أبيض سيدي اللواء
علي عبدالملك الشيباني
علي عبدالملك الشيباني

"هو ناصري يا فندم"، كان ذلك كافياً بالنسبة للعميد/ أبوحورية للاستغناء عن خدماتي الفنية بعد عام من العمل في جمعية "ذي جرة" التعاونية الزراعية لمديريات سنحان وبني بهلول وبلاد الروس، منتدباً من وزارة الزراعة والري.
ولأن هؤلاء اعتقدوا طويلاً، أن العمل معهم تشريفاً قبل كل شيء، كان مفاجئاً للعميد قبولي القرار على ذلك النحو من الترحيب، معززاً شموخي بالتنازل عن راتب شهرين متأخرة لديهم.
هناك تعرفت على اللواء/ علي محسن، التقيته في عدة مناسبات، في غيمان وشيعان وبيت الأحمر، شاهدته يرقص البرع محاطاً بابتسامات ومجاملات الحضور، بينما كنت أنظر إليه جزءاً من نظام فاسد، وسبب إفشال انقلابنا الناصري عام 78م، والذي لو كتب له النجاح، لما كانت "33" عاماً هدراً من حياتنا، ومثلها لاقتلاع جذور النظام ورواسبه وثقافته المشوهة التي عمل على ترسيخها وتغذى في بقائه عليها طوال هذه السنين.
اليوم، يتطهر اللواء من ماضيه الرسمي، مسجلاً موقفاً وطنياً سيكتب بكل حروف الدنيا، معمداً بتقديرنا وكل محبتنا.
من حسنات موقفه على المستوى الشخصي، أن جعلني لأول مرة أحس بمودة لا توصف تجاه الميري، بعد أن كنت لا أنظر للعسكري أكثر من رجل عصابة بلباس رسمي، يشعرنا حضوره بالخوف والقلق، بدلاً من الطمأنينة المفترض أن تكون من أولويات مهامه.
ونتيجة لذلك، أجدني هاتفاً في كل جمعة أمر فيها أمام معسكر الفرقة "حيو الفرقة حيوهم.. وعلي محسن قائدهم".
على المستوى العام أستطيع القول، إن الرجل بانضمامه للثورة الشعبية مثل إضافة مهمة، وعامل توازن قوى، وأحد ضمانات نجاحها المرتقب، بما يصنعه من حضوره عسكرياً وقبلياً وعلاقات واسعة.
عسكرياً، هو أكثر من قائد للفرقة، إذ يمتد تأثيره إلى كل التشكيلات العسكرية بما فيها الحرس الجمهوري، وسيفاجأ الرئيس بذلك إذا ما فكر باللجوء للخيار العسكري، فضلاً عن ما ترتب على اصطفافه للثورة من انضمام المنطقة العسكرية الشرقية، وقواعد أخرى كثيرة، وهو ما يعني في النهاية إسقاطاً للورقة العسكرية.
قبلياً، يرتبط بعلاقات واسعة وقوية مع مشائخ القبائل، لمست هذا بوضوح من خلال زيارات عمل فنية لمناطق قبلية عديدة، يجمع أبنائها على صدق ووفاء علي محسن، ولا ينسون وهم يحدثونك عن محاسنه، مقارنة بسلوك الرئيس وحكمه القائم على المكر والخداع والإيقاع بين القبائل.
بهذه العلاقات، استطاع اللواء/ علي محسن تقييد حركة الحرس الجمهوري خارج العاصمة، فقد منعت قبائل نهم اللواء "101" من التوجه إلى حضرموت، وقبلها حاصرت قبيلة أرحب لواءً من الحرس الجمهوري ومنعت تحركه إلى الأمانة، وكذا فعلت خولان ومأرب والجوف وشبوة والحيمة، ويخطئ من يعتقد أن اللواء بعيداً عن كل هذا.
