خاب من ظن بأن الرئيس صالح سينتصر على شعب قرر الثورة!
سمير عبيد
سمير عبيد

ثمة لعبة أمم تدور في الخفاء بين الولايات المتحدة وأوروبا، ملامحها الواضحة في ليبيا لكن بُعدها الحقيقي يتشكل في اليمن.

بلا شك، راقب الجميع التناقضات الكبيرة والغريبة في مواقف وتصريحات الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، فكاد أن يكون رئيساً مخلوعا، و من أخبار الماضي، وبموافقة منه عندما شعر بالحصار وبالزحف الجماهيري، وإذا به يعود قويا ليأخذ زمام المبادرة ثانية، على الرغم من الدماء التي سالت في ساحة التغيير اليمنية، لا بل صعّد من التصريحات والتحديات عندما طالب برحيل المحتجين والمطالبين بتنحيته خارج اليمن، علما أن عدد المتظاهرين المطالبين برحيل الرئيس صالح، وحسب الإحصائيات العالمية بلغ أكثر من أربعة ملايين ونصف مواطن يمني، مقابل المؤيدين له والبالغ عددهم ــ وحسب نفس الإحصائيات ـ حوالي 600 ألف مواطن يمني، ناهيك أن في الجمعة التي أطلق عليها المتظاهرون تسمية "جمعة الخلاص" اتسعت المظاهرات فشملت 11 محافظة ومدينة يمنية، لا بل وصل المتظاهرون ولأول مرة الى جوار قصر الرئيس، وهنا أشارة بالغة الى الرئيس صالح عندما توقف المتظاهرون عند قصر الرئيس ولم يقتحموا بوابته، ولكن بدلا من التقاط هذه الرسالة والإشارة الذكية للغاية والبحث عن مخرج آمن راح الرئيس صالح فحشد وبأساليب معروفة بضعة آلاف مؤيدة له، وأخذ يُصعّد أكثر وأكثر، وظنا منه بأن الجرعات الأميركية والغربية التي أعطيت له، ومعها الدعم السعودي "المادي والمعنوي واللوجستي" سوف يبقيانه الى الأبد، وهذه معضلة الرؤساء والساسة العرب، لأنهم لا يعتمدون على عمل المستشارين والخبراء، ويرفضون تأسيس "خلية أزمة" عند أوقات الشدة، أي أن "البداوة تصرع السياسة" عند ساعات الشدة، وعند أغلب الأنظمة العربية، وبالتالي فحصادهم هو الخسارة والخذلان، فالقائد العربي يتصرف كالطفل فحال امتلاء بطنه يظن بأنه لن يجوع ثانية!
 فها هي أنقرة الحليف القوي والأمين لواشنطن في التغييرات الحاصلة في العالم العربي، والتي باتت تنادي وتنصح القادة العرب، وبلغتهم العربية "أنكم ذاهبون، لأن العالم العربي قد تغير، ولن ينقذكم غير الإصلاح والتغيير وفوراً" ولكنهم لم يسمعوا، لأنهم أدمنوا على عدم سماع النصيحة والنقد والرفض، ولأنهم تعودوا على قمع الناقدين والناصحين والرافضين، ولأنهم يكرهون الإصلاح والتغيير بل باتوا يفكرون بتوريث أبنائهم وأحفادهم في الدول التي يحكمونها منذ عقود... فنعم أن جميع الثورات العربية الحاصلة هي عفوية وبنسبة معينة، ولكنها لم تُترك لعفويتها، بل راح اللاعبون المدربون لخطفها وبطرق ناعمة لتصبح عملية التغيير لا تهدد المصالح الأميركية والغربية بل تتماهى معها، ولقد أعطيت المهمة في هندستها وتنعيمها إلى اللاعب التركي وبعض المساعدين له من العرب الذين آمنوا بنظرية تغيير العالم العربي سياسياً وثقافياً وإسلامياً، أي سيكون هناك نهج إسلامي وسطي يقترب من إسلام البوسنة ولا يتقاطع مع الإسلام المصري والتركي، ويكون متصالحا مع الغرب والولايات المتحدة، ويتناسى القضية الفلسطينية، أو يحصرها من خلال الدعم السياسي إلى السلطة الفلسطينية فقط.
