قراءة أولية لمرحلة انتقالية بدأت الآن
مصطفى راجح
مصطفى راجح

كان المزاج العام السائد في اليمن أمس أن النظام انتهى، حتى وإن لم يأخذ هذا الوضع شكله النهائي، ولم يقدم وفق إجراءات معلنة تقول لليمنيين أن وضعاً جديداً قد بدأ، وأن عملية انتقال السلطة وملء الفراغ الدستوري، قد دخلت حيز التنفيذ، في كل الأحوال لابد من هذه العملية الإجرائية، لأن سفر الرئيس للعلاج في ظل المعطيات القائمة والثورة المتواصلة منذ أربعة أشهر ، وبعد انهيار كل مرتكزات النظام وشلل الحكومة والبرلمان وبقية التكوينات بفعل الثورة، كل ذلك يجعل من سفر الرئيس خروجاً من السلطة وأن لم يأتِ بطريقة مرتبة ومعلنة.
لا يمكننا هنا سوى الحديث عن نتائج خروج رأس النظام من اليمن، أما حادث قصف الرئاسة فهو خارج عن إمكانية التناول لأن مثل هكذا حدث يكتنفه الغموض، يتشابه مع أحداث كثيرة في التاريخ تحتاج إلى مضي وقت طويل قبل أن تتكشف تفاصيلها وفي كل الحالين غموضه أو عدم غموضه، فإن تناوله كحدث لمحاولة قراءة حقيقته وتفاصيله، لا يضيف شيئاً، في سياق استشراف ما بعد الحدث والمدلولات الواقعية لنتائجه.
أهم من ذلك أن هذا الحدث أياً كانت تفاصيله، يبقى منفصلاً عن الثورة الشعبية السلمية التي شكلت الواقع اليمني طوال أربعة أشهر والقوة الدافعة للتغيير التي أدى تناميها إلى تفكك النظام تدريجياً طوال أربعة أشهر صمد خلالها اليمنيون في ساحات الاعتصام واحتملوا متاعب وضغوط هائلة، وصلت في ذروتها إلى القنص والقتل والترويع بكافة أشكاله.
الآن يبدو اليمن على مشارف مرحلة انتقالية، خطيرة، وكل عملية انتقال أصلاً تبقى محفوفة بالمخاطر لأنها تنقل المجتمع بأفراده ومؤسساته من وضع قائم ملامحه واضحة إلى وضع جديد يحتاج إلى جهد كبير، وإلى تماسك في محددات الحياة اليومية من أجل أنجازه كواقع يلبي طموحات المجتمع ككل.
أولاً تحتاج اليمن إلى ملء الفراغ الدستوري في أعلى هرم السلطة من أجل أن تدار البلد من قبل جهة معلومة، قد يكون نائب الرئيس هو المخول بهذه الإدارة الآن أو مجلس رئاسي انتقالي يرأسه عبدربه منصور هادي نفسه في حال توافق الشباب والمكونات الحزبية والقوى السياسية في المجتمع على هذه الصيغة.
وحتى لا يبقى الوضع مفتوحاً على المجهول، فالأفضل قيام نائب الرئيس بمهام الرئاسة، سواءً أكمل المرحلة الانتقالية كلها والتي ستتحدد بالتوافق أو أدى الحوار إلى تشكيل مجلس رئاسي انتقالي.
الخطوة الثانية التي لا تحتمل التأخير هي تشكيل حكومة كفاءات تدير حياة الناس اليومية وهذا هو الأهم في ظل مرحلة الانتقال يمكن لا تحتمل أي تراخٍ، لأن مثل هكذا تباطؤ سيكون له عواقب وخيمة تتعلق بأمن المجتمع واحتمال سقوطه في الفوضى، وحاجات الناس اليومية التي اكتنفها أصلا الإخلال في الأربعة أشهر الماضية لأنها في أغلب الظن استخدمت ضمن أوراق النظام للضغط على المدن في خدمات الكهرباء والغاز، والبترول والماء، حتى أن الحصول عليها أصبح رحلة شاقة يومياً لكل أسرة في مرحلة انتقالية بين وضع آفل ووضع قادم يؤدي الاختلال في هذه الخدمات إلى وضع أخطر لأنه هنا ناتج عن عجز وفقدان الالتزام بسبب تأخير تشكيل الحكومة أو بسبب ضعفها وعدم قدرتها على ملء الفراغ بسرعة قياسية.
