عصر الفساد والإفساد
* لا يخلو وسط اعلامي عبر العالم تقريباً من الحديث عن الفساد أو شبهات فساد في أية بقعة في العالم، مع تفاوت كبير طبعاً في تناول هذه الظاهرة الكونية، وفي الاجراءات التي تتخذ لمكافحتها، ومدى تعايش المجتمع معها، ودرجة الصراحة والشفافية في الحديث عنها، ونجاعة القوانين والجدية في تطبيقها بحزم ودون مجاملة وعلى قدم المساواة، دون تمييز بين مسؤول وموظف مهما علا شأن المسؤول أو تواضع منصب الموظف أو العامل.

* ففي الدول التي تتمتع شعوبها بالحريات، وتعيش حياة ديمقراطية كاملة، وتصان فيها حقوق الانسان بدرجة عالية، وتعلو فيها قيمة الانسان باعتباره الأسمى قيمة والأرفع مكانة بغض النظر عن دين الشخص أو ثقافته أو جنسه أو نوعه أو عرقه، وتكون الحكومات والأجهزة خداماً للشعوب، وفق معادلة الاختيار الحر والانتخاب النزيه والرقابة الصارمة من المجالس التشريعية، والاحكام الناجزة من السلطة القضائية، مع عدالة وكفاءة الجهاز العدلي والشرطي والأمني، في تلك البلدان وحياة تلك الشعوب المحكومة بمنظومة القانون، والدستور، يُعد اهدار أو استغلال ريال واحد من المال العام دون وجه حق، جريمة يجب أن ينال مرتكبها جزاءه المستحق، كما يعتبر مجرد السكوت عن أية مفسدة، أو التباطؤ أو التواطؤ ولو كان مجرد شبهات، أمراً جللاً يستحق التحقيق، والويل والثبور وقصر الأجل في الوظيفة العامة لمن تثبت عليه الاتهامات، لذلك نجد ان تلك البلدان تتقدم وحياة شعوبها تزدهر وشؤونها تكتمل، أما في البلدان التي يهيمن على مواردها ومصائرها حكومات على وزن «جينا بالقوة»، وجماعات أنانية مفرطة الانانية لدرجة استئثارها بكل الريع العام دون أدنى حساسية أو خجل، ودون وازع اخلاقي أو رادع عقائدي، أو منظومة قيم اجتماعية نبيلة، في مثل هذه البلدان يسود الفساد ويستشرى، لدرجة يصعب معها حقاً التمييز بين الفاسد والشريف، بين من يستبيح المال العام ويخص به ذاته وآصرته وتنظيمه، وبين من يعف عن الولوغ في هذا المال الحرام والثراء المشبوه، وتصبح السمة العامة لمثل هذه الحكومات هي «الفساد» و«الافساد».

* ولننظر الى فرنسا، فإن رئيسها، يخضع لسؤال «منكر ونكير» الدنيا، لأنه قبل أن تمول شركة انشاءات، جزءاً من تكلفة رحلة اصطياف في جزيرة سيشل إبان توليه عمودية مدينة باريس، ليتضح بعد مرور سنوات ان «تلك الشركة» قد حظيت بعقودات عمل في البلدية.. فكان سؤال المحققين عن «العلاقة بين «تذاكر سيشل وعقودات عمائر» جامعاتهم.. واستراحاتهم» المرابطة منها وغير المرابطة..

* إذاً، هذه بلدان تتمتع بعضوية الأمم المتحدة مثلها مثل أي بلد ، تقطنها شعوب «تأكل وتشرب وتقضي الحاجة وتموت وتمرض وتلد وتتزوج، وتعمل وتدرس وتلعب كورة» مثلها مثل أي شعب عربي، والأغرب من ذلك أن أي انسان هناك له «رأس واحد ويدان اثنتان ورجلان وأنف وعينان وأذنان فقط» يعني بشر مثلي ومثلك.

* الفرق في نظام الحكم وادارة شأن البلد، فالنظام الديمقراطي يكفل الحقوق ويوفر الحريات ويضمن نزاهة وعدالة القضاء وسلامة القوانين واتساقها مع الدستور، ورجاحة البرلمان. ويوفر المساواة والشفافية وحرية التعبير وحقوق الانسان كاملة غير منقوصة، فتكون الصحافة سلطة حقيقية في المجتمع، لا تستطيع «قيادة محافظة» أو وزارة شراء كل نسخ أية مطبوعة تورد تحقيقاً عن تجاوزات في خطة تنميتها، لأن هنالك «منكر ونكير» دنيويا اسمه البرلمان، واسمه المدعي العام، واسمه القضاء، واسمه الصحافة نفسها، فيسأل نكير الدنيا «الحكومة» عن الريالات التي تم بها شراء كل كمية «تلك المدينة من نسخ الصحيفة المصادرة» من أين لها بهذه الريالات.

في الأربعاء 08 أغسطس-آب 2007 11:19:30 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=55418