اللغة العربية بين المطرقة والسندان.. فمن يحميها؟
سعيد محمد سالمين

اللغة العربية هي وعاء الفكر والتراث الفكري والثقافي، وأداة التعبير عن المشاعر الإنسانية والوجدانية، والأعمال الإبداعية، ولا شيء يفوق أهميتها ودورها في جمع شملنا، ليس على المستوى الثقافي والتعليمي فحسب، بل أيضاً على المستوى السياسي والقومي لهذه الأمة.

إن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، وهذا يعني أن تراجعا سيكون على حساب عقيدتنا الدينية، وهناك أطراف دولية كثيرة يهمها النيل من ثقافتنا وديننا ولغتنا تحت دعاوى كاذبة هي أن هذه الثقافة تصنع الإرهاب.

إن اللغة العربية واحدة من أعرق وأجمل وأثرى اللغات في العالم وكانت لغة عالمية في أيام مجدها وازدهارها الحضاري والثقافي، وهي في حقيقة الأمر تدخل في إطار قضايا الأمن القومي العربي، وبقدر حرصنا على تطويرها ومواجهة الظروف الصعبة التي تعانيها، سيكون مستقبلها ولا يخفى على أحد أن هناك أطرافاً دولية تسعى الآن إلى ضرب جذور الأمة العربية، واستهداف اللغة العربية والقضاء عليها بشتى الوسائل الممكنة حتى تصبح الأجيال الجديدة بلا جذور أو هوية أو انتماء، وهذه الدعوات يجب أن نتصدى لها حتى لا يصبح العرب يوماً أمة بلا لغة ولا تاريخ.

ولكن ما يؤسف له أن كل من يهاجم اللغة العربية يتوقف عند قواعد النحو "الفاعل والمفعول" متناسياً أن هذه ثوابت في كل لغات العالم، وينبغي أن يكون الهدف هو تطوير اللغة في أساليبها وجمالياتها وقدرتها على مواجهة متغيرات الحياة، ولن يكون ذلك بالهدم، بل بالبناء ، ولو تتبعنا جذور الأزمة، لاكتشفنا أن لها أكثر من جانب فيجب أن نبحث عن وسائل حديثة لجذب الطلاب إلى لغتهم، ونستبعد المناهج المختلفة التي تفرض عليهم نماذجاً لغوية لا تتناسب مع روح العصر.

فمازال الأسلوب التقليدي في تعليم اللغة العربية هو السائد، من نماذج الشعر القديم لكلماته المعقدة، وصوره البعيدة عن إفهام أبناءنا، مع أن في الشعر القديم نماذج سهلة يمكننا اختيارها حتى لا يهربوا من لغتهم، ولا مانع من استخدام الكمبيوتر والانترنت لتشجيع الأجيال الجديدة على التعامل مع اللغة العربية، ولا يعقل أن نطبق طرق تعليم اللغة العربية نفسها كما كانت قبل خمسين عاماً مضت، وهناك وسائل حديثة في تعليم اللغات يجب أن نطبقها في مدارسنا.

ثم يأتي بعد ذلك دور الإعلام، ولا يكفي أن يجيد المتحدث اللغة العربية، بل يجب أن يكون بسيطاً في اختيار الألفاظ، ولغة سهلة تحافظ على الثوابت وتحمل روح العصر الذي نعيشه، وهذا ينطبق على أحاديث العلماء ورجال الدين والمفكرين والمثقفين الذين يجب أن يقدموا القدوة في البساطة، والقدرة على الإقناع بعيداً عن استخدام الكلمات الغريبة، كما يجب أن نحرص على استخدام الصحف في البرامج الثقافية والحوارات ونشرات الأخبار والموضوعات التسهيلية، لأنها تعد دروساً في اللغة قبل أن تكون عملاً إعلامياً، ومع الأسف أن هناك من يدخلون كليات اللغة العربية في الجامعات ليس حباً واعتزازاً بلغتهم، ولكن بضرورات المجموع، وهذه الكليات بحاجة إلى أجيال جديدة تدرس لغتها من منطلق الحب والإحساس بقيمتها.

والغريب أن البعض يشن هجوماً ضارياً على الفصحى مطالباً باستخدام العامية، وتخليص اللغة من قواعدها، وهذا ليس من الحكمة في شيء، ويصعب فصل ذلك كله عن البعد السياسي الذي يسعى البعض من خلاله لتهميش الفصحى ، وكما كانت العلاقات الثقافية والسياسية بين العرب غير متناغمة، فإن كل بلد اليوم يسعى إلى تعميق لهجته المحلية ، فهناك حرب اللهجات التي دخلتها الفضائيات العربية، ومحاولة كل فضائية إشاعة العامية الخاصة بها، وتسييدها على غيرها من العاميات، مستعينة على ذلك بكل التوابل والمغريات التي تجذب المشاهدين، ويقترن ذلك بضعف لافت في الأداء اللغوي بالفصحى، سواء في مخارج الحروف ونطق الكلمات المعربة وسلامة التراكيب، لهذا أصبحت لغتنا -اليوم- تنعي حظها بين أهلها،فمن الأولى يا ترى بحمايتها أبناؤها أم غير أبنائها؟؟!.

في الثلاثاء 17 يونيو-حزيران 2008 11:25:41 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=56107