ولهذه الأسباب يقال إن الحاجة إلى حكومة كفاءات قوية يكون ملحاً واستثنائياً في مثل هكذا انتقال للسلطة.
ويؤدي تشكيل حكومة كفاءات إلى وضع حد للخطاب الإعلامي الذي أنتجته حاجة النظام للتحريض ومواجهة الشعب والنظام الذي يفتقد للشرعية الشعبية، يستعين بأسوأ العناصر ويسلمها منابر الإعلام العامة، وهذا ما حدث بالفعل، ولذا يغدو من الضرورة تغيير هذا الوضع وربما لا يحتاج الأمر إلى وقت طويل، فنائب الرئيس بإمكانه أن يتخذ سلسلة من الخطوات التي تهيئ البلد للدخول في المرحلة القادمة، وقد قرأت أثناء كتابتي لهذا المقال أن نائب الرئيس يوجه بإنهاء كافة الاستحداثات الأمنية والعسكرية في الحصبة وحدة، ويرسل موفدين إلى بيت الأحمر لتأكيد وقف إطلاق النار والانسحاب من المنشآت العامة، وهذا إجراء في محله ومؤشر يترك إنطباعاً أولياً بالثقة في قدرة الأخ/ عبدربه منصور هادي القائم بأعمال الرئيس على ممارسة مهامه والمبادرة السريعة لتحمل مسؤوليته.
وبعيداً عن مبادرة الخليج الآفلة والمسلوقة تحتاج اليمن إلى فترة انتقالية لا تقل عن عام من اجل تنفيذ جدول أعمال وطني يستوعب مطالب الثورة الشعبية ويستجيب للأوليات المطروحة الآن، ومنها الحوار الوطني حول كل القضايا، وأولها الخطوات لإقامة الدولة، أقول الدولة فقط دون المدنية لأن الدولة أصلاً بطبيعتها مدنية وإذا وجدت دولة فيعني ذلك وجود القانون والوقوف على مسافة واحدة من جميع المواطنين.
والوثيقة التي تحدد شكل النظام السياسي "الدستور" تعتبر من مهام المرحلة الانتقالية ويمكن أن تقرها جمعية وطنية تأسيسية يتمثل فيها شباب الساحات والأحزاب والتنظيمات السياسية، والمتخصصون من فقهاء قانون وأساتذة جامعات ومحامون ودبلوماسيون ورجال دولة، وتكوينات محلية وفعاليات مجتمعية ومنظمات مجتمع مدني ومثقفون وكتاب.
في مرحلة الانتقال هذه سيتم استيعاب جدول أعمال وطني تبينت ملامحه خلال الفترة الماضية وسوف تستكمل هذه الملامح بالحوار.
من هذه المحددات، الفصل بين السلطات، وتقييد صلاحيات الرئيس القادم، وحكم لامركزي وإعادة بناء الجيش اليمني على أسس وطنية حديثة، وإلغاء الأجهزة التي بنيت وفق منهجية القمع، واستبدالها بجهاز مخابرات تقتصر مهامه على حفظ أمن اليمن من المخاطر الخارجية، ومكافحة الإرهاب وتهريب الآثار والمخدرات على المستوى الداخلي.
والمجلس العسكري، سواءً تشكل الآن أو بعد تشكيل الحكومة يعتبر خطوة مهمة لأن مهمته لا تتعلق بتنفيذ مطالب الثورة حتى يتخوف منه الثوار، وإنما مهمته إعادة بناء الجيش اليمني وفق معايير جديدة، أهمها الانتقال من الوظيفة التدخلية في الحياة السياسية إلى وظيفة الحارس للشرعية والحياة السياسية.
أمام اليمن جدول أعمال يحتاج إلى إجماع وطني، إجماع هيأت له الثورة وحققته في الساحات ونحن الآن بحاجة لتحقيقه حول جدول أعمال يلبي طموحات الجميع ويحظى بمساندتهم ورضاهم.

في الإثنين 06 يونيو-حزيران 2011 06:41:57 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=64701