هكذا أسقط الورقة الثنائية من حيث أهميته بالنسبة للرئيس، وأعني بها الورقة القبلية، ليس هذا فحسب، بل رأينا كيف تجاوبت القبيلة مع الثورة وشبابها، وتوافد أبناؤها إلى ميادين الحرية وساحات التغيير، ومع إخوانهم يواجهون بصدورهم العارية قناصات صالح وبلاطجته، بعد أن كان يلوح بالحرب الأهلية، ويصورهم على ذلك النحو من الهجمية ويسوقهم على أنهم رجال نهب وقتل وفيد لا أكثر.
صحيح أن الثورة كانت ستنجح في كل الأحوال، لكننا بالمقابل لا نستطيع أن ننكر إيجابيات موقف الرجل، من حيث كونه عامل توازن مرعب، وبه قلت كلفة نجاح الثورة ولنا أن نتخيل حال الرئيس فيما لو كان مازال ممسكاً بهذه الورقتين اللتين اعتمد عليها طوال سنوات حكمة، وفي كل صراعاته العسكرية وحتى السياسية.
طبيعة موقف السلطة إزاء انضمام اللواء/ علي محسن كان متوقعاً، من خلال بث الاشاعات بهدف التشكيك في موقفه، تارة بالقول إنه متفقاً عليه مع الرئيس، وتارة أخرى أنه يريد سرقة الثورة.
في مقيل الأسبوع الماضي، ضم شاباً أراه لأول مرة، إدعى الانتماء للجنة التنظيمية للثورة، غير أن جميع من في المقيل أدركوا انتمائه للأجهزة الأمنية، بعد أن حاول جاهداً الإساءة لعلي محسن وحميد والمشترك وبطريقة مبتذلة، هذا نموذج للآلاف من أمثاله يتواجدون في الساحات والأماكن العامة للقيام بنفس المهام.
غير أن ما يحزننا تعاطي بعض الشباب مع مثل هذه الإشاعات، أو بدافع العداء لماض كان علي محسن أحد أركانه، وأظنه –معنا- يتفهم هذه المسألة.
في كل الأحوال، علينا أن نؤسس ليمن ونظام جديد، وتعزز قيماً وأخلاقيات هي الآن تتخلق في ساحات الحرية وميادين التغيير، وأن الانتماء للثورة والسير نحو المستقبل دون التخلي عن الماضي وأوساخه، لن يساعد على بلوغ أهدافنا الوطنية والإنسانية.
شخصياً، أثق بصدق وموقف الرجل، وأراهن على أنه كما كان عاملاً من عوامل نجاح الثورة، سيمثل كذلك واحداً من أسس استقرارها وضمانات بلوغ غاياتها، وإنه يتملك من القيم الدينية والأخلاقية ما ينأ به عن الدنيا ومظاهرها الزائفة والزائلة، ويقربه مما هو خير له وأبقى.
لا شك أنه سيقف ملياً أمام معنى رفع صور الشهيد/ إبراهيم الحمدي على الرغم من مرور "34" على استشهاده، في الوقت الذي تنزع فيه صور رئيس ظل "33" عاماً على كرسي الحكم، سيستوقفه معنى الخلود في الذاكرة الشعبية ووجدانها، وما هية الطرق الموصلة إليها.
وعلى أساس أظننا –مستقبلاً- سنشارك اللواء طبق الفول في مطاعم الحديدة وأبين، ويتناول الشاي معنا في مقاهي عدن وتعز وصنعاء.
لا أدري لماذا أتخيله كأي ثائر، يعيش ما تبقى من عمره في منزل ريفي بالقرب من ريمة حميد، يقضي أوقاته في القراءة والكتابة ومداعبة أحفاده، وفي استقبال الزوار القادمين من كل محافظات الجمهورية لتحيته والاطمئنان على صحته، مع حرصهم على أخذ توقيعه والتقاط صورة تذكارية إلى جانبه، ثم يهتمون لأمر تكبيرها وبروزتها وتعليقها في صدور مجالسهم، وبالتأكيد ستثير انتباه أبنائنا وأحفادنا، حينا سيسمعون الإجابة الموحدة: إنه الوالد/ علي محسن صالح الأبيض.
في الأحد 22 مايو 2011 02:11:44 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=64564