا تزال في مواجهاتها الدامية بين نظام الأقلية ومطالب الغالبية العظمى من شعبها، أما الآمال المبكرة في تونس فهي آخذة في التضاؤل في مواجهة الأصوليين العدوانيين وسوريا تعاني من حرب أهلية وسقوط مئات القتلى كل أسبوع، فهناك تساؤل عما يحدث فعلا في اليمن؟.
فإما أنها تبدو كـ"حل" يمكن أن يكون نموذجا لسوريا، أو اعتباره مجرد تغيير تجميلي يخفي استمرار النظام السابق.


صالح والحكم من وراء الكواليس
بعد عدة أشهر من المماطلة، اضطر علي عبد الله صالح للتوقيع على ما يسمى بالاتفاقية الانتقالية التي صاغها مجلس التعاون الخليجي في 23 نوفمبر 2011.
وبينما كان يحاول الاستمرار في الحكم من وراء الكواليس، تقلصت سلطات صالح بشكل كبير جدا على مدى الأشهر الماضية. أولا، تم انتخاب نائبه السابق عبد ربه منصور هادي رئيسا للبلاد من خلال تأييد شعبي عارم في 25 فبراير 2012 عندما خرج الكثير من الناس للتصويت لهادي أكثر ممن شاركوا في الانتخابات الرئاسية التنافسية السابقة في 1999 و2006.
وفي حين لم يكن هناك شك في النتيجة لأن هادي كان المرشح الوحيد، فإن حقيقة أن أكثر من ستة ملايين يمني كلفوا أنفسهم عناء الخروج والانتظار في طوابير للتصويت أظهرت رغبتهم في إحداث التغيير والتخلص من النظام القديم - حتى لو كان الكثير منهم يصوتون ضد صالح أكثر من تأييدهم لهادي، فهم أعطوه الشرعية الشعبية التي تساعده على تطوير قاعدة شعبية قوية وحقيقية وهو ما كان مفتقر إليه سابقا.

هادي والمناورة السياسية
لقد أثبت الرئيس الجديد- منذ انتخابه- مهارته في المناورات السياسية، فضلا عن قدرته على معالجة القضايا الأكثر أهمية وإلحاحا في البلاد.
تدريجيا يقوى موقفه مع شعبه من خلال اتخاذ عدد من الإجراءات، منها تشجيع الحركات الشعبية في ساحة التغيير على مواصلة أنشطتهم والمشاركة في الحوار السياسي.
والأهم من ذلك أنه بدأ في معاجلة الوضع العسكري- الأمني من خلال منهج ذو شقين: الأول- الإبعاد التدريجي لبعض قادة الجيش والأمن الأكثر عرقلة للمرحلة الانتقالية واستبدلهم برجال موالين له. الثاني- شكر القيادة العسكرية الجديدة التي تلتزم بجدية بوضع حد للتمرد الأصولي، حيث تم دحر المتمردين من معقلهم في محافظة أبين، ودفعهم مرة أخرى إلى محافظة شبوة التي كانت قاعدتهم الرئيسية لعدة سنوات.
بعد تحقيق هذا الإنجاز مباشرة بدأت التحركات في شبوة ضد المتمردين وبالفعل تم تطهير بعض من معاقلهم هناك وذلك بفضل "اللجان الشعبية" المحلية التي تشجيع المتمردين على مغادرة مناطقهم.
حكومة الوحدة الوطنية، التي شُكلت بعد توقيع الاتفاقية الخليجية، تتكون من أعضاء القوى السياسية الرئيسية الموجودة في اليمن، باستثناء الانفصاليين الجنوبيين الذين يرفضون المشاركة في كيان سياسي يكون مقره صنعاء.
وبالرغم من أن هذه الحكومة يرأسها رئيس وزراء كان يجب أن يكون متقاعدا ليرتاح نظرا لكبر سنه وحالته الصحية، فإن حكومته تعالج قضايا الموظفين والإدارات في مختلف الوزارات، وأعدت "برنامجا انتقالي لتحقيق الاستقرار والتنمية 2012-2014" وتأمل الحصول على التمويل اللازم خلال الاجتماع المقبل للمانحين في العاصمة السعودية الرياض في 27 يونيو، والذي سيحضره شركاء اليمن الدوليين وأطراف متعددة.


