بين (ملاك) الرحمة و(شيطان) العذاب !
طارق فؤاد البنا
طارق فؤاد البنا

تظل القيم والأخلاق الإنسانية فوق كل اعتبار، وفوق كل الظروف، حيث أن هذه القيم هي ما يحفظ للمجتمعات المختلفة إنسانيتها، وهي ما يميز بني البشر عن غيرهم من الحيوانات التي تسود فيها شريعة (الغاب)، حيث القوي يأكل الضعيف، وهذه القيم من أهم الروابط المشتركة التي تجمع الشرقي مع الغربي، والعالم مع الجاهل، والأبيض مع الأسود، والقوي مع الضعيف !.
ولكن، عندما تعمى القلوب والأبصار، وعندما يتجرد البشر من إنسانيتهم، وعندما تظهر القلوب (المتحجرة)، والنفوس (الشيطانية)، والأفكار (الإبليسية)، والمخططات (الجهنمية) فلا بد حينها أن كل تلك القيم سرعان ما تنزف دماً، وسرعان ما تختفي تلك القيم عند بعض الناس.
ومع ما شهدته الثورة اليمنية من أحداث دامية رغم (سلميتها) التي أبهرت العالم أجمع يتأكد للجميع أن ثمة من ينقضوا معايير القيم الإنسانية، بعد أن نقضوا معايير القيم الإسلامية بهدمهم للكعبة الشريفة آلاف المرات، بقتلهم الناس بدون ذنب سوى أنهم خرجوا ليقولوا كلمة حق في وجه سلطان جائر، خرجوا ليعلنوا انتفاضتهم على الظلم والظالمين، خرجوا ليلعنوا عصر الظلام ويدفنوه كي يأتي عصر الضياء والنور، ولكن (الذئاب البشرية) لم يعجبها هذا، وهذا شيء طبيعي لأن تلك الذئاب تنهش جسد هذا الشعب ليل نهار، وتصادر ماله العام، وتعيث فيه فساداً، فصحوة الشعب ليس من صالحها، لذلك شمرت عن ساعديها، وكشرت عن أنيابها، وقررت التجرد من كل القيم الإنسانية والأخلاق والضمير، لتنافس بذلك أخلاق أبشع الحيوانات، بل وتفوقها بشاعة !.
ولكن العجيب هو أن نجد بعض القيم الإنسانية عند الأعداء ولا نجدها عند الأخوة، فكلنا نشاهد أفعال (إسرائيل) الإجرامية في فلسطين، نشاهد القتل والقصف والدمار، ولكننا خلال هذه الفترة الكبيرة لم نشاهد قوات الاحتلال الإسرائيلي تقوم بضرب (سيارات الإسعاف) كما يفعل جنودنا البواسل وبلاطجتنا الأشاوس، لم نسمع كثيراً عن استشهاد أحد الأطباء في عملية تستهدفه فقط لأنه يسعف الجرحى، إسرائيل لا تقوم بمنع سيارات الإسعاف وحتى الناس من إسعاف الجرحى وتقوم باقتناص كل من يتقدم لإسعاف أحد ما، ولكن ما نشاهده في يمن الإيمان والحكمة يجعل المرء يقف عاجزاً خائراً أمام (الهمجية) التي تدار بها البلد، فأن يكون هناك عمليات اقتناص متعمدة لـ(ملائكة) الرحمة من قبل (شياطين) العذاب فهذا ضربٌ من الجنون الذي لم نشهده إلا في بلد الإيمان والحكمة، وأن يكون من ضمن قائمة الشهداء أطباء ومسعفين وممرضين فهذا من العجائب والغرائب التي لم نشاهدها إلا في أرض المدد !
الدكتور/ أشرف طارق المذحجي، أحد أولئك الأطباء الذين يلخصون حكاية الفرق بين (الملاك) و(الشيطان)، وأحد الذين سقطوا فداء لوطنهم الغالي، (ضمد) الوطن بأكمله جراحهم بعد أن كانوا يضمدون جرحه النازف بفعل هذا النظام منذ 33 سنة، زفتهم (ملائكة) الرحمن، كيف لا وهم (ملائكة) الرحمة في كل دول العالم، هو من أصحاب الرداءات (البيضاء) التي تحاول أن تعالج ما تفعله القلوب (السوداء)، لم يكن يدري أن البشر قد تجردوا من إنسانيتهم وأخلاقياتهم فخرج ليطبب الجرحى، بل وتصدر المسيرة السلمية في جولة (كنتاكي) في صنعاء، ولكن كان هناك (ذئب) قذر يترقب حركات ذاك (الأسد)، ولأنه لا يمكن للذئاب أن تتواجه مع أي كان وجهاً لوجه فقد كان طبيعياً أن لا تواجه (الأسود) على شجاعتها ومن ضمنهم أشرف، فعمل ذلك القناص على أخذ موقعه، وقذف برصاصة أخرجها من قلبه (المسموم) بواسطة (رشاشه) الآلي، وقال (باسم الشيطان أرميها) فلا يمكن لشيطان أن يذكر الله، وبعدها توقفت لحظات الزمن البئيس في حياة أشرف، وبدأ الزمن الجميل، لا بد أنه رأى مقعده في الجنة، ورأى نصيبه من الحور العين اللاتي سيتسابقن عليه، صحيح أنه لم يهنأ بشبابه، ولم يعش من العمر الكثير، ولكنه كان قد قدم الكثير، وترك بصمة خالدة في سجل ثورة اليمن !.
لا بد أن الحزن قد تسلل إلى قلب أم أشرف وأبيه وكل أحبابه وذلك شيء طبيعي، فأن تفقد شخصاً بحجم أشرف، بروعته وبساطته وأخلاقه وشجاعته وفدائيته وحتى وسامته ليس بالشيئ السهل، أن يعمل أباه وأمه على تربيته منذ ما يقارب 23 سنة من عمره وهم يتابعون حركاته وسكناته، منذ طفولته وحتى بداية دراسته وبعد تخرجه من الثانوية وعند اختياره لطريق حياته في كلية الطب، فكان طوال هذه السنوات يزرع، وعندما يبدأ وقت الحصاد، تأتي (شياطين) العذاب لتحصد حياته بكل ما فيها، ولكن العزاء في ذلك أن أشرف ببساطة (شهيد) والجميع يعلم ماذا تعني شهيد، ويعرف ما هي مكانة الشهيد، فكيف إذا كان بحجم أشرف ؟!
عزاؤنا لوالديه ومحبيه كما هي العادة، وإن كان من المفترض أن نقدم لهم (التهاني) فقد حصلوا على خير شفيع لهم، قد حصلوا على رجل ملأ حياتهم فخراً واعتزازاً في حياته ومماته، حصلوا على من ينير لهم الدرب يوم القيامة، حصلوا على (ملاك) رحمة لهم، في مقابل خسارة (شيطان) العذاب الذي ترصد أشرف، وبقية الشباب اليمني !.
Tarekal.banna@yahoo.com
في الإثنين 03 أكتوبر-تشرين الأول 2011 04:41:36 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=65821