 لذا فجرعات التقوية الغربية والسعودية التي أعطيت للرئيس صالح ومعها خرطوم الأوكسجين الأميركي كان سببها منع انهيار النظام في اليمن تزامنا مع الأزمة الليبية، وليس حبا بالرئيس صالح الذي دخل غرفة الإنعاش هو ونظامه وكاد أن يكون من الماضي، لأن جميع التوقعات كانت تؤكد بأن نظام القذافي لن يصمد طويلا، وبالتالي ستنتقل لعبة التغيير نحو اليمن، ومنه لدول أخرى، ولكن عندما تدخلت إسرائيل سراً ولصالح معمر القذافي ومدته بالخبراء واللوجست، وبالمرتزقة التي تبرعت بجلبهم شركات إسرائيلية متخصصة ـ حسب التقارير في الصحف الإسرائيلية ـ دخلت الحالة الليبية في دهاليز الحرب التي لا تُعرف نهايتها، أي سيكون شعار المعركة الليبية هو حرب الاستنزاف على الطريقة الصومالية، ولكن مع بعض الحذر وصولا للإيمان والاقتناع بحالة التقسيم وأن القذافي يعمل على هذا النهج.

وهنا تنبهت إدارة الرئيس أوباما، والتي هي أساسا ترددت وحال دخول اللاعب الإسرائيلي، إضافة أن سبب ترددها كان ضغطا على الأوربيين، وتحديدا على فرنسا وبريطانيا لتأخذا زمام المبادرة بدلا منها، ولتعتمدا على نفسيهما في أدارة المعركة الليبية، فراحت واشنطن سرا فنسقت مع أنقرة لتحاصر الاندفاع الفرنسي بشدة، لا بل تقلم أظافر باريس لكي تندفع لندن أكثر وأكثر في ليبيا، لأن من مصلحة واشنطن حاليا هو أغراق لندن في المستنقع الليبي، وبالفعل نجحت أنقرة في مناكفة باريس، خصوصا عندما وجدتها أنقرة فرصة للإنتقام من باريس التي تقود جبهة المعارضة ضد انضمام تركيا للاتحاد الأوربي، وعندما تحجم الدور الفرنسي تقريبا، وبفعل الدور التركي راحت بريطانيا فانغمست في المستنقع الليبي، وهنا انتقلت واشنطن فضغطت على الأوربيين لكي تتملص من قيادة المهمة في ليبيا لصالح الناتو.
وبالفعل تخلصت واشنطن من العبء الليبي، وعندما أعلنت وزارة الدفاع/ البنتاغون في الثاني من أبريل الجاري وعندما أكدت التقارير التي أوردت ما يلي: "أكد مسؤولون في البنتاجون أن الجيش الأميركي بدأ سحب مقاتلاته وصواريخه الموجهة من طراز توماهوك من مسرح العمليات العسكرية في ليبيا، تمهيدا للانتقال إلى دور المساندة، كما هو مقرر. وتولى الحلف الأطلسي قيادة العمليات في ليبيا، وقال مسئول في البنتاجون "سوف نركز على مهام دعم وليس على ضربات، ومع اقتراب ساعة انسحاب القوات الأميركية من العمليات الهجومية في ليبيا، تتضاءل أكثر فأكثر وتيرة المشاركة الأميركية في هذه العمليات" وبهذه الحالة تحررت واشنطن لتعزز موقفها في اليمن، وخصوصا بعد نجاحها في توريط "بريطانيا" في ليبيا عندما استغلت ضعف خبرة رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وهذا يعني تحرر الولايات المتحدة من الطوق البريطاني في اليمن، لأن هناك صراعاً خفياً "استخبارياً وسياسياً" بين واشنطن ولندن حول الملف اليمني، لأن بريطانيا تعتبر اليمن امتدادا بريطانيا، وأن باب المندب تركة بريطانية لا يمكن التنازل عنها، فأن الذي يسيطر على اليمن (وباب المندب تحديداً) سوف يسيطر على مفصل إستراتيجي عالمي لا يقل أهمية عن مضيق هرمز، وأكثر أهمية من