محاضرة في المركز اليمني للدراسات التاريخية "منارات" .. واقع الأمة الإسلامية في العصر الحاضر .. الحلقة الثالثة
أقام المركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل "منارات" محاضرة للأستاذ الدكتور/ علي هود باعباد الأمين المساعد لاتحاد الجامعات العربية تحت عنوان "الهوية العربية الإسلامية في ظل العولمة"، برعاية وزير الأوقاف الأستاذ/ حمود الهتار.

وفي المحاضرة التي حضرها وزير الزراعة والري ووزير الأوقاف وعدد كبير من المثقفين والأدباء والمحاضرين في جامعة صنعاء الذين أثروا المحاضرة بمداخلاتهم القيمة حول الهوية العربية وتأثيرات العولمة على هذه الهوية حتى وصفها البعض بالبلطجة العالمية ومنهم الدكتور/ حمود العودي.

ولأهمية المحاضرة تقوم "أخبار اليوم" بنشرهاعلى حلقات حرصاً منها على تقديم المضمون الذي تضمنته المحاضرة للقارئ الكريم ونقوم اليوم بنشر الحلقة الثالثة.

تغطية/ إياد البحيري

عندما شعر المستعمرون بخروجهم المحتوم من البلاد العربية والإسلامية في منتصف القرن الماضي وضعوا خطة تهدف إلى إبقاء الأمة الإسلامية في كل مجالات الحياة تابعة للغرب ، فكراً ونظاماً في كل شئون الحياة وهو الفكر والنظام العلماني، كما تهدف الخطة إلى إبقاء وجودهم الثقافي والسياسي والعسكري في المنطقة، ولكن غير منظور ومشاهد أمام الشعوب ، حتى لا يثير الاستنكار والثورات على الحكام بعد نيل الاستقلال، وهي مرحلة من أهم أهدافها الآتي :

إضعاف الأمة العربية والإسلامية عقائدياً عن طريق الفرق والطوائف والصراعات المذهبية.

إضعاف الأمة العربية والإسلامية فكرياً عن طريق التيارات الفكرية والقومية والعلمانية والماركسية.

إضعاف الأمة العربية والإسلامية تعليمياً عن طريق أنظمة التعليم غير المستقرة لا في أهدافها ولا في عملياتها ولا في مخرجاتها مما أوجد جيلاً مضطرباً غير متخصص في مجالاته.

إضعاف الأمة العربية والإسلامية ثقافياً عن طريق أجهزة الثقافة والإعلام مما أوجد ثقافة وإعلاماً غير واضح الهدف والهوية العربية والإسلامية.

إضعاف الأمة العربية والإسلامية اقتصاديا عن طريق القروض والديون التي أدت إلى إضعاف الحكام أمام الدول الكبرى المستعمرة وأدخلت البلاد العربية والإسلامية في ديون كبيرة تحت سياسة (تركيع الشعوب).

إضعاف الأمة العربية والإسلامية عسكرياً عن طريق الحروب فيما بينها والاضطرابات الداخلية والحدودية والاعتماد على السلاح الخارجي التقليدي لاستنزاف أموالها تحت سياسة (حماية الوطن).

إضعاف الأمة العربية والإسلامية تضامنياً عن طريق الصراعات والاضطرابات الداخلية والاتهامات والخوف من بعضها بعض عن طريق المؤامرات وإثارة مشاكل الحدود.

لقد جاءت هذه الهجمة من ضمن هجمات الحضارة الغربية المعاصرة على الحضارة الإسلامية وهويتها من خلال دعوات ومؤسسات فكرية واجتماعية وسياسية وتعليمية وعسكرية من أهمها :

التبشير والاستشراق من خلال الطب والرعاية الاجتماعية والتعليم العام والجامعي والبحوث العلمية، والمجلات والكتب الجامعية والتاريخية. . .

الجمعيات والأحزاب باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان السياسية والاجتماعية.

الاتجاهات الفكرية العلمانية في مجال التعليم والآداب والثقافة والإعلام والاقتصاد.

محاربة الاتجاه الإسلامي والتشكيك فيه وبكل طوائفه وأحزابه.

الدعوة إلى (التغريب) الحضاري الكامل في كل مجالات الحياة.

محاربة الجماعات الخيرية والحركات والمقاومة الإسلامية باسم الإرهاب والتخلف والرجعية.

محاربة المؤسسات التعليمية الإسلامية ومناهجها باسم الازدواجية وعدم مواكبة متطلبات العصر.

