حضور على بوابة الغياب...
عبد الحافظ الصمدي
عبد الحافظ الصمدي

 لو ترحلين.. تمتدين من غابر التاريخ جسداً منتشراً كالضوء بعبق التراث اللامتناهي، مهيئاً للتناسل كالأنوثة.. وكأن إبداع مجنون يسوقك مقدمة خرافية لمشروع إبداعي

ننتظر ميلاده والأمل يتدلى من رحم الحقيقة..
فكيف صرت مدينة قابلة للزوال؛ ما إن أطفئ فيك لفافة تبغ حتى تشتعلين.. فأنا عندما لا تجد الهواجس حيزاً للتمرد أحترق فيك لأتقن معك طقوس الوطنية في لحظة محمومة فيما

المتمردات هواجسي ترسو على شطئآن مقالاتي ليذيلن نهايات فن لا ينتهي..
وحين أسرق من ناظريك القصيدة وحسنك سياطاً محمومة تسقط على المتطلع فيك بهيبة خطاب ألقاه زعيم عربي ثائر تعذر على هذا الزمان ميلاده، حينهـا فقط أودعهن فيك هواجسـاً

 حبلى بالحقيقة والألم، أخبأهن في متناول عينيك بعيداً عن النسيان..
هـانذا أركض في عينيك وراء القهر أعدو.. أطوي مسافات السفر.. تراني أكر خلف عينين أضناهما زمناً من الحب السهر، أطارد تخرصات العرافين وجنون العاشقين

وعبئاً ثقيلاً من هموم المنكوبين وشيئاً من ضروب القدر.. يكاد حبك يخطف أبصار الحاقدين إذ يزلقونا بحسدهم، كلما بدا للجموع حسنك أضاء دروباً معتمة في البلاد لتهتدي

الجماهير بسناء روحك..
يا أنت يا وطناً معلقاً بجناحي نورس، من يأتني بقبسٍ من مشكاة نورك لو ترحلـين..؟!
ما زلت أفسر جاهداً دون جدوى هل ما تفعلينه مختزل لفحوى هوس الأوطان؛ مدن تعشق المغيب وتهوى التأرجح في جناحين يشقا بعنف عباب الفضاء، وهل لمدينةٍ تنعم بالأمان

يشغفها حب التواري بين الريش وزرقة الماء وغابات معتمة في السماء..
لعلي سأؤمن ببعض التآويل لحالتك هذه بأن مدناً تزول بمزاولة الظلم فيها وأوطاناً لو تسفك فيها الدماء تلوذ فراراً إلى الموحشات، تهرب منا إلى حيث لا يهتدي ركضنا المقتفي

إثرها..
فهل كنت إحدى المدائن التي لا تقبل التلوث بأخطائنا وتعاف أحبابها إذ يفسدون فهذا جنون.. رحيلك سيدتي جنون، ففي جنباتك ألف قلب حنون وأطفال تصرخ بالبكاء تتوسلك

البقاء..
وألف شبان هنا ومنهم أنا، بالأسى يجهشون.. وصارت كل العشائر محشراً واحداً يرجوك البقاء ويدعوك أن تمكثـين، حتى العصافير وكتاكيتنا الوديعة تدعوك التخلي عن هذا

الجنون..
نطلب عفوك، لغفرانك سنعلن أننا تائبون، سنكفر عن أخطائنا بألف شهيد قرباناً لعينيك عساها تقر بذاك؛ وما ذاك علينا مقابل صفحك بفعلٍ جليل، لكنا آمنا بتأويل حكيم لدينا حاول

تفسير لغز يلف جنونك في أن تتمردين.. ننشد طهرك عسانا نتقي نوبة الضيق بنا فلا يحملك عنا هوس الرحيل..
عهد علينا نتلوه غليظاً بأنا لن نقبل فيك عابثاً منا أو دخيلا، فنرجو بقاءك ونفض الهواجس نحو الأفول.. فأية حياةٍ ياترى نعمرها على وطنٍ يلوذ من فجائعنا بالرحيل..
فنحن وان كتب عليك أن تغادرينا يتحكم بمصيرنا الغادرون، نقسم ألا نغادر وطناً أرضعنا سنيناً حليب الحنين، فأنت الفجيعة وأنت الوجع.. نحوك يعتصرنا الألم ولا نمتلك الأنين

وإن كنا سنعلن لحظة وداعك عجزنا وفاتورة الوفاء ديناً علينا وتبقين أنت حاضرة في الرحيل.. ونحن الحضور إذ نريد مجيئك، يمد الذل للمجهول أيدينا؛ يتسول حاضرنا

الغياب.. وأنى يجود المغيب بإشراق رجوعك وإن بدا في الليل وميض اللقاء..



في الخميس 09 ديسمبر-كانون الأول 2010 04:02:33 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=63026