قناة السويس، ومضيق جبل طارق، فعندما تسيطر واشنطن على هذا الممر البحري الحيوي، وتكون اليمن ضمن الحاضنة الأميركية، فهذا يعني انتصاراً لمشروع "الشرق الأوسط الكبير" وانتصارا لمشروع المحافظين الجُدد، وحينها سوف يرتبط الفضاء الإستراتيجي النازل من الحدود الأفغانية ـ الصينية نحو بحر العرب بالفضاء الإستراتيجي الذاهب نحو الضفة السمراء "الإفريقية" من البحر الأحمر، ونحو الفضاء الإستراتيجي التي تمثله دول شمال أفريقيا، و الدول المتشاطئة "العربية والأوربية" في البحر المتوسط وصولا لإسرائيل، وبهذا ستكون الدائرة الإستراتيجية "حلقة الخاتم" في الأصبع الإسرائيلي ولخدمة المصالح الأميركية، وسيكون اللاعب الإسرائيلي حرا في هذا الفضاء الإستراتيجي الواسع، وبالتالي ليس أمامه وأمام واشنطن والغرب إلا معركة واحدة، وهي معركة فاصلة، وسوف تتجيش لأجلها قوى كبرى ودول إقليمية وشرق أوسطية، وهي التي ستحدد مستقبل الطاقة العالمي، ومستقبل المنطقة بأسرها، وحينها سُيقفل الفضاء الإستراتيجي تماما ولصالح الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب، وهي معركة "خطف مضيق هرمز" من الإيرانيين، وإجبارهم على الانكفاء نحو الداخل الإيراني، ولكن سيسبق ذلك أعادة زخم المظاهرات الإيرانية التي تأجلت بــ "مسج" من واشنطن والغرب، وليس بحكمة الرئيس نجاد أو بقوة البوليس، وبذلك لن تتدخل الولايات المتحدة بحرب ضد إيران، بل ربما ستكون هناك ضربات لمفاصل النظام لتسهيل مهمة وصول الإصلاحيين الى الحكم.
ولقد استغل الرئيس صالح، وعلى الأقل في السنوات الأخيرة من حكمه لهذا الصراع الدائر بين واشنطن ولندن حول الاستيلاء على باب المندب، ونجح باللعب على الحبلين، أي كان يأخذ الدعم من الجانبين، ولكن هذه المرة لم يعد لبريطانيا تلك القوة والسلطة والهيمنة على اليمن بعد توريطها في ليبيا إضافة لأفغانستان، وهنا بات عليها خسارة اليمن بشكل عام، وخسارة باب المندب بشكل خاص، ولصالح الولايات المتحدة، وهنا ستعود واشنطن الى اليمن وبكل قوتها بعد أن نجحت بعدم انهيار النظام اليمني طيلة الأسابيع الماضية بفضل المسكنات التي أعطتها للمعارضة، وخرطوم الأوكسجين الذي أعطته للرئيس صالح، ولهذا اقتربت نهاية الرئيس صالح ولصالح المطالبين بالتغيير، أي سيُرفع خرطوم الأوكسجين عن الرئيس صالح ونظامه، ولكن ربما ستستغله واشنطن لبعض الوقت ضد مايسمى بـ "القاعدة" ولكنها لن تتمكن لأن هناك زحفا جماهيرياً متصاعداً، وبالتالي باستطاعتنا أطلاق لقب "الرئيس المخلوع" على الرئيس صالح من الآن واستباقياً، لأن وجوده أصبح مجرد وقت ليس إلا، ولهذا قلنا في بداية المقال هناك سر كبير وإشارة ذكية من المتظاهرين الى الرئيس صالح عندما توقفوا قرب قصر الرئيس، ولكنه بدلاً من استلامها وترجمتها راح يصعّد فداس عليها ظنا منه بأنه المنتصر، ولكن خاب من ظن بأنه سينتصر على شعب قرر الثورة!
*كاتب ومحلل في شؤون الأمن القومي- ميدل ايست أونلاين
Sa.obeid@gmail.com

في السبت 09 إبريل-نيسان 2011 10:36:47 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=64133