تخريب التعليم باسم التطوير عن طريق قروض البنك الدولي والمساعدات الأمريكية والأوروبية ومنظمات اليونسكو وغيرها. . .

إيجاد عدم الاستقرار في الدول العربية والإسلامية عن طريق إثارة المشكلات الحدودية والاضطرابات الداخلية والخارجية وهو ما نشاهده على الساحة العربية والإعلامية اليوم.

((تعلن الولايات المتحدة الأمريكية إعلانا صريحا مضمونه : من ليس معنا فهو علينا، وأي انتقاد يوجه للحملات التي تقودها أمريكا من المحرمات، ثم هم بعد ذلك يتدخلون في شئون المسلمين والعرب، ويركزون على التعليم بصفة عامة والتعليم الديني بصفة خاصة، وقد بدؤوا في باكستان واليمن)).

حاجة العالم اليوم إلى مبادئ الهوية العربية الإسلامية

هنا نوضح أهم المظاهر للحضارة المعاصرة وحاجتها إلى مبادئ الإسلام فيما يلي : (5 :39)

تشتت النفس البشرية بين عبادة الأوثان والإلحاد والعلمانية، مما يؤدي إلى اضطراباتها ، كما في الهند والصين وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وربما انتحارها كما في السويد، والإسلام يقدم عقيدة التوحيد التي تدعو إلى عبادة الخالق.

المادية المفرطة في الحضارة الغربية الشرقية منها والغربية ( فشل الشيوعية وارتباك الراسمالية ) ، والإسلام يؤمن بالتوازن بين المادية والروحية.

تفكك الأسرة والتبذل في دور المرأة في الحضارة المعاصرة ( القنبلة الاجتماعية ) ، والإسلام يؤمن بأهمية الأسرة واحترام المرأة ودورها في المجتمع.

الانحلال الجنسي وقنبلة الإيدز ( طاعون العصر ) والتفسخ الأخلاقي، والإسلام يؤمن بالقيم الأخلاقية والطهر الأخلاقي.

شروط التقدم الحضاري في العصر الحاضر ونظرة الهوية العربية الإسلامية إليه

هناك خمسة شروط للتقدم الحضاري في الوقت الحاضر وهي :-

1- استغلال الأرض وما فيها من ثروات مائية وزراعية ونفطية ومعادن. . . والإسلام فرض على المسلمين استغلال ما في الأرض والسماء، قال تعالى : { هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } ( البقرة : 29 ) وقال أيضا : { أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ }( لقمان: 20).

2- استغلال الوقت وهو ركن من أركان الحضارة، ولذا أمر الإسلام بالاستفادة من الوقت والمحاسبة عليه، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال : عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به ) (معجم الطبراني الكبير) ، وفيما رواه الحاكم عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) ، ويقال أنه أي الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقسم وقته بين العامة وبين الخاصة وبين أسرته. . . فالوقت هو الحياة في الإسلام

3- إيجاد المتخصصين في مجالات العلوم المختلفة، وقد أمر الإسلام المسلمين بإيجاد المتخصصين عن طريق مبدأ فرض الكفاية وفرض العين، فكل علم يحتاج إليه المسلمون فهو فرض كفاية، فعلى جميع المسلمين توفيره، حتى قالوا إذا احتاج المسلمون إلى إبرة فعليهم توفيرها، إذ عليهم إعداد متخصصين في مجال صناعة الإبرة وغيرها.

4- إيجاد النظام المستقر، أي استقرار الحكم داخليا وخارجيا ، وهذا ما اهتم به الإسلام وهو ما اعتبرته من ضمن أركان الحضارة الإسلامية، وهو الأرض ( الاستقرار الداخلي والخارجي ). قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }( سورة النساء : 59) ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ) متفق عليه.

5- إيجاد ثقافة مناسبة للتقدم المدني، وهناك ثقافات غير مناسبة للتقدم العلمي والمدني، لكن الثقافة الإسلامية قائمة على أساس العقيدة والتوحيد لله تعالى، ومنفتحة على الثقافات الأخرى، وهي تتجدد مع العصر في إطار أصولها العقدية والفكرية والثقافية، فليست جامدة جمود بعض الثقافات المعاصرة.