الفرصة في الحوار الوطني
تعمل لجنة الإعداد للحوار الوطني على ضمان أن يكون هذا الحوار شاملا بقدر الإمكان، وتحاول ضمان مشاركة معظم العناصر المنقسمة في البلاد، على وجه الخصوص حركة الحوثيين في الشمال ومختلف الحركات الجنوبية.
هذه اللجنة تتألف من مجموعة من الشخصيات الملتزمين ويحضون باحترام عميق من مختلف الاتجاهات السياسية، وبالتالي يمثلون أفضل رهان لضمان حصول تمثيل شامل في المؤتمر وأهميته ونجاحه على المدى الطويل.
لكن المجتمع الدولي فوض دعمه لهذا الحوار إلى روسيا التي من الصعب أن تكون النموذج الأفضل لتطوير عملية ديمقراطية حقيقية، ناهيك عن صياغة دستور يفضل مصالح الغالبية من السكان.
وفي حين أن هذا التفويض لم يكن خطوة إيجابية في دور المجتمع الدولي في اليمن، فإن تنصيب الصين كمستشار رئيسي للجنة حقوق الإنسان هو مثير للكثير من الضحك، أو بدلا من ذلك، من المحتمل أن يدفع البعض إلى البكاء.
وبخلاف ذلك، ولو على مضض، لا بد من الاعتراف بأن التدخل الدولي في اليمن يلعب دورا إيجابيا في هذه اللحظة: فالتهديد بفرض عقوبات شخصية من قبل مجلس الأمن الدولي ضد علي عبدالله صالح وأقاربه كان عاملا مساهما رئيسيا في إقناعه على التوقيع على الاتفاقية الخليجية ونفس الضغط قد ساهم بشكل جدي لإقناع بعض المعرقلين من المواليين له على الرضوخ للأمر الواقع والقبول بإقالتهم من مناصب عسكرية عليا في الاشهر الاخيرة.
يتركز معظم الضغط الدولي على مكافحة الإرهابين الأصوليين. الممثل الخاص للأمم المتحدة والسفراء الأجانب في صنعاء يساعدون في تعزيز موقف الرئيس الجديد، ويأملون أيضا في ضمان الحصول على دعم وتمويل دولي كبير من مؤتمر المانحين القادم في 27 يونيو.
وفي حين تعهدت السعودية بالفعل بتقديم 3.25 مليار دولار والآخرون بتقديم ثلاثة أرباع مليار دولار خلال اجتماع اصدقاء اليمن في 23 مايو الماضي، فما زالت هناك الحاجة لأكثر من ذلك بكثير من أجل تمكين النظام الجديد على التعامل مع الاحتياجات الإنسانية والتنموية الأساسية في البلاد وإشعار الشعب بأن مصالحهم تُعطى الأولوية.
وبالإضافة إلى ذلك فإن هناك حاجة إلى مبالغ كبيرة لتمويل الأجهزة الأمنية والعسكرية المختلفة حتى تتمكن من إعادة بسط سيطرتها على جميع أراضي البلاد.


مصداقية المجتمع الدولي تجاه اليمن
إن الاستعداد لتقديم الدعم المالي للاحتياجات التنموية والإنسانية سيكون اختبارا لالتزام المجتمع الدولي الحقيقي للانتقال اليمن إلى الديمقراطية، سواء كانت الدول الخليجية أو بقية المانحين الدوليين.
بالنسبة لخروج اليمن من ركودها الاقتصادي الحالي، سيكون من الضروري أيضا بالنسبة للنظام الجديد أن يعزز نفسه اقتصاديا: فإذا لم ترفض السياسات الاقتصادية لـ"إجماع واشنطن" ذات العشر نقاط التي أُجبر عليها البلاد في العقود الماضية، فإن التأثير طويل المدى لأي مساعدة مالية سيخلق نخبة جديدة تحل محل النخبة القديمة، ومن شأن ذلك تركيز الثروة في أيدي قلة من الناس بدلا من تلبية احتياجات الأغلبية.
 
