حالة ولادة تكشف عن موت الضمير
أحلام القبيلي
أحلام القبيلي

لم أكن أتوقع أننا قد وصلنا إلى هذه الحالة المزرية أخلاقياً وإنسانياً, لم أكن أتوقع أن ملائكة الرحمة قد يتحولون إلى ملائكة عذاب لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة.
وقد قلت للأستاذ الفاضل الشيخ/ محمد العامري - مقدم البرنامج الرائع "ظلال الأحداث" على قناة السعيدة: ليتك تتناول الأزمة اليمنية من جانب أخلاقي، فقد وصلنا إلى حالة لم يعد ينفعنا فيها أن يحكمنا عمر بن الخطاب – رضي الله تعالى عنه- وأنني أشفق على الرئيس القادم.
كل تلك العورات اتضحت لي من خلال موقف تأنفه الحيوانات المفترسة, فكيف يصدر من بني البشر؟!.
المسلمون الأرق قلوباً والألين أفئدة:
ولكم أن تسمعوا القصة وتحكموا بأنفسكم وتعلموا أننا قد وصلنا إلى انحطاط أخلاقي مريع: "صغيرة هي لم تتجاوز السابعة عشرة من عمرها، يتيمة الأب، تعاني العوز والحاجة، داهمتها آلام الولادة لأول مرة, حيث كانت تنتظر أن تضع مولودها الأول في صباح يوم عرفة في أفضل أيام العام وخير يوم طلعت عليه الشمس, بحثنا في الحي عن قابلة فلم نجد.. ربما تهربوا لأنهم اعتقدوا أنها لن تعطيهم الأجرة كاملة أو ربما صدقوا في أعذارهم الله يعلم.
خرجت مع والدتها قبل طلوع الشمس تبحث عن مستشفى تلقي بجسدها النحيل على أحد أسرته المتهالكة, علها تجد الفرج هناك, علها تجد من يخفف عنها آلام الولادة التي تشبه سكرات الموت
وبشق الأنفس وصلت إلى مستشفى الثورة، فلم يقبلوها، قالت لي إحداهن إن الممرضات امتنعن عن المداومة بسبب عسكرة المستشفى من قبل النظام.
فجمعت قواها و تحاملت على نفسها واستغاثت بمستشفى الجمهوري، فلم يقبلها أحد قالوا لها إنهم مضربون والعهدة عليها, وعادت من على أبوابه شبه مقتولة، لم يرحموا صرخاتها لم ترق أفئدتهم لأنينها
وسلمت الأمر لله الواحد القهار وعادت إلى منزلها الذي يشبه المدفن، فاستدعيت لها إحدى معارفي من ذوات الخبرة وقامت بالواجب جزاها الله كل الخير.
ولم تكد الفرحة أن ترتسم على شفاه هذه الأسرة المطحونة حتى اكتشفوا أن الطفلة التي خرجت كرهاً تلفظ أنفاسها الأخيرة، فقد تسممت الطفلة نتيجة تأخر الولادة, حملوها إلى المستشفى السويدي والحمد لله لم يكونوا مضربين وظلت عدت ساعات في الحضانة ثم فارقت الحياة، والأم في المنزل تنتظر عود طفلتها الصغيرة، لتكحل عينيها برؤيتها.
قتلوها قتلهم الله, قتلها صراع لا أخلاقي بين السلطة والمعارضة, ماتت الصغيرة, ربما أنها كرهت أن تحيا في ربوع هذا الوطن المشوه، ربما أنها فضلت الموت على الحياة في وطن لا حياة فيه لمن تنادي.
صدقيني يا صغيرتي إن الله تعالى قد أراد بك الخير، حيث لن تنظر عيناك ما تطالعه أعيننا كل يوم.. أراد الله بك خيراً أن رحلتي طاهرة مطهرة، أراد الله بك خيراً أن غادرتي هذا العالم المتعفن.. رحلتي ولأمك العزاء, نسأل الله أن يأجرها في مصيبتها ويخلفها خيراً منك.

خلي عندكم دم:
الطب أشرف مهنة والطبيب لشرف مهنته يسمى ملاك الرحمة, لكنهم في كثير من الأحيان يتحولون إلى ملائكة عذاب يسومون الناس سوء العذاب ولا تأخذهم في مؤمن إلاً ولا ذمة.
الطب مهنة مستقلة ولا يجوز لها أن تتحزب أو تسيس إلا في بلادنا, بلاد العجائب والغرائب، فالطب يتبع السياسة حيثما دارت.
وهي المهنة الوحيدة التي لا يجوز لأصحابها أن يُضربوا عن العمل, بالله عليكم هل سمعتم عن أطباء يضربون ويمتنعون عن مداواة الجرحى ومعالجة المرضى إلا في بلادنا؟!
وإذا كان هذا النظام الفاسد قد خرق قوانين الإنسانية وجعل من المستشفيات معسكرات لماذا لا تكونوا أشرف منهم وأكثر أخلاقا وإنسانية وتنصبوا خياماً تمارسوا فيها عملكم الإنساني وتحرجوا هذا النظام أمام العالم.
وقدهم دكاترة من "حق الجن والجن يشلوهم" وعادهم يعملوا لهم "قولات", تشخيص خطأ وعلاج ملخبط ومقصات وعطب أصغر ما يمكن أن ينسوه داخل بطن المريض.
يا جماعة الخير الطب يتطور ويتقدم كل عشر سنوات، بل كل شهر وإحنا دكاترتنا يعالجونا بما درسته جدتي قبل خمسين سنة وعادهم يشتوا علاوات ومكافآت؟

 على أيش بالله عليكم؟ على أيش؟
المفروض تدفعوا للخزينة العامة بدل سفر المواطنين وتعويضات للمعوقين وديات للمتوفين على الأقل ما تقدروش تعالجوا, خلوا عندكم شوية دم وعاملوا المريض برحمة وشفقة.

ملاحظة:
أنا لا أعمم ولا أخصص ولكنني أكتب واللي على رأسه بطحة يحسس عليها.. وتحياتنا لكل طبيب يتقي الله ويعمل بضمير وهم لاشك قليل.. وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.
مع تحياتي أنا أحلام القبيلي
مواطنة يمنية طفشانة من الأوضاع

alkabily@hotmail.com         
في الثلاثاء 15 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 04:47:00 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=66243