الثورة وحالة الانفصام
محمد علي محسن
محمد علي محسن
    
الرئيس يؤكد للسفير الأمريكي عزمه على التنحي، الرئيس يتعاطى إيجابا مع قرار مجلس الأمن، الرئيس يعلن على الملأ تسليمه السلطة وخلال أيام فقط، الرئيس يفوض نائبه،يوجه حزبه بالتفاوض مع أحزاب المعارضة، الرئيس يدعو الفرقاء السياسيين للجلوس على طاولة الحوار، الرئيس يحيل يؤجل يشترط يطلب يدعو يسفك يرفض....
الواقع أننا إزاء أكبر محنة إنسانية وأخلاقية ومجتمعية وسياسية تمر بها اليمن، لا شيء في الممارسة غير جثامين القرابين المزهقة وغير القتل والخوف والدم والرصاص والدمار والكذب والخداع والتسويف والتظاهرات والمجهول.
 كل شيء تقريبا يكاد متوقف عند نقطة موافقة الرئيس من عدمه، الثورات الشعبية لا يحدد مسارها الحكام المستبدين وإنما الثورات عادة هي من يرسم خطها وملمحها. في هذه البلاد هناك ثورة عارمة مطلبها الأول رأس النظام وعائلته وعصبته المستحكمة بكل مفاصل الدولة وسلطتها وقوتها ومع ذلك يراد من هذه الثورة أن تكون طائعة خانعة لمشيئة الرئيس ونظامه.
حقيقة توجد لدينا ثمة معضلة كبيرة، فالثورة الشعبية لم تستطع مغادرة النطاق الجغرافي المحدد لها منذ تسعة أشهر، فالناظر في هذه الثورة سيجدها مراوحة في ذات المساحة والوجهة المرسومة لها مذ بدايتها.
 لا تتعلق المشكلة هنا بالملايين اليمنية الثائرين في كل محافظات الوطن، إنما المشكل هو أن هذه الثورة واقعة تحت تأثير حالة من الانفصام المزدوج الذي تسلل فجأة إلى طليعة النخبة الثورية فأصاب رأسها بعضال أسمه الشيزوفيرينيا.
مأساة اليمنيين تكمن بنظام عائلي لا يتورع عن القتل والبطش والتنكيل والكذب والتلفيق وبمعارضة سياسية أسيرة منطقها وأسلوبها العقيمين اللذين ليس بوسعهما التماهي مع واقع ثوري جديد يستلزمه نخبة ثورية من طراز أخر. تصوروا مثلا كيف أن هذه الثورة بات مطلبها اقتلاع النظام الفاسد والعبثي وفي ذات الوقت هناك من لا يريد لهذه الثورة أكثر مما هو محدد لها من مسار؟
الولايات المتحدة والمملكة هما المعنيان بملف الثورة في اليمن، هكذا بدت المسألة واضحة ووقحة أيضا، فالواقع أن الاثنان لا يريدا التغيير الثوري لمجمل النظام القائم؛ بقدر ما الاثنان مع تغيير رأس النظام فقط، ومن هذه النقطة بالضبط ولجت الثورة منحى أخر لم يكن بحسبان الثائرين الذين مازالوا حتى اللحظة في الساحات.
وإذا كانت المملكة قد استطاعت بثقلها ودورها الإقليمي والدولي تغيير مجرى الثورة الشعبية في اليمن فأن المعارضة في الداخل ساهمت وبشكل كبير في هذا التأخر في الحسم، نعم الثورة الشعبية كان ولابد من تحسم أمرها سلميا أو عسكريا ولكن وبما أنها لم تستطع إسقاط النظام بالاعتماد على ذاتها وأداتها الفاعلتين بقوة فقد كان لزاما على الثورة اليمنية أن تبقى مراوحة في الساحات.
 فما من أحد سيجبر النظام على الرحيل سوى الفعل الثوري، فهذه الثورة تم محاصرتها وخنقها داخليا وخارجيا، فمن ناحية الداخل مازالت ثائرة ومستبسلة ولكن في نطاق وهدف لا يتجاوز جولة أو شارع، ومن الخارج فهي مازالت متوقفة عند مبادرة خليجية تتقاطع كليا مع إرادة اليمنيين بالتغيير الجذري للنظام كافة.
المطلوب الآن هو الإجابة على السؤال التالي : ماذا يريد اليمنيون من هذه الثورة؟ إذا كان الهدف هو النظام ورأسه فهذا يستلزمه ثورة ونخبة وتضحية ومسار ثوري مختلف كليا، إما إذا كان المهم هو إسقاط الرئيس وحده؛ فعلي عبدالله صالح قد سقط سياسيا وأخلاقيا وشعبيا سوى وقع مبادرة الخليج أم رفضها! أعتقد أن الثورة في اليمن بحاجة لمن يحررها من أغلالها المقيدة لحركتها وغايتها، شيء ما مازال مقيدا ومقوضا لكل فعل يراد به رسم نهاية ووجه لثورة فقدت ملمحها ووجهتها.

في الأحد 30 أكتوبر-تشرين الأول 2011 04:46:36 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=66085