القبائل اليمنية التغيير خيام بلا سلاح
محمد عبد الله الجماعي
محمد عبد الله الجماعي

لم يكن يدور في خلد الرئيس صالح وأزلامه أن تتدفق القبائل اليمنية من كل مداخل صنعاء للانضمام إلى ساحة التغيير، محدثة شروخاً وتصدعات عميقة في بنية نظامه المهترئ أصلاً. ويستند خليط الحكم في اليمن إلى مجموعة مومياءات تاريخية موغلة في الفساد والإفساد، لا يزال بعضها يحتفظ لنفسه بحق الحل والعقد باسم القبيلة أو المنطقة التي خضعت لسطوته ردحاً من الزمن بفعل آلية الحكم القائم في البلاد على الولاءات المشبوهة والصفقات المشتركة، فضلاً عن منح السلطة جزءاً من شخصيتها لهذا الصنم أو ذاك.
ومع إغفال عامل الزمن والانفتاح وثورة العلوم والتكنلوجيا، التي أطلت على العمق القبلي في اليمن من خلال الأبناء الذين تلقوا قسطاً من تعليمهم في المدن الرئيسية وجامعاتها، ونهلوا من معين السياسة والوعي الوطني من رجالات الفكر وقادة العمل السياسي، المعارض تحديداً، كونه الأسبق في نشر مفاهيم النضال السلمي منذ أكثر من عقد من الزمن، بالإضافة إلى كونه الأقدر على التأثير في هذه الشريحة من المجتمع اليمني الميال للسلم الاجتماعي وتجسيد قيم الحكمة والتسامح، بصرف النظر عن الصورة التي تقدمهم بها أجهزة الإعلام الرسمي، وتسويقهم كمعوق تاريخي لنهضة وتقدم البلاد، وغيرها من الصور السلبية التي تتناقض تماماً وصورتها الحقيقية التي أبرزتها ساحات التغيير وميادين الحرية في الأونة الأخيرة وكذلك تعاطي القبائل ومواقفها من العمل السياسي منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة 2006 ومابعدها، فكون المؤسسة التقليدية، كانت عائقاً أمام أي مشروع حداثي، فتواجدها اليوم في قلب الثورة، يؤكد أن النظام هو من أفرغ القبيلة من حقيقتها، وهو من شوه سمعتها، وأن الثورة الشعبية تعيد للقبيلة تراثها، وهيبتها.
وبحسب الزميلة منى صفوان فإننا اليوم، أصبحنا نثق في القبيلة، والخيمة جنب الخيمة، فقد صارت الآن صمام أمان الثورة، رغم تخوف الكثيرين منها، لأنه لم يستهدفها أي مشروع حداثي من قبل، وحين جاءت الثورة كمشروع حداثي انضمت لها بإرادتها.
مرات عديدة نجحت خلالها القبائل اليمنية في إفشال كل الرهانات الرئاسية التي سعت، ولا تزال، إلى الزج بها في أتون صراعات داخلية وخارجية كفريسة لا مصلحة لها وليس أمامها إلا تنفيذ مطالب الممسكين بزمام الأمور، والذين لايفتأون يقحمونها في أمور كثيرة لا شأن لها بها، كالقاعدة وتجارة الأسلحة والتهريب... إلخ.
مجدداً، هاهي القبيلة بعد مرور نصف قرن من قيام الجمهورية تعود إلى الواجهة كرافعة أساسية لنجاح الثورات اليمنية، التي كانت القبائل وستظل، عاملا إيجابياً ومرجحاً لنجاحها منذ العام 48، 55، 59، 62، وماتلاها من مواقف شوهت فيها أدوار القبيلة التي كانت تخوض معركتها بطرقها التقليدية، للحفاظ على الثورة، تاركة للتاريخ فضح أسرار القوى غير القبلية في معظم الأحوال، والتي مارست القتل والنهب والمؤامرات ضد بعضها البعض، وإلقاء اللائمة على غيرها.
أصبح من نافلة القول، بعد هذا الأداء الرائع والمتميز الذي اضطلعت به القبائل اليمنية، بمختلف مشاربها وتكويناتها، عدم جواز لمز القبيلة بانحيازها هذا بأنه أداء لنفس الدور القديم في تبعيتها لهذا الرمز أوذاك، وهاهي ذي معظم القبائل اليمنية بالتحامها بمطالب الشعب قد وجهت صفعة قوية إلى بعض رموزها الذين لا يستندون الآن إلى شيء سوى خيبتهم في فقدان رعيتهم إن جاز التعبير، وبقائهم كخشب مسندة لا تلوي على شيء لمناصرة مابقي من أسمال النظام البالية.
