الشعب يريد ...!!
عبد الحافظ الصمدي
عبد الحافظ الصمدي

تنحى فرعون مصر فتبسمت الأمة العربية جمعاء وارتسمت على وجوه شبابها أسارير البهجة الفرائحية، لتظل الثورة "البوعزعزية" خيار العاطلين والجوعى وهي الوسيلة الفاعلة لكبح جماح الفساد وليس مكافحته فحسب.. فالعبث يستشري في أجهزة الدولة حين تتعطل الرقابة والمحاسبة ومعالجة الفساد بالتقسيط بات أمراً لا يجدي..
ما إن تلا النائب المصري للرئيس المخلوع مبارك بيان التنحي ، حتى تجاوز الابتهاج والفرح الحدود المصرية، لتعم الوطن العربي بكل فئاته وشرائحه، كون فرحة النصر قومية على الدوام، لا تعترف بشرعية الحدود، التي رسمها المستعمر قديماً، وأتقن لعبته الاستعمارية ليجعل من المنطقة العربية أقاليم ومناطق أطلق عليها زيفاً دولاً.. أكمل عمر سليمان بيانه المقتضب وقعد على الفور يستمع لصدى العملاق المصري من المحيط إلى الخليج الذي انتفض متأثراً بلسعة التونسة التي لا علاج لحمتها سوى الرحيل، رحيل أنظمة ما كنا نتوقع زوالها، بعد أن تمكن الحكام من إقناعنا بعدم صوابية أن كل شيء مصيره الزوال عدا وجه الله، أنسونا الفطرة الكونية بأن لكل بداية نهاية..
اليوم أفقنا على لعلعة الهتافات في شوارعنا اليمنية بعد أن حذرنا مراراً وتكراراً من انسلاخ الشارع عن النخب الوطنية والحزبية المنشغلة بالمكايدات والمزايدات وبمسرحية تدور هزالتها حول حوار الحاكم مع المشترك، متناسية السلطة أن الشعب صار وجهها الآخر المعارض وأن المشترك وأحزاب المغالطة الأخرى تقايض بالوطن لتحقيق مصالحها والمصالح الضيقة فقط..
رياح التغيير هبت ولم تهدأ صفيرها المحرضة للشعوب بعد أن فشل كل دهاة السياسة في تغيير مسارها نحو الثورة..
الجماهير تصنع المعجزات بغتة وتفاجئ الجميع بقدرتها الفائقة على قلب الموازيين في فترة تتجاوز العشرين يوماً بيوم أو بعض يوم أو تنقص عن العدد العشرين قليلاً، إلا أن النظام الحاكم في اليمن لم يفهم ذلك ولا زال يجود بسخاء بتنازلاته لأحزاب المشترك التي لم ولن تملك الشارع أبداً..
"ما هكذا يا سعد تورد الإبل".. فالوطن أمانة بيد الجميع يتحمل القسط الأكبر منها الحاكم وإن كان قد فرط بمعظم أمانته، حين رجح كفة فاسدين وشخصيات نافذة على حساب بلد بأكمله.. كان على فخامة الرئيس أن يجود بإصلاحات لصالح شريحة الشباب المهروسين بالبطالة والعمل لما من شأنه إنعاش التنمية بدلاً من مجاراة المشترك في مضمار المكايدات وثقافة القمر واللعب على مبدأ: " حبتي أو الديك" و "عنزة ولو طارت"؛ إذ أن المهدئات قد تجدي مع المعارضة ولكن يوم أن ينتفض الشارع لن تجدي المسكنات جميعها ولا تنفع معارضة الأنظمة حينها ولا غطرسة الحزب الحاكم..
ولعل التوجه نحو المعارضة ونسيان الشباب الذين أغلبهم عاطلين، وراء رفع الشعارات التي ارتفعت في المسيرات: " يا حمدي عود عود.. شعبك يهتان بالحدود"، " لا حزبية ولا أحزاب.. ثورتنا ثورة شباب".. فهل وعى النظام ذلك أم أنه سيترك للشارع تقرير مصير وطن يتربص به تمرد وحراك وتوجهات شتى نحو التمزيق.. فاليمن تحوم حولها أجندات مخيفة وليست كمصر وتونس؟.
