اليمن بدون فوضى صالح
مجلة فورين بوليسي الأمريكية
مجلة فورين بوليسي الأمريكية
بقلم: شارلز شميتز

ما إذا كان الهجوم بصواريخ أو بقذائف مدفعية أو قنبلة مزروعة، فإن انفجار 3 يونيو في مسجد النهدين قد أصاب علي عبدالله صالح بجروح خطيرة جدا كما تشير التقارير الأولية.

وفقا لتقارير إخبارية فإن الرئيس اليمني، الذي هو الآن في فترة علاج بالسعودية، "يعاني من حروق بنسبة 40 بالمائة ونزيف داخل جمجمته". ونقلت نيويورك تايمز عن مسئول غربي قوله إن وجه صالح "كان متفحما تماما".

كما أن الحادث فجر المشهد السياسي اليمني مرة أخرى. الأمريكيون والسعوديون يحاولون بسرعة إعادة تشكيل قطع اللعبة لصالحهم قبل أن يقف صالح مجددا على قديمه.

من بن أكبر العقبات هم الأبناء المدللون لصالح وللراحل الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر. صالح والأحمر كانا أقوى رجلين في اليمن على مدى ال30 عاما الماضية. اليمن تتجه لإجراء انتخابات في مرحلة ما، لكن السؤال الرئيسي هو: من الذي سيشرف عليها؟

على الرغم من انه وعد بالتنحي في عام 2013، فإن صالح خطط للبقاء رئيسا للحزب الحاكم في أي انتخابات في المستقبل. في فبراير قال صالح إنه وابنه أحمد لن يترشحا للرئاسة، لكن ما تبقى له من رئاسة الحزب الحاكم سيضمن له دورا بارزا في السياسة اليمنية وضمان بقاء أبنائه وأبناء أخوته في المناصب العليا في الجيش و قوات الأمن.

أحزاب اللقاء المشترك المعارضة تريد من صالح وأسرته الكبيرة الخروج من البلاد كما تريد السيطرة الكاملة على الحكومة الانتقالية التي سيكون من مسئوليتها إجراء الانتخابات.

التجمع اليمني للإصلاح الذي يسيطر على أحزاب اللقاء المشترك، وهو حزب واسع يشمل قمة هرم قبيلة حاشد التي يمثلها أبناء الأحمر ومختلف الفئات الدينية من بينها جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين وكذلك التجار الذين هم ضد الاشتراكيين، على الرغم من الحزب الاشتراكي اليمني هو الطرف الثاني الأكثر أهمية بعد الإصلاح في أحزاب اللقاء المشترك.

قبل الاضطرابات الحالية، تم تنصيب أبناء الأحمر العشرة في مختلف قيادات حكومة صالح والمعارضة الرسمية. الابن الأكبر، صادق، هو الشيخ الجديد لحاشد، والتي لسنوات شكلت العمود الفقري للدعم القبلي للرئيس صالح. وكان حسين الأحمر رئيس فرع للحزب الحاكم وكذلك أبن آخر من أولاد الأحمر كان حارسا شخصيا للرئيس صالح. حمير الأحمر هو نائب رئيس البرلمان. ويُعتقد أن حميد الأحمر هو واحد من أغنى الرجال والأكثر طموحا في اليمن، ومنذ فترة طويلة وعينه على الرئاسة. من بين أبناء الأحمر، دعا حميد إلى الإطاحة بالرئيس صالح منذ سنوات عديدة.

عندما بدأت الاحتجاجات في الشوارع، لاسيما بعد قتل المحتجين في جامعة صنعاء في 18 مارس، انسحب جميع أبناء الأحمر من حكومة صالح وانضموا إلى المعارضة.

وكذلك فعل علي محسن الأحمر، القائد العسكري الأقوى في البلاد وكان لعقود من الزمن القائد العسكري الرئيسي لصالح. بعبارة أخرى، الشخصيات الرئيسية في المعارضة السياسية الرسمية هي حقا أركان النظام السابق.

وهذا هو السبب لإدعاء صالح بأن ما يحدث في اليمن هو انقلاب ضده وضد أسرته وليست انتفاضة شعبية ضد زعيم مستبد.

في نهاية مايو، دفع صالح بأبناء الأحمر إلى مواجهة عسكرية في منطقة الحصبة بصنعاء، وكان هدفه واضحا وهو إثبات أن مشاكل اليمن كانت صراع بين النخبة في عائلتين قويتين.

في اعتقاده أن الحل كان التوصل إلى اتفاق بين الفصيلين أو تحقيق انتصار كامل على صانعي الانقلاب، وليس انتصارا للشارع كما حدث في تونس أو مصر.

ونظرا لأحداث نهاية هذا الأسبوع، فربما أن صانعي الانقلاب قد وصلوا أولا إلى صالح، على الرغم من أننا إلى الآن لم نعرف من الذي نفذ الهجوم في الواقع.

المتظاهرون الذين هزوا الشارع السياسي في اليمن منذ فبراير لا ينبغي خلطهم مع المعارضة الرسمية. هم ليسوا منظمين تنظيما جيدا ومطالبهم هي دعوات غامضة من أجل المساواة وتخليص البلاد من الفساد وتحقيق النمو الاقتصادي. لكن المطلب الواضح هو واحد: يريدون تنحي صالح والكثير يودون رؤية نظامه في المحكمة بتهمة ارتكاب جرائم ضد الشعب. لا يريدون أن يحل أبناء الأحمر محل نظام صالح، حيث يعتبرونهم أعضاء فاسدين من النظام نفسه. كما يدعو الشارع لتشكيل حكومة انتقالية من جميع القوى اليمنية لتعيد صياغة الدستور وإجراء انتخابات في غضون تسعة أشهر.