لقد أعادت أيام القبيلة في ساحة التغيير، كثيراً من القيم الوطنية والحضارية والدينية والمدنية، إلى مقامها الصحيح، حيث أن مخالفة الشيخ لمطالب قاعدته الشعبية وعدم احترامه لخياراتهم، يعني العزل وفقدان الشرعية تماماً، لتصبح في مهب الريح كشرعية النظام المهترئ، بنزول الناس إلى الشارع، ورفعهم شعار إسقاط النظام.
جسد ذلك قولاً وعملاً عددا من مشايخ وكبارات اليمن، وذلك بإعلانهم من منصات ساحة التغيير بصنعاء وعدد من محافظات الجمهورية، بتبعيتهم هم لخيارات قبائلهم ومطالب شبابهم، معتبرين ذلك مفخرة لهم، وهي كذلك بحق، حيث أعادوا إلى قبائلهم هيبتها ودعموا هبة شبابها.
 ويضيف الشيخ صادق الأحمر "الثورة ثورتكم، ونحن جنود معكم من أمامكم وفي مقدمة صفوفكم"، وبمثله قال مشائخ عمران الأحرار، مؤكدين سلميتهم، واستعدادهم لحمايتها، ومثلهم أكد الشيخ أمين العكيمي ومشائخ الجوف ومأرب وصعدة و أرحب وخولان وغيرها وقال الشيخ خالد الغادر إن أربعة أو خمسة أشخاص ممن لا يزالون مع صالح، لا يمثلون إلا أنفسهم ولا يمثلون القبيلة بأكملها.
اللافت في الأمر، وربطاً مع تدفق القبائل غير المسبوق على ساحات التغيير، لم يفقد صالح الأمل من أساليبه المجربة على مدى 33 عاماً، إذ واصل احترافه في استخدام هذه الورقة في عدة مواقف، كمحاولة اغتيال على محسن الأحمر للدس والوقيعة بينه وبين القبائل التي جاءت للوساطة، ثم اعتذر صالح بعدها بكل براءة، والتساؤل هنا لماذا لم يعتذر لأسر ضحايا ذلك اليوم الذي كان سيؤسس لحرب أهلية لايدرك عقباها إلا الله والراسخون في الوقيعة والدس الرخيص؟ وبحسب الزميل جمال جبران في الأخبار اللبنانية فإن هناك نية مبيّتة لكبح جماح هذا التدفق القبلي الذي لم يكن موضوعاً في حسبان السلطات، التي يبدو أن حوض الماء الذي تستمد منه طاقتها قد ثقب من جهات عدة، وتحديداً لجهة الدعم القبلي.
في ساحة التغيير، يدرك المرء كم أن الثورة راشدة وموفقة إلى حد كبير باندلاعها في هذا التوقيت كثورة جيل أدرك فداحة التأخير، ومدى ما يمكن أن يحدث من صوملة وعرقنة وسودنة، فيما لو استمر هذا الرجل على سدة الحكم، لذا فقد بدا التخلي عنه أمراً مهماً وسهلاً في نفس الوقت لدى كافة أبناء الشعب، ومنهم القبائل.
استمر استخفاف صالح ومن معه بالعقل القبلي، ففشلت رحلاته المكوكية وسط قبائل عمران وحجة وغيرها، وألقى الكل سلاحهم، ونبذوا خلافاتهم، وجاءوا إلى ساحة التغيير بصنعاء يلتزم الشيخ منهم بما يلتزم به شباب الأمانة وتعز وإب وشبوة وغيرها، ويؤدي الواجب كمعتصم له مالهم وعليه ماعليهم، يحدثك الجميع عن تفاني مشائخ من كل المحافظات في الخدمات والخروج في المسيرات والخضوع لبرامج الاعتصامات.
يقول أحدهم: والله إنني في بيتي أستطيع مد الموائد بمختلف الألوان، لكني هنا في ساحة التغيير استمتع بكل شيء مثل كل الشباب.
هاهو صالح يتجرع كأساً مرة بوصوله في خارطة طريق استغلال القبائل إلى درجة إشعال حرب قذرة في الحصبة ضد آل الأحمر، ومثلها مع قبائل أرحب ونهم والحيمة وتعز وأبين وغيرها من مناطق اليمن المشتعلة، والتي أثبت فيها القسم الأول من أنصار الثورة وهم القبائل براعة في التصدي لمخططات الحرب الأهلية وبراعة في توحيد الصفوف ضد تحويل مسار الثورة السلمية.
Gom1978@gmail.com
في الأحد 24 يوليو-تموز 2011 02:46:47 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=65124