إن وجود الشروط الخمسة في بلد ما يدل على وجود تقدم مدني أي حضاري مادي، فمثلا النظام النازي وعلى الرغم من قسوته، توفرت له الشروط الخمسة أوجد تقدما ماديا، وكانت النتيجة أن (هتلر) استطاع خلال ست سنوات أن يقفز ببلاده من البلد المقيد بمعاهدة (فرساي) إلى إن استطاع أن يجعل بلاده تخوض حربا عالمية تكاد أن تكتسح العالم ، والمثل الثاني في العصر الحاضر، اليابان عند ابتداء نهضتها ، توفرت لها الشروط الخمسة ، نظام راغب في التطوير وهو مستقر ، كذلك ثقافة اعتمدت لصالح التقدم المدني ، أرض استغلت ، ووقت أحسن الاستفادة منه ، اختصاص دفع إليه، وعقوبة التخلف فيه القتل ، كانت النتائج أن اليابان استطاعت خلال فترة قصيرة جدا أن تقفز قفزاتها في عالم التقدم المدني الذي هو مرتبط بهذه الشروط ، ونشاهد الآن الصين تطبق تلك الشروط ، فهي تقفز مثلما قفزت به ألمانيا واليابان. والعالم العربي والإسلامي إذا أراد أن يعيد حضارته فعليه تطبيق تلك الشروط الخمسة التي يوجبها عليه الإسلام.

ان الهوية العربية الإسلامية في استطاعتها أن تكون عالمية تحافظ على مبادئها وأصولها الإسلامية وتستفيد من مكونات العولمة في إطارها الإسلامي ، وعلى مبدأ التأثير والتأثر. . . . فالحكمة ضالة المؤمن ، فانا وجدها أخذها وطورها من خلال فكره الإسلامي ومنهجه العلمي الرباني ، فالحضارة العربية الإسلامية جاءت من الجزيرة العربية بالعقيدة والفكر والمنهج الإسلامي.

استوعبت - الحضارة الإسلامية - ما قدمته الحضارات في تلك الفترة من جوانب فكرية ومادية ، ثم قدمت للعالم رؤى وافكار لعملية التطوير والنهضة لكل شئون الحياة من المنظور الإسلامي فسميت حضارة إسلامية ، والآن في استطاعتها أن تعيد تلك الكرة ، ولكن بهويتها العربية الإسلامية لكل شئون الحياة ، أي أنها في استطاعتها استيعاب العولمة في إطار تصورات الإسلام للإنسان والكون والحياة فالإسلام عالمي وليس عربي فقط ، قال تعالى لرسوله : ((وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا)) (سبأ:28) ((إن هو إلا ذكر للعالمين)) (التكوير:27)

(( لم يقتصر التعليم في هذه الجوامع على التعليم الديني ، وإنما تجاوز ذلك إلى العلوم الدنيوية من رياضيات وفلسفة وفلك وطب وجغرافيا ، وساعد على ذلك انفتاح الحضارة الإسلامية على حضارات الفرس والهند واليونان والرومان وقدامى المصريين، فتولدت تيارات فكرية في شتى مجالات الاجتهاد العقدي والإبداع الأدبي، والطرافة الفنية ، والكشوفات العلمية والتوجهات الفلسفية مما جعل الثقافة الإسلامية بناءً متكاملاً ، انتشرت أنواره في الشرق والغرب وسائر البلاد الإسلامية ، وتبعا لما عرفته هذه المؤسسات من تطور أصبحت به رافداً من روافد البناء الحضاري الإنساني ، وتوالى تأسيس معاهد ومؤسسات عليا للتعليم العالي في العديد من البلدان الإسلامية منذ القرن التاسع عشر الميلادي )).

(( ويمثل هذا الموروث التربوي والثقافي والحضاري منطلقاً أساساً من خمس منطلقات أخرى تم التعرض لها لبناء مستقبل التعليم العالي في العالم الإسلامي ، ومرجعاً رئيساً لتصور إستراتيجية وظيفية في هذا المجال )). (3 :15)

(( الوجود بالهوية وفي سبيل الهوية ، هو وجود حي وفاعل ومنتج ، بينما الوجود الثاني هو وجود هامشي سلبي ، هو وجود مستهلك ، وهالك في الاستهلاك ، فالنهر يبقى نهراً ما دام يجري في الأودية والسهول. . . لكن ما أن ينتهي في البحر حتى يصبح بحراً ، ويفقد خصوصيته كنهر ، وبالتالي يفقد وجوده الذي له ، كذلك الذي يلقي بنفسه في " الآخر " هل يبقى له من علاقة تميزه ؟ أو من فارقة تفرق بينه وبين هذا الأخر ، تمكننا من الإشارة إليه بالبنان أو سواء في أدوات الإشارة العضوية واللغوية والمعرفية ؟ )).

