مدارس خاصة جداً !
ألطاف الأهدل
ألطاف الأهدل

بقدر ما تحمله كلمة خصخصة من تحذلُق لغوي ودليل مادي قوي على ذوبان المعتقد الديمقراطي من أطرافه الضخمة وحتى أحشائه المتوهجة بالحماس الكاذب في ظل عالمية رأسمالية مطلقة ولغة قومية مشاعية واحدة، بقدر هذا كله إلا أنها نهجت في رفع شعار الفاشية المحمية عسكرياً بثكناتها المالية وقدرتها على التخطيط وطموحها الذي لا يتوقف في السيطرة على كل ما يرتفع ملليمتراً واحداً عن سطح الأرض .

والمشكلة ليست في خصخصة المنشآت واحتكار مساحات شاسعة من أرض الوطن وتقييد المعايير الديمقراطية بسلاسل مادية قادرة على إفراز فكرة منظمة واحدة تسعى للتغيير، بل إن المشكلة في خصخصة الأدمغة البشرية والمبادئ الإنسانية وتحويل الطاقة الفردية إلى معين قومي متوقد لكن على حساب ما هو أكبر بكثير من مجرد فطرة .

المدارس الخاصة في نظري هي صورة مؤسفة لتزاوج المال والسلطة ضمت مؤسسة استهلاكية كبيرة تطرح مخلفاتها القذرة قريباً جداً من مداخل المدينة وتحرص على التخلص من وثائقها الهامة أولاً بأول !! وإلى الآن لم تفرز المدارس الخاصة مادة إيجابية واحدة سوى الاتصال بولي الأمر في حالة غياب الطفل أو الطالب عن المدرسة وأيضاً إنها تستوعب طاقة شبابية من المعلمات منهن من قضت نحبها انتظاراً ومنهن من تنتظر، لم يعد للمسألة التعليمية معادلة موزونة علمياً بنسب متساوية من الفكر واالمنطق والإنسانية لأن التعليم أصبح باباً من أبواب البزنس المربحة بالتغاضي عن تلك الرسالة القديرة التي بدأت منذ نزول جبريل عليه السلام من فوق سبع سماوات ليقول لرسولنا الكريم «اقرأ» وانتهاء بكتاب عظيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه جلّ ما يدعو إليه السير في الأرض والبحث عن العلم، يا الله كم أصبح العلم وضيعاً والعلماء من القوم أقل حظاً من سواهم في كل شيء، يا الله كم أصاب بالخيبة ويتضاءل إحساسي بالسمو وتنتحر كلماتي من فوق أسطرها كمداً حين أرى صحفاً وكتباً تواري ثرى اللامبالاة أو تُقذف بحجارة الجهل أو ينصب لها المنتمون لليأس مشانق النقد اللاّذع دون أن تكون لديهم أدنى فكرة عن حكم الإعدام الذي يقرؤونه واقفين أمام ميت !! والأمر أشد فظاعة من أن يلتهم الزمن ذاكرتك وتتدلى عيناك خلف نظارتك فضولاً بما تحب نأياً عما تكره .

إن التعليم في بلادنا أصبح وشيك اللحاق بالسياسة تلك التي قادت وعلقت الشفاه على لائحة النضال الطويل وربطت خواصر الناس في كل أنحاء الدنيا ثم نامت كعاهرة تفتح ذراعيها للجميع الوطني منهم والخائن ومن التبس عليه أمر اللحاق بالركب .. الكل يأخذ منها ما يريد ثم يبصق في وجهها ويرحل .

هذا الضجيج حول معبد العلم له أسبابه حيث لم يستقم الأمر ولم تسمع عن تكريم عالمٍ صغير أو مخترع عظيم أو صاحب رسالة يرى في العلم منهج أمة ومستقبل وطن .

لا استبعد أن يأتي اليوم الذي يوزن فيه العلم بميزان وتصبح الوقية منه بدنانير الذهب مادام له أسواق وبما أنه أصبح يخضع للأنساب وينتمي للأحزاب ومن يدري ربما يكون ضليعاً في الإرهاب ! .

ماذا أقول عن كتاب يقرأ بالمقلوب ؟!! صدقوني العلم صناعة لا تقوم إلا على أسس، له معدات ، خطط ، طريقة تسويق إلى العقول تماماً كأي صناعة، والذي يحدث اليوم في المدارس الخاصة أو الأهلية ينافي تماماً لتلك الأسس في مدرسة تخلط بنات الإعدادية بالأبناء في فصل واحد، وأخرى توظف معلمات ينشرن الجهل أكثر مما ينشرن العلم عن طريق الترويج للغة الجسد واحتراف الغواية .. وما خفي كان أعظم .


في الخميس 23 ديسمبر-كانون الأول 2010 12:05:06 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=63143