الحلقة الأخيرة من دراما الثورة الليبية والقذافي
حافظ الشجيفي
حافظ الشجيفي

في الدراما المسلسلة يبدأ رأس الساعة بحلقة جديدة، وفي الأخبار يبدأ رأس الساعة بنشرة جديدة.
في مساء أول أمس السبت عندما بدأ اختراق الثوار العاصمة طرابلس استمرت إحدى حلقات المسلسل الليبي ثلاث ساعات. يأتيهم الخبر، أو بداية الخبر، فيبدأ التحقيق فيه، وفي زراعة بعض تفاصيله الإضافية، ينقلها مشاهدون عاديون من خلال وصف مشاهداتهم على ما يرونه بأعينهم، أو ينقلها مراسلو القناة، أو مقابلات مع محللين، فيعيدون ترميم الخبر وعلى ضوء ذلك يميلون، ويميل معهم معظم المشاهدين، لتصديق أو تكذيب الخبر.
في مسلسل الثورة الليبية يطل المشاهدون الآن على الحلقتين الأخيرتين في المسلسل، صحيح هم يعرفون النتيجة الأخيرة لكنهم يريدون مشاهدة النهاية بأم أعينهم
هناك حلقة أخيرة تنتظر الأحداث الليبية هي ما سيستقر عليه مصير العقيد القذافي، إذا كان حتى الآن داخل طرابلس فلا أظن أنه سيتمكن من الخروج إلا إذا وضع له ترتيباً خاصاً، لكن وسائل الإعلام ترجح أن يكون ليس خارج طرابلس وحسب وإنما خارج ليبيا كلها، وحتى في هذه الحالة غالباً ما سيقضي الإعلام يومين أو ثلاثة في الحديث عن تسلله، وعمن خرج معه، وعن مصير أولاده، وعن كيف تم الاتفاق على خروجه.
بعد ستة أشهر، انتصرت ثورة الشعب الليبي،وانهار نظام الطاغية معمر القذافي،وذابت لجانه الشعبية كجليد واجه أشعة الشمس الحارقة، دخول الثوار إلى طرابلس خالف جميع التوقعات، حيث كان العالم يتوقع عدم سقوط العاصمة إلا بعد معركة ضارية تسيل فيها انهار من الدماء ، كما حذر القذافي الروس بأنه سيفجر عاصمته إذا حاول الثوار اقتحامها، لكن الذي حدث كان سيناريو مختلفاً تماماً حيث دخل الثوار طرابلس دخول الفاتحين، وكان اختراقاً فائق السرعة، ومع هبوط ظلام ليل الأحد كان الثوار يسيطرون على الساحة الخضراء رمز حكم القذافي التي جرى تغيير اسمها إلى ساحة الشهداء.
غاب نظام القذافي والذي حاصر الشعب الليبي 42 عامًا بدَّد خلالها مليارات الدولارات على مغامرات لا طائل من ورائها في بقاع العالم، مرَّة لدعم الجيش الجمهوري الأيرلندي وفي تنظيم هجمات على أهداف مدنيَّة وعسكريَّة حول العالم كلَّفت الشعب الليبي مليارات الدولارات من مقدراته الاقتصاديَّة، بجانب الإنفاق ببذخ لدعم انقلابات عسكرية في البلدان الأفريقية والدخول في مواجهات عسكريَّة مع دول الجوار.

ليبيا مقبلة على حقبة جديدة في تاريخها تحاول نفض غبار السياسات الحمقاء التي تبنَّاها ديكتاتور طرابلس التي أسهمت في عزلة بلاده وتكريس صورتها كبلد مشكوك في مصداقيتها أمام العالم، بل وأظهرت الشعب الليبي كتابع يسيِّره سيده كيفما يشاء، وهي الصورة التي نجحت الثورة الليبية في إزالتها وقدمت للعالم وجهًا آخر لشعب حاز ثقة وتقدير الجميع.
ثوار ليبيا مطالبون بعدم إهدار جهودهم في تصفية آثار القذافي ونظامه فحسب، بل السعي إلى بناء دولة ديمقراطية وإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية لمعالجة الاحتقان الذي يعاني منه الشعب الليبي منذ عقود، سواء من جهة السيطرة على البلاد بنظام شمولي والنهب المنظم لثروات البلاد أو بغياب أي نوع من العدالة الاجتماعيَّة، وتحديث دولتهم ومواكبة التقدم والتكنولوجيا بدلاً من كونها حاليًا دولة من القرون الوسطى لا همَّ لقيادتها إلا إشعال الأزمات في دول الجوار وفي المنطقة.
نهج المصارحة قبل المصالحة هو الذي يجب أن يهيمن على الساحة الليبية في الفترة المقبلة لتوحيد جهود أبناء ليبيا للمشاركة في إعادة إعمار بلدهم وتجاوز تداعيات الشهور الماضية، فتصفية الحسابات وشهوة الانتقام قد تقود البلاد للفوضى والاضطراب، ومن الأفضل سيادة الخطاب العاقل المتزن ليتفرغ الجميع لمرحلة البناء،ولا خوف على ليبيا من مخاطر التجزئة التي استخدمها القذافي فزاعة في مراحل حكمه الأخيرة،فقد قدم الليبيون في ثورتهم نموذجًا يُحتذى في تقديم مصالح وطنهم على أي شيء آخر.
انهيار نظام الرئيس/ بن علي في تونس وحسني مبارك في مصر وأخيراً القذافي في ليبيا وذوبان أحزابهم الحاكمة واختفاؤها مع سقوطهم عبرة لمن يعتبر،ولا اعتقد أن الربيع العربي توقف ولكنه قد يختلف من دولة إلى أخرى، فقد يأتي إصلاحا أو طوفانا ،فليبيا التي استلهمت روح الثورة من جارتيها «تونس ومصر»،ستكون ملهمة لآخرين.
هكذا الإثارة في السياسة والحرب، وقد بدأت الإثارة بأحداث ليبيا بشكل مكثف منذ مساء السبت وغالباً ما تستمر ليومين أو ثلاثة ثم تعود الأحوال لوضعها الطبيعي.. هذا طبعاً إذا كان للمجلس الانتقالي الليبي سيطرة كاملة على البلاد، لكن يتوقع أن تستمر التفلتات لفترة تطول أو تقصر حسب سيطرة المجلس.
   

في الأحد 28 أغسطس-آب 2011 06:27:07 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=65432