(( من هنا ، فإن ما يذهب إليه البعض من انه من الضروري التضحية بالهوية من أجل الوجود ، لهو كلام مردود وباطل ، لأنه لا وجود من دون هوية ، فالهوية والوجود متلازمان ، وبالتالي لا يمكن التضحية بأحدهما دونما التضحية بالآخر ، فمن يفقد هويته يفقد وجوده ، تماماً كما يفقد النهر وجوده بمجرد أن يترك هويته ليتلاشى في البحر ، عندما يصبح بحراً لا نهرا )).

التحديات التربوية و التعليمية التي تواجه الهوية العربية الإسلامية في عصر العولمة

تتكون الهوية العربية الإسلامية من خلال عقيدة و فكر إسلامي ،و تربية إسلامية ، و ثقافة إسلامية ، ولغة عربية، و تاريخ، و بيئة، وقد أكدت ذلك إستراتيجية تطوير التعليم العالي في الوطن العربي التي أقرت في دمشق في عام 2003 واعتبرت من أهم منطلقاتها ((الثقافة و الهوية العربية التي تستمد لحمتها وجوهرها من واقع المنطقة جغرافيا و تاريخيا،وان الإسلام بالدرجة الأولى يمثل أهم مداخلات هذه الثقافة والهوية، وان لغة العربية وعاء هذه الثقافة، و عليه يجب الانطلاق من منظور سعة الأفق نحو المداخلات الإسلامية لهذه الثقافة ، من حيث اختلاف الرؤى والتفسيرات و التأويل ،كما يجب الانطلاق في تطوير التعليم و الثقافة باللغة العربية ، وتطوير إمكاناتها و تفجير إبداعاتها في المعلوماتية )).

نحاول في هذا الجزء من البحث إن نعكس الجانب التربوي لتكوين الهوية العربية إلى مطلب واقعي من خلال نظام التربية و التعليم في العالم العربي ،ونقصد بالتربية المفهوم الشامل الذي لا يقتصر على عملية التعليم و المتعلم بل يتعداها ليتناول تنمية الشخصية و تأهيل الفرد من اجل تلبية مطالب المجتمع ،إذ أن للتربية دورها المحوري في بناء الإنسان و بناء المجتمع ،وقيمة الإنسان في صنع معارفه، فهي قوة تكوين للإنسان كما إن الثقافة قوة بلورة له ،وكلتاهما تنطلقان من العقيدة و الفكر الذي يؤمن به الإنسان ،و التربية الإسلامية تهدف إلى إعداد الإنسان الصالح أي الإنسان بالمعنى الشامل من حيث هو إنسان لا من حيث هو مواطن فقط. .

إن للتربية دورا كبيرا و خطيرا في بناء الهوية فهي قد تكون الإنسان تكوينا صالحا حسب أهدافها التربوية المنطلقة من أهداف المجتمع ،وقد توجه التربية الهوية العربية من خلال محطات الهيمنة على الشعوب من استعمار وعولمة اقتصادية و ثقافية ،ومع هذا كله فالتربية المصدر الرئيس و البلسم الشافي للمرض أو (الفيروس) الرئيسي للمرض و فقدان الهوية ، فهناك أمثلة على ذلك عندما تقع الأمم في المصائب و المحن نتيجة للصراع بين بني البشر لإقامة حضاراتهم و إثبات هويتهم ، فتكون التربية هي طوق النجاة للعبور من الثغرات و ردم الفجوات. فالتقرير الأمريكي "أمة في الخطر" مثال على الرد على الفجوة التربوية التي حصلت بين أمريكا و بين اليابان بعد الطفرة التقنية التي حصلت في اليابان ،كما أن هناك حركة للإصلاح حدثت في أمريكا بعد إطلاق السوفيت القمر الصناعي عام 1957 وهناك أمثلة كثيرة من معانات الأمم ماضيا و حاضرا من ثغرات و أزمات و انهزامات بسببها أزمة في التربية و التعليم ،وحسب تصوري أن العالم العربي و الإسلامي يواجه أزمة في تربية الإنسان العربي من خلال مؤسساته التربوية والثقافية و الإعلامية. . . فهناك قلة وضوح في فهم الفلسفة التربوية للإنسان العربي المسلم ،مع قلة تطبيق ما جاء في الفلسفة التربوية المكتوبة ،كما أن هناك عدم تكامل بين المؤسسات التربوية والثقافية والإعلامية ،فكل مؤسسة توجه الهوية العربية حسب توجيهات القائمين عليها و ليس من خلال فلسفة المؤسسة وفلسفة المجتمع، مما يوجد هوية مضطربة غير واضحة المعالم و الرؤى.