ما هي القاعدة الاقتصادية؟
الاقتصاد اليمني، الذي هو في أفضل الأوقات يمثل مشكلة أساسية مع عدم وجود حلول سهلة، هو في حالة من الانهيار التام تقريبا.
شحة المياه الجوفية ونسبة استخراجها إلى معدل تجديدها يعني أنه غير مسموح بتوسيع الزراعة المروية. كما أن احتياطيات النفط قد انخفضت بشكل كبير، ففي أحسن الأحوال يمكن إنتاج 200000 برميل يوميا على الرغم أنه منذ عام 2011 تتعرض خطوط أنابيب النفط للتخريب بشكل منتظم في كثير من الأحيان.
كما أن الإيرادات من صادرات الغاز لن تحل على المدى القصير أو الطويل محل الإيرادات من الإمدادات المتناقصة من النفط.
وتكررت إنقطاعات التيار الكهربائي في أحسن الأحوال على مدى العام الماضي في صنعاء وبعض المدن الأخرى- على الرغم من أن ذلك هو أفضل كثيرا مما هي عليه الغالبية العظمى من المناطق الريفية التي لا ترى شيء من الكهرباء.
لقد شهد العام الماضي انخفاضا في انشطة كافة القطاعات وارتفاع في معدلات البطالة التي قدرتها وزارة التخطيط بأكثر من 50 بالمائة في أغسطس الماضي.
كما فقدت آلاف الأسر الريفية، التي تعتمد على العمالة المؤقتة لشبابها في المدن في قطاعات البناء أو الخدمات، هذا المصدر من مصادر الدخل.
وفي ظل غياب فرص العمل، فإن هؤلاء الشباب إما أنهم عادوا إلى منازلهم أو انضموا إلى الحركات الشعبية، وفي كلا الحالتين توقف دخلهم.
معاشات الضمان الاجتماعي والدعم الخيري للفقراء بالكاد يُوجد، وقد غرقت الغالبية العظمى من السكان في مستويات الفقر مما قاد برنامج الأغذية العالمي لتقدير أن عشرة ملايين يمني هم الآن يعانون من انعدام الأمن الغذائي وأكثر من نصف سكان المناطق الريفية يعانون من انعدام الأمن الغذائي ونصف أطفال البلاد يعانون من سوء التغذية. وفي عام 2011، لم يجد 56 بالمائة من الأسر اليمنية ما يكفي من الطعام.
أحد الاختبارات الكثيرة التي ينبغي وضعها على المحك هي في التلفزيون اليمني. ففي حين إعتادت نشراته الإخبارية ألا تقدم شيء أكثر من رصد وعد اجتماعات مع شخصيات بارزة حيث يتم مناقشة قضايا ثنائية والاتفاق عليها. فالآن صار هناك مناقشات سياسية جادة ونشرات إخبارية هي في الواقع تعكس الوضع الحقيقي في البلاد وتخاطب قضايا حقيقية.
وفي حين صار هناك أيضا مزيدا من الحرية في الصحافة المكتوبة، لم تحدث أي اعتقالات للصحفيين أو ملاحقات قضائية منذ تولي الرئيس الجديد مقاليد السلطة، لكن هذا يمثل أقل أهمية بكثير نظرا:
1-   ارتفاع مستوى الأمية في البلاد
2-   آليات التوزيع للصحافة غير كافية تماما
 
كيف يبدو الوضع؟
من الواضح أن يمن عبد ربه منصور هادي ليست "تجارية" كما اعتادت في حكم علي عبد الله صالح ورفاقه، والتغيرات التي أحدثتها المبادرة الخليجية هي أكثر بكثير من مستحضرات التجميل. لكن المعركة لم تُحسم بعد: إن اغتيال المهندس الرئيسي بإلحاق الهزائم الأخيرة بالمتمردين الإسلاميين يظهر فقط كيف تسير الامور الهشة. لكن التطورات الاخيرة تظهر وجود نظام متغير حقيقي في اليمن، وينبغي أن تستمر الأشهر القادمة بنفس الروح التي سارت عليها الشهور الثلاثة الماضية.

