السلام ل توكل.. السلام على توكل
فؤاد مسعد
فؤاد مسعد

في اللحظة الاستثنائية التي يغادر فيها علي صالح تاريخ حكمه من النافذة متسللاً تلاحقه هتافات الثائرين، هاهي الناشطة الحقوقية والإعلامية الثائرة/ توكل كرمان تدخل التاريخ من أوسع أبوابه بنشاطها المدني وفعالياتها السلمية ودفاعها المستميت عن حقوق الإنسان الذي يتوج اليوم بفوزها بجائزة نوبل للسلام.
يأتي فوز توكل بهذه الجائزة العالمية في توقيت مناسب لا يمكن إغفال جدواه على الثورة الشعبية السلمية التي حاول النظام جاهداً أن يرميها بكل نقائصه ويحملها مسؤولية جرائمه المشهودة والموثقة، وفي نيل توكل كرمان الجائزة وهي القيادية في الثورة السلمية، صفعة قوية لبقايا نظام الحرب والجريمة، الذي لا يتقن غير دق طبول الحرب الأهلية ونشر الخوف وتوزيع البلاطجة في الشوارع وقتل الأطفال والنساء وترويع الآمنين وقصف الأحياء والقرى والمدن، على الرغم من كون رئيس النظام المشوه جاء يحمل غصن زيتون وعلى كتفه حمامة سلام كما يزعمون!!
إن فوز توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام انتصار لثورات الربيع العربي وفي طليعتها ثورة اليمن، كما هو انكسار لقوى البطش والاستبداد والفساد التي وصلت إلى خريف السقوط وأرذل العمر، لقد فرّ بن علي وتنحى مبارك، وهاهو القذافي وأبناؤه يتخفون كالجرذان وصالح يتسلل جريحاً هارباً خائفاً يترقب، "وعقبى للبقية من سلاطين العرب"، كما قال الشاعر العربي أحمد مطر.
ولقد شاءت إرادة الله تعالى أن يبقى صالح حياً ومشوهاً في الوقت نفسه ليرى الجموع الحاشدة في مختلف مدن البلاد وهم يرفعون صور الزعيم التاريخي الشهيد/ إبراهيم الحمدي، الذي ظلت أجهزة صالح تعمل طوال 33 سنة على استئصال كل ما له صلة بهذا القائد الاستثنائي، الذي عرفت اليمن في عهده معنى الدولة المدنية الحديثة والتنمية الوطنية الشاملة والحكم المحلي وسيادة النظام والقانون، ولعل صالح رأى كيف تم الاحتفاء بهذا الرمز من قبل الملايين دون أن يتم الضغط على المحافظين والمدراء والوكلاء وعقال الحارات والموظفين وطلبة المدارس و التهديد والوعيد لمن لا يحضر، كما يفعل هو حين يرغم الناس على الخروج أمامه والتصفيق لفخامته وهو يلوح بيديه.
ومن سوء الطالع لدى صالح وزبانيته أن يتزامن الاحتفاء والوفاء للشهيد الحمدي في يوم تكريم الثائرة والمناضلة توكل كرمان وفوزها بجائزة نوبل للسلام، وفي ذلك إطباق للحصار على بقايا نظام الفوضى والفساد، تكريم دولي مشهود لقيادية ثورية تناضل لإسقاط صالح واحتفاء شعبي واسع بمؤسس الدولة اليمنية الحديثة المغدور به الشهيد/ ابراهيم الحمدي، أما صالح فعليه أن يداري جراحه ويلعق مرارة خيباته المتلاحقة بعيداً عن الأعين وما أكثر جراحه التي تصرخ فيه: "يا صالح إنه قد جاء أمر ربك"، و إذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة ٍ لا تنفع ُ
هنيئاً لليمن فوز توكل، وبشرى بهذا الفوز، بقرب انتصار الثورة التي تعبر عنها توكل بروحها المتقدة ثورة ً وشجاعة ً في وجه نظام غير صالح، وهنيئا للربيع العربي الذي ما زالت أزهاره تتفتح في الوقت الذي تتساقط فيه أوراق الأنظمة المخلوعة وزعماؤها الذين ينقرضون نحو السقوط إلى الهاوية بلا رجعة.
وكم هو وضع النظام بائس ومهين أمام هذا الانجاز المشهود له، حيث أصيب رأس النظام بالصدمة، كيف وهو الذي سعى بكل إمكاناته لإلصاق تهم استخدام العنف والقتل والتخريب بالثورة والثوار وتوكل في مقدمتهم، ماذا سيقول صالح ونظامه رباعي الدفع (بركاني- جندي- صوفي- شامي)؟ هل يقولون إن ميليشيات الإخوان المسلمين المدعومة من الفرقة الأولى مدرع قامت بالسطو على جائزة نوبل وهي في طريقها لعلي صالح الذي خرج من مشفاه حاملاً "غصن" الحرس الجمهوري و"حمامة" الأمن المركزي؟ أم أن أعضاء اللجنة القائمة على الجائزة اتضح أن لهم علاقة بالشيخ حميد الأحمر وكانوا يستخدمون شرائح سبأفون أثناء عملهم؟ وربما لن يعدموا تبريراً آخر يرى أن هذه اللجنة تم استدراجها من اللواء/ علي محسن حينما كان غالبية رجال الدولة اليمنية مشغولين بالاحتفال بعودة صالح (أبو حمامة وغصن)، وكل الاحتمالات جائزة في نظر الأبواق التي لا تتورع عن قول ما يطلب منها مهما بدا سخيفاً وتافهاً.
والحقيقة التي أثلجت صدور اليمنيين أن فوز توكل كرمان بهذه الجائزة جاء ليرد الاعتبار للبلد المنسي، الذي لم يعد يذكر إلا في قوائم الإرهاب والفقر والبطالة والأمراض التي جعل منها صالح ونظامه مادة للتسول وابتزاز المانحين، ولم تقتصر الفرحة على اليمنيين وحدهم بهذا الحدث التاريخي، بل امتدت الفرحة لتشمل العرب في مختلف الأقطار والمناطق، لقد غمرت الفرحة قلب وائل غنيم كما أسعدت أسماء محفوظ ورفع الخبر رأس عزمي بشارة، وقالت إحدى المتصلات لقناة الجزيرة إن حصول توكل على الجائزة شرف للجائزة لأن توكل تستحقها.
في الأحد 09 أكتوبر-تشرين الأول 2011 04:04:01 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=65868