((في ضوء المستجدات العولمية و الانفتاح الحضاري ،نرى أن المتغير المعلوماتي الجديد في يومنا هذا يفرض على الفلسفة التربوية تحديد رؤيتها في مسعاها لتلمس الإجابات عن سبب التعليم وماهية المواصفات التي تنشدها في الإنسان نتاج نظامنا التربوي. ومن هنا أصبح من الضروري اتساع الفلسفة التربوية و اتصافها بالتنوع و المرونة وهذا يفرض على الإبعاد التربوية الثلاث المتفق عليها في إكساب المعرفة و التكيف مع المجتمع ،و تنمية ألذات والقدرات الشخصية بعدا تربويا رابعا و هو ضرورة إعداد الإنسان لمواجهة متطلبات العصر (مطالب الحياة في ظل العولمة) وبذلك تكون الأهداف التربوية الأربعة قريبة من الأهداف التربوية الأربعة التي وردة في تقرير اليونسكو و هي : تعلم لتعرف ،تعلم لتعمل ،تعلم لتكون،تعلم لتشارك الآخرين )). (21: 116)

انه من واجب المفكرين التربويين في العالم العربي أن يخططوا لتكوين الهوية العربية الإسلامية و تربية أبناء الأمة على العقيدة و الفكر الإسلامي و المعرفة العالمية و المنهج العلمي الرصين ،و إلا فإن الأمة العربية سوف تعاني من الهيمنة العولمية الشرسة ،و يمكن تتأثر تأثيرا بالغا في هويتها و حضارتها.

تحديات العولمة في مجال تربية الهوية العربية الإسلامية كثيرة ومن أهمها: (21: 117)

تهديد الخصوصية الثقافية العربية.

سيادة الفكر الأجنبي وتأثيره على الثقافة الوطنية العربية.

ضعف الوعي بأهمية الحفاظ على التراث الحضاري العربي الإسلامي.

التأثير السلبي للقيم و المفاهيم الوافدة من الغرب.

قلة قنوات الحوار والاتصال و الفهم المتبادل بين العرب و الغرب.

تهديد السيادة الوطنية للدول العربية نتيجة ثورة الاتصالات العالمية.

عدم القدرة على ملاحقة و متابعة كل جديد في المعارف و المهارات مما يؤثر سلبيا على المناهج التربوية العربية.

اتساع الفجوة العلمية بين الدول المتقدمة و الدول النامية (العربية).

كما أن التربية نفسها ، ونتيجة اتساع الفجوة العلمية بين الغرب والعرب ، تواجه تحديات تربوية في مجالات البيئة ، والمناهج ، والتقدم العلمي، والتكنولوجي ، و التنمية البشرية ، و المعلومات و الاتصالات ، و التكتلات الإقليمية ، والبحث العلمي وغيرها من المجالات حياتية ضرورية لبناء الإنسان في هذا العصر القائم على أساس العلم و المعرفة المتجددة.

((إن كثيرين من المنظرين الآن يتفقون على أن الحضارة الصناعية الغربية القائمة على النفعية و الفرضية ،و الغاية التي تبرر الوسيلة ،وعلى أن قيمة الإنسان بما يملك و ما يستهلك -برغم إنجازاتها الكبيرة ،قد أوصلت البشرية إلى مآزق كبرى، حتى أن البعض قد أطلق عليها (مجتمعات فقدان المغزى) ،حيث تآكل الإيمان بالله ،وتهمشت القيم الروحية و الخلقية ، وحلت محلها القيم المادية والهوس الاستهلاكي ، والرفاه المادي الذي لم يسهم في أثراء الوجود الإنساني)). (15: 67)

لقد بدأ قرن المعرفة ،و المجتمعات المستندة إلى المعرفة ،و إن ميزان القوى في القرن الحادي و العشرين تحول الآن :

من امتلاك الموارد الطبيعية إلى امتلاك العلم و المعرفة.

و من صدارة اليد العاملة إلى صدارة العقول العاملة.

و من امتلاك الموارد القابلة للنضوب إلى الموارد المعرفية غير القابلة للنضوب.

و من قوة رأس المال إلى قوة العلم و المعرفة.

إن البلاد العربية أمام فرصة نادرة لكي تعد نفسها إلى عالم المعرفة ، وعالم التقانة التي تعد و تتكون ، ولا تشترى ،حيث شراء الخبرة لا يغني عن بناء القدرة.

أشارت خطة تطوير التربية و التعليم العالي و البحث العلمي في الوطن العربي إلى التحديات الآتية: (9: 21)

في الأحد 15 يونيو-حزيران 2008 02:52:48 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=56099