كيف نتعامل مع مفهوم القبول بالآخر عند الحديث عن القضية الجنوبية ؟؟
د. فضل الربيعي
د. فضل الربيعي

يأتي الحديث عن المفاهيم والمصطلحات في الحياة الاجتماعية والسياسية تعبيراً عن طبيعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بحيث تنتشر تلك المفاهيم لتفسير معطيات الواقع المعاش بما تسمح به حدود المعرفة والثقافة المجتمعية.
ويتداول في الوسط السياسي حالياً مفهوم قبول الآخر، القادم إلينا من تجارب الآخرين وهو حصيلة تجربتهم، وقد كثر الحديث عن قبول الآخر بصورة واسعة وهناك عدد من العوامل التي أدت إلى انتشاره وأولها الرغبة في إثراء نوع من التسامح السياسي ، بعد أن ذاق الناس مرارة المراحل السابقة التي سادها الإقصاء وإلغاء الآخر وعدم العودة إلى مراحل التصادم التي أدركها الجميع اليوم بأنها سبب رئيسي لما آلت إليه أوضاعهم المأساوية اليوم.

وعليه حتى لا يتحول هذا الفهم إلى إعادة إنتاج الصراع فلابد من التدقيق بمعنى المفهوم وإخضاعه للثقافة والواقع الذي نعيشه وإزالة الالتباس الذي يحيط بالمفهوم، إذ يبدو أن تعاملنا مع المفاهيم وفهمنا لها في المراحل السابقة كان أحد الأسباب التي أنتجت وعياً مزيفاً لدينا وتم التعامل مع هذا الوعي المزيف الذي أوقعنا في مشكلات عدة.

وعليه فإننا نسمع من قبل بعض الساسة أو المهتمين بالسياسة حينما يحاولون عدم الدخول في تفسير طبيعة المشكلات السياسية والاجتماعية، فيكتفون برفع شعار مفهوم القبول بالآخر والذي يوظف أحياناً في مواقع ليست في محلها.

 ويتداول هذا المفهوم عند الحديث عن القضية الجنوبية وهو أمر طبيعي، لكن علينا في الأساس تفسير هذا المفهوم في ضوء الحديث عن القضية، ونفهم أن القبول بالآخر هو الإقرار بحقيقة الاختلاف البشري وإيماناً بالتنوع الفكري وهذا التنوع ضرورة لا يمكن إلغاؤه، وعليه إن القبول بالآخر لا يعني أخذ بأفكار الآخر، بمعنى أن نتقبل بعضنا ونستمع لبعضنا في طرح الأفكار وعدم التعصب للرأي الواحد ولا يعني أن ندخل في خلاف وجدل أو أن كل طرف يتعصب لرأيه ويحاول يفرضه على الآخر، بل هو الأخذ بأسبابه والسماح بإعطاء الآخر فرصة لطرح رأيه وفكرته، وبالتالي علينا التحاور والنقاش بأسلوب منطقي وهادئ وموضوعي دون ارتفاع الأصوات أو فرض أفكارنا، وخصوصاً إذا أردنا الحديث عن قضية تهمنا جميعاً ومصيرنا مرتبط بها ، إن قبول الآخر هو مسألة مرحلية بمعنى الاستماع إليها جميعاً وبالتالي هذه الآراء لابد أن تجتمع معاً برأي واحد وليس جمع الآراء المختلفة، لأن ذلك في حقيقة الاختلاف والاختلاف في القضية الواحدة يعني عرقلة الوصول إلى حلها.
* باحث أكاديمي، رئيس مركز مدار للدراسات

في الثلاثاء 09 أغسطس-آب 2011 03:20:09 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=65291