الفريق الرصين بين أجندتين.. مراكز القوى ومتطلبات التغيير
مصطفى راجح
مصطفى راجح

بدأ الفريق/ عبدربه منصور هادي بممارسة مهامه، عاد الهدوء نسبياً وإلى حد كبير لشوارع أمانة العاصمة، غير أن التوجس يبقى له مكان، وتحديداً سؤال يتردد ويتكرر على ألسنة كثيرين: ما مدى قدرة مراكز القوى الأسرية اللذين يمسكون بقيادة وحدات عسكرية وأجهزة أمنية عن إعاقة الانتقال السلمي للسلطة، وفتح أبواب العنف والاحتراب في اليمن؟.
ظهر أمس القائم بأعمال الرئاسة في عدة اجتماعات رأسها وهو ما يعطي نوعاً من الثقة بأن تتماسك المؤسسات القائمة المعنية بتلبية حاجات الناس اليومية، غير أن البيان الصادر عن الاجتماع كان منسجماً مع الوحدة التي حرصت على الحضور، الوجوه التي ارتبطت أسماؤها بأعمال قتل المعتصمين والمتظاهرين ورعت التجمعات المسلحة في أمانة العاصمة.. وكان الأحرى أن تحترم وسائل الإعلام الوضع الجديد وتبث كلمة الفريق/ عبدربه منصور هادي، بدلاً من مواصلة التحريض والخطاب المتشنج.
نعود إلى مراكز القوى العسكرية والأمنية، من الناحية الشرعية والقانونية لا يوجد أي عوائق، ذلك أن وضعية هؤلاء غير دستورية، وتواجدهم كقيادة لبعض الوحدات العسكرية والأجهزة الأمنية لا يعدو أن يكون مهمة وظيفية، يمكن إقالتهم منها بقرار إداري من القائم بأعمال الرئيس أو الحكومة الجديدة المنتظرة.
وحتى الدور الوظيفي هنا لا يتوفر على مبررات ولا يستند إلى استحقاق مبني على الكفاءة والتدرج أتى بهؤلاء وإنما أخذوا مواقعهم بحكم ارتباطهم القرابي.
ومن الطبيعي في ظل عملية التغيير أن يبتعد هؤلاء من السلطة، فقد قامت كل هذه الثورة من أجل أن تسقط النظام بطرائقه في الحكم ورموزه وتركيبته الحاكمة وهؤلاء أهم مرتكزاته ويقفون على مراكز القوة والتحكم الأساسية في النظام والبلد عموماً، على جميع المستويات عسكرياً وأمنياً واقتصادياً.
ويمكن أن يحدث هذا التحول إما اختيارياً بأن تقتنع مراكز القوة والنفوذ هذه بالابتعاد وترك عملية الانتقال تمضي من دون إرباكات ومقاومة، أو أن تدخل البلد في جولة جديدة من التوتر والصراع، لأن الثورة السلمية سوف تستمر في تصعيد فعالياتها لتحقيق أهدافها، وبدورها ستقوم مراكز القوة هذه بمواصلة تنفيذ خطة التصدي للثورة السلمية من جهة، وخوض صراع ينحو باتجاه العنف مع القوى المساندة للثورة "وحدات الجيش التي أعلنت انضمامها، والقبائل المصطفة مع الثورة السلمية".
الفرق هنا أن أي مغامرة لإدخال البلد في أعمال عنف واحتراب لن تحظى بأي تغطية كان يتحجج بها النظام باسم الشرعية الدستورية وستبدو مثل هكذا محاولة كتمرد على الإجماع الوطني الذي أنجزته الثورة السلمية الذي يؤيد انتقالاً سلمياً للسلطة، أضف إلى ذلك اصطدام هذه القوى بالخارج الإقليمي والدولي الذي يسعى لتأمين عملية الانتقال، وتجنيب انزلاق اليمن نحو الفوضى والاحتراب، والصراع الداخلي، خصوصاً إذا استمر انقسام الجيش اليمني بين مؤيد للثورة السلمية، ومعارض لها.
في ظل كل هذه المعطيات تبرز أهمية دور القائم بأعمال الرئاسة في الدفع بالبلد نحو الانتقال السلمي للسلطة.. صحيح أنه لا يسيطر على مراكز القوة العسكرية والأمنية الواقعة في أيدي أسرة الرئيس، غير أنه يتوفر على عوامل قوة عديدة تؤهله للخروج بالبلد من هذه الإشكالية من دون اللجوء لأي مواجهات عنيفة أو صدامات.