حركة الشارع كان لها تأثير قوي، لكنها تعمل أشبه بالمراقب للعملية السياسية أكثر من كونها المشكل الرئيسي للعملية نفسها. كما أنه لا يمكن فصل الشارع تماما عن صناع الانقلاب: فعلي محسن يحمي المتظاهرين والتجمع اليمني للإصلاح له تأثير قوي في الشارع وفي الوقت نفسه أبناء الأحمر يمولون المتظاهرين لمواجهة المظاهرات المؤيدة لحكومة صالح.

لكن قدرة الشارع على توجيه الشؤون السياسية أمر مشكوك فيه. فماذا الآن؟ الرهان الأفضل لمستقبل اليمن هو تشكيل حكومة واسعة جدا وشاملة لا يسيطر عليها أي فصيل. وتحتاج اليمن إلى تعلم حكم المؤسسات وليس شخصيات قوية.

الخبر السار هنا هو أن القوى السياسية المهيمنة قد ضعف حالها في هذه المرحلة.

قيادة حاشد ليست بحال ما كانت عليه في السابق. فقوة القبيلة قد ترنحت بسبب صراعها مع المتمردين الحوثيين في الشمال والصراع الأخير مع صالح داخل صنعاء أظهر أن أبناء الأحمر لا يمكن أن يمرحون في المدينة بمقاتلين قبليين.

السعوديون أيضا اقفلوا اللجنة الخاصة بشؤون اليمن، قاطعين الأموال لعملائهم المختلفين في اليمن، وآل الأحمر يمثلون الأكثر أهمية منهم. كثير من رجال القبائل في الشمال تركوا أسلحتهم وجاؤوا إلى صنعاء للانضمام إلى الاحتجاجات في حين أن آخرين تمردوا ضد مشايخهم وانضموا إلى الحوثيين. وكثير من قبائل حاشد لا تزال تدعم صالح.

أفضل رهان لأبناء الأحمر هو أن يدعمهم السعوديون بشكل من الأشكال. لديهم هنا شيء واحد لصالحهم: بخلاف الأمريكيين، فإن السعوديين ليسوا حريصين بشكل خاص على الدستور الجمهوري في اليمن ولا نظام التعددية الحزبية ولا الانتخابات.

من المرجح أن يدعم السعوديون رجل قوي مستقر إذا تمكن أبناء الأحمر من إقناع السعوديين بأن بإمكانهم تحقيق ذلك. وستكون صفقة صعبة نظرا لأنهم لم ينقذوا السعوديين في الحرب على الحوثيين.

مع اقتناع الأمريكيين على ما يبدو الآن بأن الديمقراطية الواسعة في اليمن هي أفضل السبل للمضي قدما، فإن السعوديين على الأقل في انتظار فرصة أخرى لدعم رجل قوي.

وماذا عن أقارب صالح؟ بعد كل شيء، هم لا يزالوا في قيادة الوحدات العسكرية والأمنية النخبة، أحمد صالح أغلق على نفسه القصر الرئاسي ورفض السماح للرئيس المؤقت الدخول إليه.

لكن الرئيس صالح ذهب ومن المحتمل ألا يعود من دون توقيع اتفاق للتنحي. وهذا يعني أن عائلة صالح في وضع أضعف بكثير من ذي قبل.

وماذا عن المعارضة الرسمية؟ بتمكين سلطتها عبر المظاهرات في الشوارع، نجحت في إحضار الحوثيين من الشمال والحركة الانفصالية من الجنوب إلى تحالف واسع لمكافحة نظام صالح. لكن كلاهما قوى مستقلة لا تثق بشكل كبير بالتجمع اليمني للإصلاح الذي يهيمن على أحزاب اللقاء المشترك.

لديهم حق النقض، فالفيتو هو أقوى من المتظاهرين في الشوارع. وبالتالي فإن مناورة الإصلاح هي مطوقة بالحاجة إلى احتواء هذين الركنين السياسيين الرئيسيين.

مع اتحاد الجميع سياسيا وعدم وجود مهيمن، فإن اليمن في النهاية ستكون لها فرصة لإحداث تغيير ساسي حقيقي. المفسدان المحتملان هما حميد الأحمر وأحمد علي صالح الذين قد يلجأ أيضا إلى الفوضى واستئناف القتال من أجل الاستيلاء على السلطة

والمؤمل أن يكون كلا الرجلين راشدان بما فيه الكفاية للتأكد من أنهما لن ينجحا، لكننا سنرى على الأرجح بعض لحظات التوتر القليلة المفجرة للقتال.

إن سحب القوى السياسية المتعددة في اليمن إلى الحوار وتشكيل حكومة انتقالية ستكون عملية صعبة للغاية والتي ستنهار ثم تبدأ من جديد ثم تنهار ثم تبدأ مجددا.

إن عدم الاستقرار هو ضروري وجيد. فالعديد من الأعداء السابقين يحولون الآن العمل على التوصل إلى تسوية سياسية. فدعونا نأمل أن ينجحوا وأن الأولاد المدللين ربما يكبروا.


في الإثنين 13 يونيو-حزيران 2011 04:35:05 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=64760