ماذا حدث خلال لأشهر الماضية؟
- لقد تم اتخاذ خطوات لتشكيل قوات الجيش والأمن.. ففي حين تم إزالة العديد من المقربين من الرئيس السابق، فإن بعضهم لا يزالوا في مناصبهم، ولا يزال يتعين إنجاز إعادة الهيكلة الأساسية لقوات الجيش والأمن.
- حكومة الوحدة الوطنية هي شاملة وتعالج القضايا الأكثر إلحاحا خلال الفترة الانتقالية
- تركز الخطوات المتخذة من أجل التحضير للحوار الوطني على ضمان مشاركة جميع الأطراف، ليس فقط من القوى الرسمية، لكن أيضا من ممثلين عن ساحات التغيير من ضمنهم النساء، وإعطاء الأمل بأن الدستور الجديد لن يهيمن عليه الإسلاميون.
- تم إحراز تقدم كبير في استعادة سيطرة الدولة على محافظة أبين وقريبا شبوة، ومن شأن ذلك أن يحد إلى حد كبير جدا من تهديد المسلحين.
 - دور المجتمع الدولي هو إيجابي، نظرا لأنه يدفع النظام الجديد في نهاية المطاف إلى إضعاف والتخلص من قيادة النظام السابق على جميع المستويات.
وهذا جانب جيد، لا سيما بالمقارنة مع حالة الثورات العربية في أماكن أخرى في المنطقة, لكن هذا لا يعني ان مستقبل اليمن مشرق, فهناك الكثير من التحديات المقبلة.

التحديات المقبلة
- لا تزال هناك مشاكل أساسية من عدم كفاية الموارد الطبيعية إلى سوء إدارة الموارد الموجودة لاسيما المياه
- لا يزال انعدام الأمن يشكل تحديا كبيرا يوميا في جميع أنحاء البلاد، بسبب عدم وجود قوة أمنية فعالة تعمل إما في المدن أو المناطق الريفية. وتغيير هذا الوضع سيستغرق وقتا. ويمكن توقع وقوع مزيدا من الاغتيالات للقيادات الساعية إلى تطوير البلاد.
- ربما يفشل الحوار الوطني في إنتاج دستور يمثل مصالح السكان عموما، لاسيما إنه قد يفشل في توفير الوسائل الحقيقية والتمثيلية في صناعة السياسات لغالبية سكان الأرياف بعيدا عن قيادتهم القبلية.
- الصراع بين القيادة السابقة وخصومها لا يزال يشكل العامل الأساسي وربما ينفجر على حساب مصالح وأمن غالبية السكان، وهذا يمكن أن يتخذ شكل صراع بين حزب التجمع اليمني للإصلاح الأصولي وغيره من الأحزاب، أو صراع حول إعادة هيكلة قوات الجيش والأمن التي ينبغي إنجازها.
- كل من حركة الحوثيين في الشمال والحراك الانفصالي في الجنوبي لديهم القدرة على تفكك الدولة اليمنية.
- عدم كفاية الدعم المالي الخارجي ربما يؤدي إلى استمرار وتفاقم السخط لغالبية السكان، لاسيما في المناطق الحضرية وحتى في المناطق الريفية كذلك. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تجديد الدعم للارهابيين الاصوليين.
- ربما يُنظر قريبا إلى دور المجتمع الدولي بأنه تدخل سلبي في حالة واحدة أو أكثر مما يلي:
أن تسفر هجمات الطائرات بدون طيار عن مقتل مدنيين في المناطق الريفية، وأن تعطي المساعدات المالية امتيازات للقلة على حساب الأكثرية.
وأخيرا إجبار النظام على انتهاج سياسات اقتصادية تتسبب في انقسام في أوساط الناس
- عجز الدولة في معالجة الوضع الإنساني والتنموي سيخلق سخطا في أوساط الشعب ضدها.
وعلى الرغم من أن دول مجلس التعاون الخليجي التي دعمت النظام الانتقالي لم تحول اليمن إلى دولة ثورية، مقارنة مع ما حدث في أماكن أخرى، فإن الوضع في الوقت الحاضر يظهر علامات إيجابية أكثر مما كان متوقعا: فقوى الثورة تعمل على المشاركة في الحوار الوطني، ويعمل النظام الانتقالي على إضعاف وإزالة معظم ما تبقى من الحقبة السابقة، ويعد العدة لبناء مستقبل جديد وديمقراطي ومفعم بمزيد من الأمل.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد