الاقتصاد العالمي: البطء الشديد في النمو (12)
د.علي الفقيه
د.علي الفقيه

الاقتصاد العالمي يقف مرة أخرى على حافة الانهيار، وإقتصادات الدول المتقدمة يلازمها بطء شديد في النمو، وما هي الطرق والوسائل الممكنة لتجنب الركود والتضخم اللذين يعدان الخطر الأكبر للوصول إلى استقرار وتوازن، التوسع العالمي مطلوب بهدف القضاء على الضغوطات التي تراكمت وأن يتوفر الاستقرار المتوازن، واستبعاد إعادة الهيكلة تزيد من الصعوبات التي تقود إلى عدم رضا المستثمرين والسياسيين، احتمالات مؤكدة تشير إلى بروز أزمة مالية وإقتصادية أخرى، ربما تكون أسوأ من سابقتها في 2008 ـ 2009م، مديرة صندوق النقد الدولي تحدثت عن إدراكها لوجود طريق نحو التعافي، لكنه أضيق من ذي قبل ويزيد ضيقاً، والسير عليه ينبغي توفر الإرادة السياسية القوية وسط قادة دول العالم لتفادي السقوط والهاوية، والتعاون ونبذ المنافسة غير الشريفة والعمل والتخلي عن ردود الأفعال، الحكومات قامت بتأمين نظمها المصرفية، بينما تم خفض أسعار الفائدة في الدول المتقدمة لمستويات كبيرة، واتجهت البنوك المركزية إلى معايير غير تقليدية بفرض ضخ أموال جديدة في إقتصاداتها وتخفيف الصعوبات التي تواجهها الأسواق، حيث سمحت الحكومات بتراجع العائدات الضريبية دون القيام بأي تعويضات مع إدخالها لبعض البرامج التحفيزية، وانخفضت أسعار السلع، الأمر الذي قاد إلى زيادة الدخول الحقيقة في الدول المستهلكة للنفط، وأنعشت إقتصادات الدول الناشئة خاصة الصين، الاستثمارات المحلية من خلال الإنفاق المباشرة وتخفيف القيود المفروضة على الإقراض، ولم تقم إلا دول قليلة جداً بوضع عقبات تجارية للحيلولة دون التعافي عند حدوثه في عام 2009م. 
ونجحت السياسات في القضاء على الأزمة على الرغم من أن بعضها جاء بنتائج عكسية، وارتفعت أسعار السلع لمستويات شبيهة بتلك التي كانت في عام 2008، في وقت زادت فيه الدول المتقدمة من صرامة سياساتها المالية، كما أصبح استمرار حذر المستهلك الشركات في الإنفاق بحيث شكل أكبر مشكلة تواجهها الاقتصادات المتقدمة وفي غضون ذلك قامت الشركات بتكديس الأموال والإسراع بتقليص المطلوب، بينما أدركت الحكومات في منطقة اليورو حدود كونها المستهلك النهائي الشيء الذي لم تستطع التكيف معه بعد.
منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية تتوقع انعدام النمو في الدول المتبقية لبقية عام 2011م مع خفض صندوق النقد الدولي للنمو الاقتصادي العالمي من 3.4% في عام 2011 إلى 4 % في عام 2012م، بالإضافة إلى مواجهة الدول الكبيرة لخطر خفض التصنيف، ولم تعد الدول الغنية مسيطرة على الاقتصاد العالمي، حيث يأتي 40 % من الإنتاج العالمي من الدول الناشئة مع حصة في النمو تفوق هذه النسبة زيادة الحجم الكلي لاقتصاد الدول الناشئة بنسبة "30" % والنمو المتوقع في الدول المتقدمة في ذات الفترة قريباً من الصفر.
