لماذا قبلت المعارضة اليمنية بالمبادرة الخليجية؟!
مصطفى راجح
مصطفى راجح

لماذا وافق اللقاء المشترك على مبادرة مجلس التعاون الخليجي، وما هي الحيثيات التي استند عليها في هذه الخطوة المهمة والخطيرة والتي أثارت الكثير من النقاشات في أوساط الشعب اليمني؟!.
سأحاول هنا قراءة هذه المعطيات والحيثيات بحسب ما أعتقده مهماً وأولوية، تحتاج إلى طرف مسؤول يتحمل عبئها دونما تردد أو انتظار.. هذه الأولوية هي ضرورة وجود مسار تفاوضي موازٍ للثورة السلمية الشعبية، يعزز وجودها وقوتها واستمراريتها في الوصول إلى تحقيق هدفها بإسقاط النظام دون أن يكون بديلاً عنها أو متصادماً معها أو يحملها عبئ التفاوض الذي ترفضه، وينبغي عليها أن تستمر في رفضه والإصرار على طلبها الوحيد بإسقاط النظام دون أن تتخذ مواقف جدية ممن يتفاوض مع النظام، فإن جاء بالهدف فأهلاً وسهلاً به، وإن فشل أو ساوم أو تخاذل فهو غير ملزم للثورة ولا شرعية له في تقويضها.
وعودة إلى حيثيات المشترك، فإن الباحث عن هذه الأسباب يجد إجابته في المحددات التالية: أولاً تجريد الرئيس من مبرر ظل يطرحه على الدوام، متسائلاً: كيف أرحل تعالوا تفاوضوا؟؟..
إذن الآن أمام الرئيس مبادرة هو من طلبها وضمانات بخروج آمن، وتصور لكيفية انتقال السلطة، شارك في صياغتها والأخذ والرد على مشروعها، وشهود إقليمية ودوليين، فماذا تبقى؟؟.
 إن فتح اللقاء المشترك لمسار تفاوضي يعد عملاً مسؤولاً، وهو لا ينتقص بأي حال من الثورة السلمية وساحات الاعتصام، وليس ناطقاً باسمها أو مفاوضاً سياسياً على حسابها، بل تعزيزاً لهذه الثورة الشعبية السلمية، فالمسار التفاوضي لا يقدم نفسه كبديل للثورة وإنما يملأ فراغاً سياسياً في المسار الموازي، بقي النظام يلح عليه ويعتبر عدم وجوده هو السبب الوحيد الذي يمنعه من المغادرة والرحيل، وبالتالي فإن فشلت المبادرة، يكون النظام قد خسر آخر ما يناور به، وهو إدعاؤه أن ما يمنعه من الرحيل هو رفض التفاوض على ترتيبات الاستقالة، وترتيبات المرحلة الانتقالية.
الدلالة الأساسية للمبادرة الخليجية هي توقيع الرئيس/ علي صالح على وثيقة تنص على استقالته بعد "30" يوماً من توقيعها وهو إقرار واعتراف بنجاح الثورة السلمية، وأنه فعلياً لم يعد رئيساً بموجب الشرعية الدستورية التي سقطت مع خروج الشعب إلى الساحات للتعبير عن نفسه، وسقطت مع إطلاق الرصاص والقنابل على اليمنيين وقتل المئات من المتظاهرين السلميين، وإن بقاء الرئيس من اليوم التالي للتوقيع يأخذ مبرره فقط من الشرعية الثورية، ولمدة محددة بثلاثين يوماً، يقدم في نهايتها استقالته، ومن الصعب الاحتيال على هذه المبادرة، فأي التفاف سيكون مشهوداً وفاضحاً أمام الشعب اليمني والعالم، ولن يفلح في احتواء ثورة الشعب اليمني بقدر ما يفتح المجال لإزالة آخر حاجز أمام ثورة هدفها الوحيد متمثل بسقوط النظام.
إن الثورة الشعبية السلمية، وأدواتها التعبيرية المتمثلة بالاعتصام والتظاهر والاضطرابات والعصيان المدني هي الأساس في إسقاط النظام، واستمراريتها هو الضمانة الأكبر لنجاح الثورة.. وإذا ما قارنا الثورة اليمنية بالثورتين التونسية والمصرية، نلاحظ أن ما حدث هناك أن الانتفاضة الشعبية أنجزت 99% من عوامل نجاح الثورة، ثم جاء الجيش ليقوم بالخطوة المكملة، بإقناع الرئيس، أو إجباره بالتنحي وتسليم السلطة، من أجل مصلحة البلد، لأن عناده سوف يؤدي إلى انهيار الدولة والمجتمع وانفلات زمام الأمور والفوضى، وهذه الخطوة وإن لم تكن هي السبب الرئيسي في رحيل رأس النظام، إلا أنها كانت مهمة وضرورية ومطلوبة من أجل تجنيب البلد الدخول في سيناريوهات مجهولة يفتح أبوابها عناد الرئيس وتشبثه بالسلطة.
 في اليمن وبسبب تركيبة الجيش المنقسمة ما بين جيش رسمي أعلن انضمامه للثورة السلمية وجيش موالٍ"الحرس الجمهوري" لم يتمكن من اتخاذ قراره بعيداً عن شخص الرئيس الذي يوظف سيطرته على هذا الجيش لإدامة بقاءه في السلطة، لهذا السبب تأخر إنجاز الثورة اليمنية لهدفها، غير أنها في نهاية المطاف تحتاج لبعض الوقت وستصل لتحقيق هدفها، وحتى يتحقق هذا الهدف بأقل كلفة بشرية، جاءت المبادرة الخليجية ورحبت بها المعارضة، لتجنب إراقة الدماء التي برزت كخيار وحيد للنظام، وهذه المبادرة لدول الجوار تقوم هنا بالخطوة المكملة، لإقناع الرئيس بنقل السلطة وفق مسار تفاوضي، وخروج آمن، ومهما قيل عن التفاصيل فإن النقطة الجوهرية والأساسية تبقى متمثلة بتنحي الرئيس ورحيله عن السلطة، وهي النقطة الوحيدة التي جاءت المبادرة لإنجازها.
 


في السبت 30 إبريل-نيسان 2011 02:16:31 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=64353