مابين حادثتي المنصورة والمعلاء والسقوط في الوحل
محمد المسودي الفضلي
محمد المسودي الفضلي

شهدت مدينة المنصورة بعدن يوم الجمعة الماضي يوماً استثنائياً لأحداث مسرحية هزيلة جاء بها النظام ليتحف المواطنين بفصولها وأبطالها في آخر يوم لإجازة عيد الأضحى المبارك الذي غابت فيه كثير من مظاهر الاحتفالات والفرح المعتاد في هذه المدينة "ثغر اليمن الباسم" بعد أن حولها النظام إلى البائسة الحزينة وتغيب زوارها هذا العيد عنها وتناقصوا بشكل كبير بعد أن كانت قبلة الزائرين والسياحة اليمنية والخليجية بسبب الوضع المتردي وإشاعة الفوضى السلطوية وأصبح أهلها ومحبوها يكتسيهم الحزن والألم لما حل بها وما يتم التمهيد له ليحولوها إلى أبين الثانية، لكن وعي أبنائها سيفشل تلك المشاريع ويسقطها في الوحل والمستنقع المكان الملائم لها ولأصحابها.
منتصف ليلة الخميس الساعة الثانية عشر ليلا قدم نحو عشرة أشخاص مسلحين ويستقلون سيارة شاص وأخرى هيلوكس إلى ساحة التغيير بالمنصورة وطلبوا من شباب الساحة، "حراكاً، وثواراً" التوجه معهم إلى اقتحام إدارة البلدية والمجلس المحلي، مطمئنين إياهم أنه لديهم أسلحة من الرشاشات إلى قاذفات "أر بي جي" وغيرها.. إلا أن الشباب رفضوا ذلك السلوك والنهج وقالوا نحن عندنا قضية سياسية وأغلقوا الباب في وجوههم وفوتوا عليهم فرصة التغرير بهم، ولم يقف الشباب عند هذا الرد فقط بل سارعوا بإبلاغ الجهات الأمنية عن ما يسعى لتنفيذه أولئك المسلحون وقبل "3" ساعات من التنفيذ وأشعروا السلطات بأنهم يهددون باقتحام مبنى البلدية والمجلس المحلي حتى مدير عام المديرية أشعروه بذلك قبل وقوعه إلا أن الجميع لم يتخذ أي إجراء وبعض المسئولين الأمنيين فضلوا أن يرد الكمبيوتر البشري نيابةُ عنهم على أنهم نائمون ولا يستطيعون الاستيقاظ في وقت مبكر بعد منتصف الليل، كل هذا يتم بصورة استباقية للحدث وكأن ما يدور يذكرنا بالمسرحية الهزيلة وما دار في أبين، لكن بفارق انتماء أبطال المسرحية الجديدة هذه المرة أنهم قادمون من محافظة شبوة لوجود مدير الأمن منهم في عدن لتستكمل صبغة المسرحية.. فلابد من دفع ثمن الشراكة مع السلطة كما حصل مع أبين وتسليمها للجماعات المسلحة في أيار الماضي.
وعلى هذه الشاكلة دخل المسلحون مبنى البلدية والمجلس المحلي المنصورة عند الثالثة والنصف دون مقاومة وبمباركة السلطة ولم يستطيعوا الوصول إلى أدارة الأمن السياسي وبقية المرافق التي هددوا باقتحامها لسبب أن المسلحين لم يستطيعوا إقناع أحداً بمرافقتهم والانجرار خلفهم، ولم يزد عددهم عن العشرة فقط وظلوا في المبنى إلى اليوم الثاني مساءً حتى جاءت قوة تستعيد المبنى من قبضتهم بعد فشل تنفيذ المسرحية.
 وما يؤلم الجميع أن هذه التمثيلية سواء كانت ناجحة بالنسبة لهم أم فاشلة أن المواطن البرئ هو من يدفع الثمن، حيث قتل وجرح نحو ثمانية بينهم جنود ومواطنون بقذائف الجيش عند طردهم للمسلحين المفترضين .. صباح اليوم الثاني السبت استيقظ سكان المعلاء على أزيز الرصاص وأصوات انفجارات قذائف صواريخ "أر بي جي" في مسرحية مشابهة تغطي فشل مسرحية المنصورة والزعم بأن مجموعة مسلحة نصبت كميناً مسلح لطقم القوات الخاصة المتواجد في جولة العقبة الشارع الدائري في المعلاء وإصابة قائد الطقم والاستيلاء على الطقم وأخذه إلى الشارع الرئيسي بالقرب من ساحة التغيير في المعلاء بعدن ضناً أن الشباب سيتبنون هذا العمل وينجرون خلفه وهو ما قوبل بالرفض من قبلهم وعدم اقترابهم من الطقم وهذا الفشل المضحك أجبر قادة عسكريين بإرسال أحد الأشخاص للعودة بالطقم بعد أن قام بإطلاق أعيرة نارية لتغطية الفشل لإعطاء صورة مغايرة على أن الطقم تم تحريره من قبل الجيش بعد اشتباكات مع العناصر المسلحة في الوقت الذي لم ير السكان أياً من تلك العناصر المسلحة المفترضة.
 ويبقى السؤال المهم لماذا كل هذا العمل وما المراد منه؟ لقد حاول المسلحون جر الحراكيين إلى مربع العنف بالتزامن مع وصول جمال بن عمر مبعوث ـ أمين عام الأمم المتحدة لإيصال إليه رسالة تخدم النظام مضمونها أن الشباب والحراك هم من يقومون بإعمال العنف وغير ملتزمين بقرار الأمم المتحدة وأن الحراك ليس لديه قضية ولا توجد ثورة في اليمن لإسقاط النظام وإنما هي عبارة عن جماعات مسلحة تخريبية تستهدف تدمير الدولة ومؤسساتها ولخلق أزمة جديدة يتم فيها تحويل الحراك إلى هدف مشترك لكل القوى النظام والمعارضة والثورة الشعبية وجعله الخطر الأعظم الذي يستهدف تمزيق البلد وهو ما ينبغي التوحد ضده وكمحاولة لإيجاد الوقيعة بين الثورة الشبابية والحراك الجنوبي وتغطية المجازر الوحشية التي ترتكب في مدينة تعز، لكن كان الجميع على درجة عالية من النباهة والتوقع للورقة الأخيرة التي يمكن أن يلعب بها النظام لإطالة أمد بقائه وأفشلوا هذه المحاولة ليلقنوه درساً لا ينسى ويقولوا له دور غيرها "على لهجة العدني الفصيح" والعيال كبرت وأصبحوا من الصعب أن يكونوا لقمة سهلة المنال للانجرار خلف مخططات النظام لإثارة الفوضى.

في الأحد 13 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 04:27:07 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=66212