ملوك ورؤساء
محمد علي محسن
محمد علي محسن

هذه ليست دولا وأوطانا، أنها سجونا أشبه بكانتونات ضائقة غير صالحة لمجتمعات عربية تواقة للحرية والعيش الكريم، فلقد أثبت الواقع المشاهد أن المواطن العربي في سجن كبير اسمه (الوطن) وانه عاش كذبة كبيرة أسمها (جمهوريات عربية)، فبعد نصف قرن من الثورات على المستعمر الأجنبي أو الحاكم الرجعي السلالي؛ ها نحن نثور على حكام جمهوريات أشبه بإقطاعيات العهد العبودي.
فثورة الفاتح سبتمبر 69م كانت قد أطاحت بالملك الزاهد إدريس السنوسي ليحل محله ملك ملوك أفريقيا معمر القذافي، الأول رحل عن الحكم دون دم أو قرابين مزهقة بينما ألآخر قتل ودمر ليبيا وأحالها إلى خراب ودمار.
 الملك السنوسي حين الانقلاب عليه كان في تركيا وكان بمقدوره الاستعانة بالقواعد الأمريكية والانكليزية الرابضة في موانئ بلاده ومع ذلك لم يفعل ولم يطلب من أحد التدخل لاستعادة ملكه المسلوب بل وعلى العكس وقع وثيقة التنازل عن عرشه؛ فكل ما طلبه من موفد الرئيس عبد الناصر هو سلامة ابنته ومصحفه وسبحته إضافة إلى مأوى له ولعائلته في المحروسة.
لا وجه للمقارنة بين ثورات الأمس وثورات اليوم، ففي الخمسينات والستينات من القرن المنصرم كانت الثورات مسلحة أداتها السلاح ومنطلقها الأساس إما المعسكرات أو الحدود فيما الثورات في الوقت الحاضر مدنية خالصة ووسيلتها الاحتجاجات السلمية ووسائل الإعلام.
 في الزمن الماضي ثار العرب على مستعمر ونظم رجعية سلالية ومع ذلك انتصرت هذه الثورات بأقل كلفة ودم، فباستثناء ثورة المليون ونصف شهيد الجزائرية انتصرت بقية الثورات وبكلفة أقل ما يقال عنها أنها ارحم واقل بكثير من ثورات الأبناء والأحفاد الآن على الحكام.
خذوا مثلا ثورات 23يوليو 52م في مصر و26سبتمبر 62م في اليمن والفاتح من سبتمبر 69م في ليبيا، فرغم أن هذه الثورات قام بها الضباط الأحرار وكانت أداتها الانقلاب العسكري إلا الناظر في رغبة ومقاومة أولئك الملوك في سبيل بقائهم في عروشهم سيجدها لا تقارن برغبة الرؤساء الجمهوريين الذين لم يتورعوا عن استخدام كل مقدرات الدولة من جيش وأمن وثروة ومال وإعلام وغيرها نحو شعوبهم المطالبة سلميا بالتغيير السياسي.
 ففي مصر تم الإطاحة بالملك فاروق بعد تنازله عن عرشه ومغادرته ميناء الإسكندرية على متن المحروسة بسلام، كذلك هي الثورة في اليمن والتي ربما ما يؤخذ عليها أنها لم تكتف بفرار الإمام محمد البدر بل طال أمدها إلى سنوات تالية لكن ما حدث بعدئذ لهذه الثورة لا ينفي حقيقة قيام الجمهورية بأقل خسارة كما أن الحرب الأهلية الضروس بين الملكية والجمهورية ليست إلا حربا بالوكالة وعن قوى إقليمية ودولية أكثر من كونها حربا لصالح اليمن واليمنيين، إما ثورة الضباط في ليبيا فلم يستلزمها سوى الإطاحة بنظام الملك السنوسي.
مؤسف حقا أن تصير كلفة الثورات الشعبية بهذه الفداحة القاسمة للمجتمع واقتصاده واستقراره، فهل ثمة مقارنة ما بين ملوك الأمس ورؤساء الحاضر؟ فالملوك الذين لطالما اعتبروا حكمهم مستمدا من تفويض سماوي إلهي وراثي أجدهم أقل قتلا وبطشا وتنكيلا ورغبة في الحكم من رؤساء أقل ما يقال عنهم أنهم من أفراد هذه الشعوب الثائرة اليوم، وان سلطتهم هذه الباطشة الناهبة المتغطرسة المرعبة لم يرثوها أبدا عن أبائهم وأجدادهم بل هي ممنوحة من شراكة عقدية جمهورية دستورية، فحتى الرئيس السوري بشار الأسد الذي سيذكره التاريخ بأنه أول وريث لجمهورية أفلاطون لم يقل مطلقا أنه وريثا وسيقاتل بهوادة في سبيل ملك أبيه؛ فما فتئ يقاوم التدخل الخارجي بعبارة واحدة هي أنه يمثل إرادة ورغبة شعبه.

في الخميس 01 سبتمبر-أيلول 2011 04:31:23 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=65477