اتقوا الظلم ولو بشق ثورة
فاروق مريش
فاروق مريش

رأيتها في المنام وقد تمزق ثوبها، وزادت التجاعيد على وجهها، وقد ظهر البياض في شعرها، كانت ترقب الناس من بعيد وهم يتزاحمون بجوار محطة بترول وفي يدها جالون فارغ تمسك به كأنه وليدها، وفي اليد الأخرى مذياع قديم ومسبحة، بينما هي كذلك على هذه الحالة الرحيمة، والحيرة العظيمة، سألت نفسي سؤال: ما شأن هذه المسكينة؟ ولماذا لا أقدم لها المعونة؟ أجابني ضميري لا تتردد يا أميري، فربما كنت أنت الجواب الكافي والدواء الشافي لهذه الكريمة، دنوت منها بخجل ووجل، سلمت عليها، فلم ترد حاولت تكرار سلامي ردت بصوت خافت لم أسمع منه إلا أزيز صوت يخرج من مذياعها، كانت تنصت لأخباره، وتستأنس بأغانيه وأشعاره، عجبت لأمرها كثيراً وصرت في حضرتها أسيراً، ولكنني صممت على معرفة سر هذه المرأة العجيبة، ونظراتها الغريبة، وحالتها السعيدة الكئيبة.
لقد كان شكلها الخارجي يوحي للناظر بالبؤس والشقاء، ولكن عندما تقترب منها تحسب بطيب أصلها وكرم طبعها وذل امتزج بعزة، حار عقلي وانعقد لساني، فصرت في حيرة من أمري، هل أنا أمام بشر أم مخلوق من حجر ومدر؟
سألتها يا أماه هل أستطيع مساعدتك بشيء؟ هل تحتاجين لطعام أو شراب؟ هل تريدين مني أن أقف في الطابور لأجلب لك البترول؟ لا تخجلي يا أماه فأنا بمقام ولدك، إن كان لكِ ولد.
وأخيراً.. التفتت إلي وهي مبتسمة وفي خدها دمعة، قالت لي: يا بني أنا لست من جنس البشر، ولست كذلك حجر أو مدر أنا من جنس الأوطان والبلدان، ويسمونني يمن الإيمان.
لم أتمالك نفسي من الفرحة، فأنا أقف أمام الحكيمة اليمن ولم أشعر إلا وأنا أغني "أمي اليمن"، أقسمت عليها أني سآخذها معي إلى المنزل، فإن أمي قد أعدت لنا اليوم "يا نفس ما تشتهي" بمناسبة قدوم شهر رمضان، أطفأت المذياع.. ثم شخصت ببصرها إليّ وقالت شهر مبارك مقدماً ولكننا نحن الأوطان لا نتغذى بمثل غذاء الأبدان غذاؤكم رز وإدام، وغذائنا عز وسلام.
نحن الأوطان نتقوى من قوتكم ونسود عندما تكونون أسوداً، راحتنا عندما نراكم أحراراً، ترفضون الذل والمهانة، وتأبون التنازل والاستكانة.
قلت لها لك اصدقيني الطلب ولك مني الوفاء.. يا يمن ما تشتهي؟
أجابتني هذه المرة بكل حماس وقد وقفت بجواري باستحياء وقالت: إذا عاهدتني على الوفاء، فاسمع مني هذه الكلمات وخذها محمل الأمانة: يا مواطني العزيز نحن الأوطان العربية لا نشتهي طعاماً أو شراباً نحن نشتهي أن ن ن... ثم تنفست بحسرة وقالت: أن نعود كراماً وشباب، أما عني اليمني شخصياً فاشتهي في رمضان هذا العام أن تحل المشاكل وتهدأ البلاد، وتجف الدموع وتطفأ الشموع، ويعود الديزل والبترول، وتمحى الأحقاد وتزول، وأن يتوقف القتل ونزف الدماء، ويتسامح اليمنيون فكلهم لي أحباب وأبناء، أشتهي في هذا العام أن تجلسوا للفطور جميعاً على مائدة واحدة، وترفعوا دعواتكم إلى ربكم بأن يحفظ وطنكم وأن يحمي وحدتكم وتذكروا دائماً أن أعداءكم يتربصون بكم وبثورتك ويتآمرون على خيركم وثرواتكم، فكونوا عباد الله إخوانا.. ولا تموتن إلا وأنتم متماسكون ولا تدعوا فرصة لليأس والقنوط، فإن "النصر مع الصبر"، وتزودوا في رمضان "فإن خير الزاد التقوى" واتقوا الله ولو بشق تمرة، وبلغ إخوانك عموماً في عموم أرجائي بأن أمهم اليمن الحكيمة تقول لهم: "اتقوا الظلم ولو بشق ثورة".
في الخميس 04 أغسطس-آب 2011 02:28:54 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=65250