فقر إفريقيا وغنى الخليج
محمد علي محسن
محمد علي محسن

شعب أكثر من نصفه تحت خط الفقر وتصنيفه تنموياً ومعيشياً ضمن آخر خمس دول على ظهر البسيطة وقائمة عشر دول افريقية تفتقر للرعاية والدخل والخدمات، بالمقابل هذا البلد الفقير يزاحم دول الخليج غناءً في التسلح والعتاد الحربي .
 بلد يقبع أهله في ذيل دول العالم قاطبة نمواً واقتصاداً وتعليماً وصحة ونظاماً وشفافية ومؤسسية ووووإلخ؛ كيف له أن يكون نداً ومنافساً لدول غنية تجاوز ناسها حاجاتهم الأساسية والضرورية لرغيف الخبز والطريق وإنارة المنزل والمستشفى والمدرسة وغيرها؟، دولة لم تبسط وجودها وسلطتها كاملة على عاصمة البلاد صنعاء ولا نقول على سيادتها.
ومع هذا الواقع الهش والضعيف لسلطة الدولة؛ ظل الرئيس صالح ونظامه البائد يوزعان المبادرة تلو المبادرة على فرقاء السياسة في فلسطين والصومال وعلى الجامعة العربية والأمم المتحدة اللتين أيضاً كان لهما نصيبهما من تلكم المبادرات .
في أحايين كثيرة أعمل مقارنة ما بين موكب رئيس هذا البلد المنكوب وبين موكب رئيس الولايات المتحدة أو مستشارة ألمانيا أو غيرها من قادة الدول الصناعية العظمى، ما بين ما ينفقه الرئيس صالح في اليوم الواحد على مواكبه وتحركاته وموائده ونزواته وبين ما يصرفه رؤساء أميركا والصين وفرنسا وروسيا والاتحاد الأوروبي في السنة، لا مقارنة بين ما يهدره الأول وبين ما ينفقه هؤلاء الرؤساء والقادة .
الصحافة الأميركية والبريطانية أقامت الدنيا على مائة ألف دولار صرفها الرئيس جورج دبليو بوش وعلى رحلة قام بها توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق وعائلته على متن طائرة عمودية، فالأول أُخذ عليه صرف المبلغ المعتمد شهرياً للضيافة، إذ اعتبرته الصحافة حينها ترفاً وتبذيراً لمال المواطن الأميركي الذي قيل وقتها إن الرئيس كان قد صرفه على ضيوفه بينما هو في مزرعته خارج البيت الأبيض، أما توني بلير فمازالت رحلته وعائلته على متن طائرة عمودية حديث الصحافة حتى اللحظة، فهذه الرحلة الداخلية كلفت خزينة المملكة المتحدة مئات الجنيهات دون جدوى، ففي النهاية هناك جريمة لا يصفح عنها القانون .
ليس في أميركا وبريطانيا فحسب، ففي اليابان تم مساءلة رئيس حكومة أسبق على رحلة مماثلة قام بها إلى إحدى الولايات المتحدة، فالوزير الأول كان في زيارة رسمية لواشنطن وبعد انتهاء مهمته أراد زيارة ضريح فنان أميركي يحظى بتقدير ومحبة الشعب الياباني، إلا أن فعلته لم تشفع له استغلاله الحق العام (الطائرة) في رحلة لا علاقة لها بطبيعة المهمة الرسمية .
الملكة إليزابيث تكلف المواطن البريطاني 60 سنتاً سنوياً، يا إلهي إلهمني صبراً، كيما أفهم هذه المعادلة الخرقاء!، فهل بمقدور أحدكم التنبؤ بماهية الإنفاق اليومي لرئيس بلد فقير ومعتل كاليمن؟، كأنما هذه البلاد صك بنكنوت في جيب رئيسها وعصبته!.. أعجب وأندهش حين أسمع وأقرأ بأن لا موازنة للرئيس محددة البنود والأنواع والأبواب، فمن أين وكيف وكم يصرف الرئيس يومياً وسنوياً؟، فمصروفات الرجل فلكية وبلا ضابط أو إطار أو نظام .
المجنون القذافي لطالما بدد مليارات الدولارات على مغامراته ونزواته وجنونه، لا أحد سيعير اهتمامه إزاء تصرفات سخيفة ما بقيت يد الزعيم تدفع المال ثمناً لأفعاله النكراء، فالقذافي لا يستقر على هندام أو مكان، فتارة برداء جنرالات المارينز وأخرى بجلباب قبائل أفريقيا، إذا ما حل يوماً في باريس أو نيويورك أو القاهرة فإن خيمته منتصبة هناك، لقد سخر العالم من عنترياته ومغامراته المكلفة للغاية .
لكننا نتحدث هنا عن رئيس لطالما أهدر ثروة بلده على رغباته الجامحة والقاتلة لكل فكرة سديدة وحكيمة من شأنها استنهاض همة وطاقة هذا الشعب المتطلع للبناء والتنمية والاستقرار، للأسف صحافة العالم أطنبت مراراً في مليارات الرئيس المخلوع سوهارتو المهربة خارج اندونيسيا وفي ثروة الرئيس المخلوع فرنانديز كارلوس وفي ثروة الرؤساء المخلوعين مبارك وبن علي والقذافي، بل وصل الأمر إلى أحذية وجوارب قرينة ديكتاتور الفلبين الأسبق كارلوس .
"أشقى الولاة من شقيت به رعيته" قول أثير للفاروق عمر بن الخطاب يكاد يماثل شقائنا المستديم، لا أدري ما جدوى الكلام عن ديكتاتور رومانيا تشاشيسكو وسرقته لثورة شعبه أو احتفاظه بكيلو موز في ثلاجته قبيل مقتلة؟.. أليس المهم أن نتحدث عن رئيس مخلوع سرق جمهورية وثورة وشعباً ووحدة وثروة وعن ديكتاتور اقترف من الجرائم والأفعال المشينة والمخجلة لكبرياء وكرامة الإنسان اليمني؟ .
 لماذا لا نتحدث عن الرئيس صالح بكونه كارثة مدمرة التهمت كل الفرص والأفكار والقدرات والموارد وحتى الهبات والقروض والمساعدات؟- عن ثروتنا ومواردنا المبددة على السلاح والمواكب والموائد السلطانية والهدايا والهبات العبثية وحتى مقتنيات الرئيس الشخصية الباهظة المستوردة من ألمانيا وفرنسا وسويسرا؟!.
في الخميس 29 سبتمبر-أيلول 2011 03:59:18 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=65786