ابتداءً يعتبر الرجل صاحب الشرعية على أكثر من مستوى، فهو وفق منطق النظام وشرعيته الدستورية بغض النظر عن صحة المنطق المستند لها، يعتبر ممثل هذه الشرعية، الأهم من ذلك أنه يبرز كنقطة التقاء تتقاطع عندها الشرعية الآفلة للنظام التي أسقطتها الثورة، والشرعية الثورية الجديدة التي أصبحت أمراً واقعاً، وقد أعلنت قوى الثورة موقفاً واضحاً يساند انتقال السلطة عبر شخص نائب الرئيس، وهذا يمكن أي متابع من تضليل منطق التقاطع هذه بين مجموعة راحلة ومجموعة قادمة باعتبارها مرتكز هذا التحول.
تعزيزاً لهذا التوافق بين الثورة السلمية ودور نائب الرئيس يأتي الموقف الإقليمي والدولي المساند لدور الفريق هادي، فالخارج يتطلع لانتقال سلمي عبر ما يسميه بالمؤسسات، التي أسقطتها الثورة السلمية، ولا أفضل من نائب الرئيس للقيام بهذه المسؤولية، لأنه أولاً في موقع الرجل الثاني "نظرياً" في النظام، والوحيد تقريباً المؤهل لقيادة هذا الانتقال لكونه مقبولاً من الثورة السلمية ويعود ذلك إلى رصانته واتزانه، والنأي بنفسه عن التورط في عمليات قتل المعتصمين، واستخدام العنف ضد الثوار السلميين.
صحيح أنه لم يتخذ مواقف مساندة للثورة، غير أنه بقي بمنأى عن التحريض ضد الشعب، وفي وقت هرول فيه كثيرون للتصدي للشعب بجميع الوسائل بما فيها تجميع المسلحين والبلاطجة للقيام بأعمال القنص وإطلاق الرصاص على شباب الثورة.
ويحتاج الفريق عبدربه هنا إلى إدراك شيء مهم، يتعلق بالشرعية التي أسندت إليه هذه المسؤولية، وهي قطعاً شرعية الثورة السلمية الشعبية.
غياب هذه الحقيقة عن ذهن الرجل لن يؤدي سوى إلى بقاء الوضع بين البين، لا نظاماً أستمر واستعاد سلطته، ولا أفقاً انفتح لتحقيق أهداف الثورة السلمية وبينهما سيكون حال المجتمع اليمني والبلد مفتوحاً على كل الاحتمالات لأن الثوار اللذين خرجوا من بيوتهم ورابطوا وصبروا أربعة أشهر لن يقبلوا بالعودة دون تحقيق هدف الثورة بإسقاط النظام وبناء الدولة المدنية، وهم لم يقدموا كل هذه التضحيات ليتبوأ عبده الجندي مقعداً في نشرة التاسعة الرئيسية يلوُكْ الكلام وأعصاب الناس معاً بين فكيه اللزجين، والعيون المستقرة المبيتة لرجل أضاع ضميره منذ زمن بعيد، لم يعد قادراً على تذكره.
الأهم أن اليمن لم تعد قادرة على احتمال تأخير جديد لعملية الانتقال السلمي للسلطة، فاستمرار تعطل الحياة والبلد عموماً بفعل عناد النظام، مضافاً إليه احتمالات الانفلات الأمني والعسكري سيؤدي إلى انهيار لا يراضاه أحد ولن تقبل به الأطراف الخارجية.
مثل هكذا تردد ومحاولة لإمساك العصى من النصف، سيزيد موقف القائم بأعمال الرئيس صعوبة وحرجاً فوق ما هو عليه أصلاً من مسؤولية خطرة واستثنائية.
لدى الرجل فرصة كبيرة لقيادة عملية تحول يتطلع إليها كل الشعب اليمني ويسنده في مهمته هذه شرعيته وفق منطق المؤسسات القائمة، ومساندة الثورة السلمية والقوى المجتمعية والإقليمية والدولية.. فهل تثبت لنا الأيام قدرة الرجل في الخروج من أسر الدور الهامشي الذي حُدد فيه لسنوات، إلى امتلاك روح المبادرة والقدرة على اتخاذ القرارات.
في الأربعاء 08 يونيو-حزيران 2011 05:23:56 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=64725