الإعلام والتضليل
فهد علي البرشاء
فهد علي البرشاء

تجبرني المفارقة بين الأحداث والوقائع التي تشهدها الساحة اليمنية أن أتابع كل الوسائل الإعلامية التي تتابع الحدث وترصد مجرياته، حتى أستشف المفيد والحقيقة من بين كل الوسائل الناقلة ولكي أحصل على معلومات وافرة ومفيدة وكذا على الحقيقة التي دائماً ننشدها من هذه الوسائل الرسمية والخاصة الداخلية والخارجية لأن كل ما يجري في اليمن لايخفى على أحد ولاينكر أحد مدى فداحته وقبحه وفظاعته.. 
وهناء أجد أن الإعلام هو المرآة العاكسة لحقيقة الحدث في الشارع وهو المصدر الأساسي للحقائق التي تدور في أرجاء الوطن والمعمورة وينبغي للإعلام أن يتحرى الصدق وينقل الحقائق بعيداً عن التزييف والتضليل مهما كانت جسامة هذه الأحداث، وفعلاً شاهدت أكثر من محطة تلفزيونية وقرأت في أكثر من صحيفة مجريات الأحداث، وكذا كان لي شرف التواصل مع بعض القاطنين في ميادين التغيير، فنقلوا لي الحقائق بحذافيرها دون تزييف أو تكذيب أو تضليل، فوجدت شبهاً كبيراً بين ما تتناقله وسائل الإعلام وكلام شباب التغيير في الشوارع.. إلا أني وجدت في ذات الوقت بوناً شاسعاً بين إعلامنا الرسمي وباقي محطات التلفزة التي واكبت الحدث لحظة بلحظة والتي كانت تنقل الوقائع والأحداث التي تستجد على الساحة اليمنية وكانت تمثل صوت الشعب اليمني الثائر والمنتفض من أقصاه إلى أقصاه.. إلا أن الإعلام اليمني للأسف الشديد حاول جاهداً إخفاء الحقائق الواضحة وضوح الشمس وتقزيمها والتقليل من شأنها وأهميتها وأهمية مطلبها واعتبر ها مجرد زوبعة في فنجان لن يؤثر وستأخذ وقتها وتنتهي، وكان في الوقت ذاته ينقل النقيض تماماً لكل المستجدات المؤيدة وكل الأحداث التي تعني بشؤون الدولة وسياستها، بل وإعطاؤها الحيز الأكبر من وقته في محاولة فاشلة لعكس الحقائق وتضليلها وإخفاؤها ظناً منه أنه قادر على تضليل المشاهد وإقناعه بزيف وبطلان كل الروايات التي تحكي عن غليان الشارع وهيجان الشعب.. 
إعلامنا كان يظهر دوماً صورة "مغلوطة" في كل المستجدات والتطورات التي يعيشها الشارع اليمني منذ بدء ثورات التغيير في كل المحافظات والتي واكبها الإعلام اليمني الخاص وكذا الإعلام الخارجي وبات يعرفها كل العالم ويعرف ما يدور في اليمن رغم كل المحاولات البائسة لإعلامنا الرسمي الرامية لعدم إظهار الصورة الحقيقة التي يرزح تحتها اليمنيون وهذا مناف تماماً والرسالة الإعلامية التي يعرفها الكل والتي تنص على الوقوف صفاً واحداً في وجهة أي هجمة شرسة ضد مظلوم أو مغلوب أو مسلوب حق وعلى قول الحقيقة في وجه كل من تسول له نفسه المساس بالإنسانية حتى وإن كان هذا الشخص من أصحاب "الوزن الثقيل".. الإعلام الرسمي كان حرياً به أن ينظر للحقائق مزاوية المصلحة العامة التي تهدف إلى إحقاق الحق وإبطال الباطل مهما كان هذا الباطل متجبراً ومتعالياً.. الإعلامي الرسمي لن نقول له أنظر إلى السلبيات فقط وحاول الوقوف إلى جانبها إنما قف بجانب الحق وما ينطوي تحت الحق وأعدل في سياستك تجاه شعبك ووطنك وكل من يعول عليك أن تساعده، فأنت إن لم تمثل صوت الشعب وإن لم تنقل همومه ومعاناته وأحزانه وتواكبه في لحظات أمله وضعفه وتنصره على أعدائه وطغيانه، فلست بذلك الإعلام الذي نرجو ولست ذلك الصوت الذي نتمنى، لأنك مسير في كل أفعالك وتحركاتك، فإن لم تكن حراً تحدد نهج رسالتك التي من أجلها وجدت فلا فائدة من بقائك، وأعلم أنك ستفقد مع الأيام مصداقيتك وقاعدتك الجماهيرية وستصبح بلا فائدة أو قيمة، فالقيمة الحقيقة لأي شيء تكمن وقت الشدائد وتظهر جليلة بسياستها تجاه الأمور وطريقة تعاملها معها متخذة من المبدأ المهني والضمير الإنساني شعاراً ووسيلة.. 
الإعلام الذي لا يرتق بطموحات شعبية ووطنه لا يعتبر إعلاماً، والإعلام الذي تسيره قوى وأجندة خارجية تحدد له ما يقول وما يفعل ليس إعلاماً.. الإعلام الذي يغالط ذاته أولاً ويحاول أن يعكس تلك المغالطة على شعبه ليس إعلاماً.. الإعلام يجب أن يتماشى مع المتغيرات، فنحن في زمن بات فيه من السهل كشف الحقائق حتى وإن كانت خلف الشمس بكبسة زر فقط، فكيف بواقع يحتضر أمامنا ويحاول إعلامنا تضليله.. حقيقة الإعلام يحتاج لإعادة تأهيل وهيكلة كي يرتقي ويواكب الواقع بدلاً من المغالطة والضحك على ذقون الغلابى مع أن الغلابى يدركون زيف هذا الإعلام المتأزم..

في الأحد 20 مارس - آذار 2011 09:00:59 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=63921