التحديات السياسية والأمنية في العراق
جلال فرحي شعيب *

عندما يصل عدد القوات الاميركية في العراق إلى مئة واثنين وستين ألف جندي حسب ما أعلنه البنتاغون، فإن هذا دليل على أن الانسحاب الاميركي من العراق غير وارد في الوقت الحالي، وأن الحديث عن جدولة الانسحاب هو مجرد وعود تشبه وعود إسرائيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية، ويبدو أن على العراقيين الانتظار طويلاً شأنهم في ذلك شأن الفلسطينيين ليشهدوا تحقيق تلك الوعود.

رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي أعلن أن أجهزة الأمن العراقية جاهزة لتسلم المسؤوليات الأمنية من الجيش الاميركي نهاية الصيف الحالي، لكن يبدو أن الولايات المتحدة قررت البقاء فترة طويلة حتى لو سلمت بعض المسؤوليات الأمنية للعراقيين، فالبقاء في العراق هو جزء من استراتيجية إدارة بوش في المنطقة. ويعطيها دعماً لوجستياً لمواجهة التحديات الإقليمية خاصة إيران والسيطرة على المنطقة. الوضع السياسي في العراق غير مستقر وهذا يعطي مبرراً كافياً للقوات الاميركية للبقاء إلى أجل غير مسمى ، بل إن البعض أصبح يحذر من انسحاب أميركي قبل الأوان والذي قد يؤدي إلى إغراق العراق في مستنقع الصراع الداخلي الذي قد يتحول إلى حرب أهلية.

ولم يعد أمن العراق مرتبطاً بالولايات المتحدة فقط، بل تحكمه قوى إقليمية أصبح لها تأثير كبير في المصير السياسي والأمن المستقبلي للعراق، وربما هذا ما دفع الولايات المتحدة إلى دعوة إيران للدخول في مفاوضات حول مستقبل العراق، وهذا أيضاً ما دفع إدارة بوش للإعلان عن تشكيل لجنة أمنية ثلاثية بمشاركة إيران والعراق، هدفها تحديد إطار للعمل والاتفاق بشأن إنشاء جولات تفاوضية لبحث سبل استقرار العراق ودعم الحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية لاستتباب الأمن. حكومة المالكي تواجه تحديات كبيرة منها أيضاً مواجهة حزب العمال الكردستاني المتمركز في إقليم كردستان والذي يقلق الحكومة العراقية كما يشكل مشكلة لتركيا، التي اضطرت إلى نشر قواتها على الحدود وهددت بالعمل العسكري، وهو ما جعل المالكي يطلب من الحكومة التركية تسليم عناصر الحزب وقطع الدعم اللوجستي عنه ووقف بثه الإذاعي والتلفزيوني كان ذلك عندما التقى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة الذي طرح بدوره على المالكي مشروع اتفاق للتعاون الأمني ضد حزب العمال الكردستاني، إلى جانب الاتفاق على تبادل المعلومات الاستخباراتية وتسليم المسلحين، لكن هذا الاتفاق بقدر ماهو مهم لكبح جماح هذا الحزب، إلا أنه سيشكل مشكلة سياسية داخلية كون الحزب كرديا والأكراد لهم ممثلون في الحكومة العراقية، وتوقيع مثل هذا الاتفاق بين العراق وتركيا يعتبره الأكراد اتهاماً لهم بالإرهاب، وهو ما سيؤدي إلى شرخ في حكومة الوحدة الوطنية المزمع إنشاؤها لإنجاح العملية السياسية في العراق. بالإضافة إلى أن رئيس أقليم كردستان مسعود بارزاني رفض اتخاذ أي إجراءات مشددة ضد حزب العمال الكردستاني وهو ما يضع المالكي في موقف حرج داخلياً مع الأكراد وخارجياً مع تركيا.

التحدي الآخر للمالكي يتعلق بكيفية إقناع طهران لقطع دعمها للمليشيات الشيعية، وهذا الأمر أيضاً يحتاج إلى صفقات ضخمة بين الولايات المتحدة وإيران، فإيران لن تتوقف عن دعم المليشيات الشيعية إلا إذا حصلت على مقابل، والمقابل ربما سيكون رفع العقوبات الأممية الأخيرة وغض الطرف عن البرنامج النووي، وتلك صفقة لن تقدم عليها الولايات المتحدة، لذلك فإن إقناع طهران بقطع دعمها للمليشيات الشيعية تظل مسألة شبه مستحيلة.

وهناك مسألة أخرى تدعمها الولايات المتحدة وبريطانيا تتعلق بتوسيع دور الأمم المتحدة بالعراق، وهي ربما تكون حلاً ناجحاً لإعادة الاستقرار للعراق، فمجلس الأمن يعكف هذه الأيام على مناقشة إقرار مشروع أميركي بريطاني ليكون للأمم المتحدة دور في العراق، خاصة بعدما أبدت روسيا استحسانها للمشروع على لسان سفيرها الأممي "فيتالي تشوركين"، وسيكون دور الأمم المتحدة تقديم الدعم والمساعدة للعراقيين تمهيداً لإقامة حوار وطني شامل وحكومة مصالحة وطنية ومراجعة الدستور وتنظيم إجراءات إحصاء السكان وغيرها من الأمور التي تؤدي إلى الإصلاح السياسي. لكن نجاح دور الأمم المتحدة يعتمد على الاستقرار الأمني، خاصة أن مباني الأمم المتحدة ستكون هدفاً سهلاً للميليشيات والجماعات المسلحة.

* كاتب مغربي

jalalfarhi@yahoo.com

في الأحد 12 أغسطس-آب 2007 11:36:11 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=55425