اليمن تُعرّي أميركا...
المحرر السياسي
المحرر السياسي

بين أميركا الانتهازية وأميركا الحرية ثمة مقاربة ومفارقة، الأولى ترعى مصالح وتنهب ثروات وتبتز أنظمة، والأخرى تحاول أن تمنطق الاستعماري، وأن تجعل له مسوغاً أمام مواطنيها..
وبين أميركا القامعة للشعوب، المساندة للأنظمة، وأميركا صاحبة المنظمات الدولية الراعية لحقوق الإنسان، ألف حكاية وحكاية، فالقامعة هي مع البترول والثروات والاستقرار.. هنا ضروري ولو على حساب جماجم الأبرياء وضحايا الباحثين عن الحرية والمواطنة المتساوية، أما أميركا الديكور والمنطق الحضاري والضمير الإنساني والحقوق والحريات، فهي مجرد عناوين للسماح بإرهاب الدولة أن يمر والأنظمة أن تنصاع بإرادة البيت الأبيض.
قانون أميركا هنا مبني على المصلحة فقط، ما عدا ذلك لتذهب الإنسانية إلى الجحيم وقانون أميركا هو الذي يأتي بها لاحتلال الشعوب وقهر الإنسان وتدمير ما يتخلق في الأفق من حضاري يوشك أن تطاله الشعوب المقهورة.
هذا القانون نراه من يفجر الأزمات ويدين في آن واحد، هو مع التحرر والسيطرة في آن، مع الديمقراطية في إطار محدود والدكتاتورية متى ما عبرت عن مصالحها كدولة استعمارية.
اليوم يتجلى هذا التناقض الحاد في موقف أميركا من اعتمالات الداخل في اليمن، حيث الضروري يبيح المحظور لديها، فحقوق وحريات الإنسان في اليمن لا مكان لها في برنامج البيت الأبيض، لذلك السفير الأميركي بكل جرأة يتحدث عن أهمية الحوار مع الدم والاستجابة لنزاع النظام في هذا الجانب ولم يقل شيئاً يذكر عن الأبرياء الذين استشهدوا وجرحوا بالآلاف، فيما الأمر مختلف في البلدان الأخرى تونس ومصر.. ليبيا مثلاً، لأن الأدوار لهؤلاء العملاء اكتملت ولم يعد من مصلحة البيت الأبيض التعامل مع هذه الزعامات، أما في اليمن فالشهداء والجرحى لا وزن لهم لأن ثمة جغرافيا مهمة تقترب من آبار النفط في الخليج، لأن ثمة تعاوناً غير معلن لسجن الحرية وإبقاء من يرعون الوجه الاستعماري البغيض لأميركا، هكذا البيت الأبيض هو مع الشعوب زوراً حين يعادي الأنظمة ومع الأنظمة زوراً حين يجد في الشعوب الإرادة في الانعتاق من المؤامرة المتفق عليها..
لا يقبل البيت الأبيض والحال هكذا إلا أن يقدم نفسه شاهد زور بامتياز وإرهابي بلا منازع وإلا ماذا يعني تصريح السفير الأميركي بأن القنابل الغازية السامة التي ضُرب بها الأحرار ليست سوى غازية تستخدم في هكذا مظاهرات ولم يسأل هذا السفير نفسه هل هو موفق في هذا التصريح أم أنه ارتكب حماقة يحاسب عليها، من منظور برجماتي انتهازي، باعتباره يعرّي ويفضح بقسوة سياسة دولته في هذا الجانب.
لقد ذهب إلى الظن أنها غازية وليست سامة دون فحص مخبري أو شهادة خبراء.. لقد أخذ السفير ينوب المعامل المخبرية والأطباء والجراحين وكل أشكال الشهادات التي ينبغي أن توثق وتكشف مستوى الجريمة، وربما لأن السفير الأميركي أراد أن يدافع عن هكذا سلاح جهنمي قدمه للنظام دون ثمن لمثل هكذا مظاهرات من أجل الحرية.
أميركا للأسف الشديد تعرت تماماً سوءتها وقبحها للعالم من خلال اليمن الذي يطلب التغيير، انحازت بشكل سافر إلى ما هو لا إنساني من أجل برميل نفط تريد حيازته على حساب جماجم الأحرار.
أميركا اليوم تقف كإرهابية وتطرح الزنداني الشيخ الجليل في زاوية المطلوب، كأنها تريده أن يستسلم للقهر والإذلال والعبودية أو أن يُنظر إليه كمطلوب للبيت الأبيض.. هذه هي أخلاق البيت الأبيض باختصار شديد، وهؤلاء هم الذين يجعلون الشعوب تكره أميركا الدولة.
هذه التصريحات السيئة التي تريد إجبار وطن بأسره أن يفاوض السلطة على المزيد من التسلط باسم الحوار، لإبقاء نظام له أكثر من "30" سنة.
هذه هي أميركا التي تقهر الأحلام وتعبث بالحرية وتنحاز إلى التخلف كله من أجل رائحة عطرة لبرميل نفط مسروق أو مسلوب.
ولو لم تكن اليمن على مقربة من حقول النفط الخليجية التي يراد لها الاستقلال لسمعنا من البيت الأبيض عشرات التصريحات في الانحياز للشعب والمطالبة برضوخ النظام لمطالب الجماهير برحيله، غير أن اليمن وحدها تكشف الانتهازية الأميركية وطغيان الامبريالية على الشعوب المقهورة وجعلها مجرد وسيلة لابتزاز الأنظمة ونهب الخيرات باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي لا وجود لها مطلقاً في عقلية رعاة البقر، من يسومون البشرية قهراً وإذلالاً.
في الأحد 13 مارس - آذار 2011 04:18:31 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=63869