قلوب من زجاج
أحلام المقالح
أحلام المقالح

لم تكن هي المرة الأولى التي أرى فيها أشخاصاً تبدو على ملامحهم صلابة الجدران ورسوخ الجبال و ضرامة الأبطال فإذا ما أصابتهم مصيبة واجهوها بكل صبر وثبات وإذا داهمتهم عقبات الحياة تصدوا لها بضراوة الشجعان ممزوجة بعقلانية الحكماء حتى يظن البعض بأن هؤلاء ذو أفئدة قاسيه ومتحجرة وحتى إذا ما وقع نظرهم على موقف تشحذ له الأبصار وتدمع له الأحداق فإنهم لا يتأثروا بتاتاً بها ولكن ما لم أراه من قبل هو وجود أشخاص تظهر عليهم جمة هذه الصفات وبنفس الوقت تختبئ تحت جلودهم مكامن للشاعرية الساحرة وقصور للإحساس المُرهف لتظهر فجأة فتتحدث معنا بلغة جديدة لا يفهمها إلا من يختبئون قريباً منها أو يشاركونها أسرارها...
فوجدت أن أحدهم وهو أب لأربعة أبناء فقدهم جميعاً بحادث مروري مؤسف، وفي مصابه الجلل لم تتحطم مجاديفه بل فهو في وسط زحام الحزن يبتسم وكأنه يُهنأ.. هذه الجلدة المخبوء خلفها رقة العواطف لم تظهر إلا بعد وفاة أبنائه فلقد كانت تلمس منه زوجته صلابة الجبال ويبادرها إحساس بأن زوجها لا يمتلك قلباً ينبض بالحنان كغيره من الرجال ولم تتخيل بأن الزوج الذي كانت ترتعش منه وأولادها أيضاً - خوفاً- إذا ما نادها بنبرة غضب داخل البيت وهو نفسه ذلك الرجل الذي تهابه وتحترمه المخاليق خارجاً لما يظهر عليه من قوة شخصية سيتحوّل بيوم وليله إلى إنسان تهزه أقرب نسمة هواء, وستنسحب الغمامة من على قمة قلبه ليظهر قاعه مزروعاً بزهور وردية تُسقيها مياه الحب لتروي ظمأه للحياة وتُعطرها شذى الشاعرية والإحساس المُرهف وكأن قلبه الزجاجي أصبح هدية يهديها لمن رآه وأحبه، هذا الشخص أصبح الناس يجدونه فيلمسوا طيبته المكنونة وحنانه الغائر وكأنه كان قبل وفاة أولاده شخصاً وتبدّل بشخص آخر بعد ذلك لم يعرفه أحد من قبل.
هل النوائب من كشفت عنه جوهر أحاسيسه؟!
ما يهمني هنا أن أذكر أولئك الذين بقلوب وجلة ومُرهفة ما أن يصطدمون بواقع صلب وقاس حتى تلوح بالأفق ما خلف جدار قلوبهم الزجاجية ...
أخت أخرى لم أجدها يوماً تبكي وتفاجأت بها يوماً تبكي بُحرقة، تساءلت كثيراً لماذا تبكي؟؟ لم يكن مشهد قط مذبوح أو طير مخنوق أو منظر هز وجدانها ؟؟
كانت القضية قضية زجاج انكسر لتنجلي كل الغمام ويلوح الإحساس المرهف خلف هذه الدموع ,,, مات والدها وقاومت مؤهلات البكاء لتبدو كما كانت تبدو بقلب قاسٍ ويضحك في حين إنه لا يعرف البكاء ولكنها بكت ولم تعد أبداً كما كانت !!
تحدثني : هناك شيء تغير بعد وفاة والدي، بتُ أكثر صفاء ومشاعري بانت بعد أن انكسر زجاج الصلابة!!
مثل هؤلاء كثيرون، خاصة وأن لهم قلوب من زجاج !

في الثلاثاء 01 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 04:28:27 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=66111