 فخامة الرئيس.. يجب أن تعرف جيداً أن المعارضة مراوغة وحزبك الحاكم يتعامل مع الأمور على قاعدة: " لن نغلب اليوم من قلة" والحكومة فاشلة حد الفظاعة والشعوب دخلت طرفاً قوياً في المعادلة السياسية وبشكل مباشر، ووحدك من سيحمله الشارع في لحظة غضب مسئولية سلبيات الآخرين وأنت من ستسيء الاحتجاجات لتاريخه..
ولعل زيادة رواتب الموظفين" ألف ، ألفين، ثلاثة الآف" ريال أمر لا يجدي ولا يطفئ مطالب ملحة مع وضع معيشي صعب وأسعار تلفح المواطن بلا رحمة.. ومن المفارقات الغريبة هنا لحكومة لا تكترث بمعاناة الناس ولا تعي ما معنى أن يتحول الأنين المكتوم إلى صراخ، هي لجوء حكومة مجور مؤخراً لرفع قيمة فاتورة الكهرباء بنسبة خيالية أمام زيادة الرواتب رغم انطفاءات التيار الكهربائي بشكل شبه يومي..
يجب أن ندرك حين تعلو صراخ الجماهير: "الشعب يريد إسقاط النظام" أنه حتماً كان يريد وطناً بلا فقر وبطالة، يريد أن يتوظف الخريجين وتوفير فرص عمل لكل العاطلين حتى لا نرى عاطلاً يمنياً يهتان خارج الحدود؛ حيث يعامل هناك كشحات ليس إلا.. فعلاً لا نريد أن نرى فاسداً يتسكع في مدننا، بل نريد مشاهدة الفاسدين على المشانق يلفظون أنفاسهم الأخيرة..
الشعب قبل هتافه بالرحيل كان يريد منذ سنوات خلت أن يكون مواطناً في وطن عادل بثروته ومقاعده الأمامية ومناصبه المهمة؛ العسكرية والمدنية، والثورات عبر التاريخ تطال الأنظمة ولو كانت في حصون مشيدة؛ لم تعد لها مانع من إرادة الانتفاضة، ذلك لمن يعي القول ويتقي غضب الشارع ولعنة التنحي والرحيل..
ثــورة دون بندقـيــة:
الاعتراف بالفشل والإصغاء لمطالب الجمهور في الوقت الضائع والخروج إلى الشعب بمغالطة حسني وزين الهاربين: " الآن فهمت" ، بمثابة التوبة في لحظة غرغرة لا تشفع لنظام يحتضر يحاول عبثاً التشبث بالبقاء، فإذا حانت ساعة الزوال، تتوالى الوعود دون جدوى كمهدءات منتهية الصلاحية، والشارع قد أمهل وأنذر الأنظمة المغضوب عليها بالرحيل منذ سنيين..
الرئيس التونسي المخلوع بعد أن كان هو الوطن؛ يقوده ويديره ظل لأكثر من 10 ساعات في الفضاء يبحث عن وطن تهبط فيه طائرة فارة؛ كان "بن علي" قد استقلها مجبراً في لحظة غضب فرضت عليه الرحيل خياراً أوحد وما أصعب أن يلوذ الزعيم من شعبه بالفرار بعد سنوات طويلة من الحكم؛ أو بمعنى أدق من الظلم..
الشعب المصري هو الآخر لجأ إلى التجربة التونسية كخيار لا بديل له في زحزحة العبث بخيرات البلاد ومن أجل بناء وطن لمواطنيه لا لشلة مقربة من الفرعون.. قعد الشباب بتحرير مصر، فتنحى مبارك وسقط نظامه؛ بإرادة التغيير، ثورة تسطر الغد المشرق دون بندقية..
لقد أثبت شجعان مصر وتونس أن السلطة بيد الشعب فعلاً ولم يعد بمقدور ذوي المصالح الذاتية، المهووسين بالتسلط من الحكام استجداء الخارج وتقديم التنازلات لواشنطن ودول الغرب وكسب تعاطف إسرائيل..
فهل يعي الحكام العرب معنى قعود العاطلين والجوعى والمنهوبين والمنكوبين بالفساد؟.. هل يدركون التغيير القادم من تونس ومفهوم ثورة أبطالها عزل يصرخون بالمعاناة؛ وحده الصراخ سلاحهم الفتاك والساخر من جيوش الأباطرة وشوكة أكاسرة الفرس، ومن النصل الرومي القديم وأسلحة الرومان الجدد؟!.
في الثلاثاء 15 فبراير-شباط 2011 03:11:06 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=63623