لكن لم يساعد الدول الناشئة كونها مهيمنة على النمو العالمي في التغلب على تلك العاصفة، حيث فقد فيها صانعو القرار وجهتهم في ظل مخاطر التضخم وعودة الأزمة المالية مرة أخرى، وبعض الدول تشعر بأن الوقت قد حان للتخلص من زيادة القلق بشأن التضخم وخفض أسعار الفائدة بغرض دعم التوسع لدول مثل البرازيل وتركيا، وهناك عاملان يقفان وراء المشاكل التي تواجه الاقتصاد العالمي أولهما: أن منطقة اليورو والتي تعاني من مشكلة بين الدول التي تملك أسساً اقتصادية معافاة نسبياً في حالة إن كانت دولة موحدة، وحقيقة كونها مزيجاً مكوناً من 17 اقتصاداً كثير ما تتباين فيه المصالح وفي حين يبدو الوضع المالي ككل في منطقة اليورو وأفضل من جميع الاقتصادات المقدمة بما فيها الولايات المتحدة، اليابان وبريطانيا، فإن حل مشكلة اليورو على نحو دولي، كما يتم تمويل العجوزات عبر فوائد تجارية ضخمة في الدول المنتجة للنفط في الصين، ألمانيا واليابان حيث يظهر ذلك جلياً في الولايات المتحدة.
من جانبها حذرت أخبار الساعة التي يصدرها مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية
من إقبال الاقتصاد العالمي على حالة من الركود بسبب تباطؤ نمو معدلات اقتصادات الدول المتقدمة جراء الأزمة المالية العالمية التي اجتاحت العالم، وتحت عنوان "الاقتصاد العالمي وشبح الركود"، قالت إن تغيير المشهد الايجابي" الذي ساد الاقتصاد العالمي خلال الفترة من منتصف عام 2009م حتى منتصف عام 2010 بشكل كلي خلال الشهور التالية ليتحول منذ الربع الأخير من عام 2010م إلى مشهد تسوده القتامة، فبدا الاقتصاد العالمي محاصراً بعدد من التحديدات ليغير مساره، ويدخل موجة جديدة من الأزمة المالية العالمية، تعيده مرة أخرى إلى منطقة التهديد حتى أن صورته الحالية تبدو مشابهة كثيراً لما كان عليه الوضع في المراحل الأولى للأزمة، والموجة الثانية للأزمة المالية العالمية بدأت بسبب توسع الحكومات في الاقتصادات الكبرى في الإنفاق على خطط التحفيز الاقتصادي الاعتماد على موارد غير حقيقة، إضافة إلى أن استخدام أموال ميزانيات التحفيز في إنقاذ المؤسسات المالية المتعثرة وعدم توجيه نصيب كاف منها إلى الجوانب الحقيقة من الاقتصاد، تسببا في تبديد النسبة الكبرى من تلك الأموال دون مردود إيجابي يذكر وكانت النتيجة أن تراكمت المديونية الحكومية وارتفعت أعباؤها من أقساط وفوائد بشكل إستثنائي في عدد من الاقتصادات الكبرى، بالإضافة إلى بعض الاقتصادات الأوروبية، ومعظم الاقتصادات الكبرى لم تعد قادرة على الاضطلاع بمسؤولياتها تجاه المديونات المستحقة في الأجل القصير، ومن ثم تحفيز اقتصاداتها على النمو إلا من خلال أحد ثلاثة خيارات: أولها تقليص الإنفاق العام "سياسية التعسف" وثانيها إصدار مزيد من السندات الحكومية "الاستدانة" وثالثها طباعة مزيد من البنكنوت "التيسير الكمي".
والخيارات الثلاثة في مجموعها غير مفضلة في مثل الظروف التي يمر بها الاقتصاد العالمي حالياً والخيار الأول سيدفع إلى تباطؤ معدلات النمو الذي قد ينتهي إلى حالة من الركود المزمن، والاخياران الثاني والثالث، وإن كانا سيبقيان على فرض النمو، فإنهما يجلبان المزيد من المشكلات خاصة في الأجل الطويل، فالخيار الثاني سيؤدي إلى تضخم المديونية، بينما سيولد الخيار الثالث المزيد من الضغوط التضخمية، ويمكن القول إن هناك خياراً معيناً تعتمد عليه الاقتصادات المتعثرة بشكل كلي في مواجهة أزمتها المالية الحالية.
هامش:
1. الاتحاد الاقتصادي 13/10/2011
2. الاتحاد الاقتصادي 14/10/2011
3. الاتحاد الاقتصادي 16/10/2011
4. الاتحاد الاقتصادي 29/5/2011م


في السبت 03 ديسمبر-كانون الأول 2011 05:32:02 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=66419