هوية رهن الاعتقال
محمد علي محسن
محمد علي محسن

لست لصاً أو قاتلاً أو مهرباً ومع ذلك اسمي ولقبي قيل بثمة شبهة تحوم حولهما، لأول مرة أكتشف بأنني رجل خطر ممنوع من السفر، يا إلهي ما هذه المفارقة العصية الإدراك والفهم؟، ففي هذه البلاد هنالك لصوص ضاقت بنقودهم المسروقة بنوك سويسرا وألمانيا وأميركا والخليج ومع كل ما نهبوه أو بددوه لم أسمع أو أقرأ أن شخصاً واحداً من هؤلاء منع من السفر .
وهناك قتلة وسفاحون وعابثون ومهربون وإرهابيون يسافرون ويتنقلون بجوازات حمراء دبلوماسية كفيلة بفتح الأبواب المغلقة للشياطين، وبالمقابل يذهب مواطن عادي مثلي لاستخراج جواز سفر من النوع الأسود، فيجد ذاته تحت طائلة التوقف أو المنع، ليت المسألة اقتصرت عليَّ؛ لهان الأمر وقلنا كم ظلموك يا كمبيوتر حين أتوا بك إلى اليمن؟، فكم هو جلّي ومعروف أن الحاسوب يعد نعمة على موظفي الهجرة وعلى المسافرين لا نقمة ولعنة على اليمنيين الذين بلغ العبث فيهم لدرجة إخضاعهم وامتهانهم في أبسط حقوقهم .
نعم لقد انتابني الفزع والحزن في آن واحد، الخوف حين علمت بأن جواز سفري رهن اعتقال موظف أو قولوا كمبيوتر غبي وبليد لا يميز بين قاتل للمتظاهرين أو فاسد عاث بالبلاد نهباً وخراباً وبين آخر لا جنحة أو قضية غير اسمه وهويته الملتبستين على موظف دائرة الهجرة والجوازات بصنعاء.. أما الحزن فبعد أن أيقنت بأن المسألة لم تكن مجرد خطأ ولبس؛ فكم هي الأخطاء المقترفة في بلد سمته الفوضى والعبث؟ ولكن وبعد أيام من مراجعة القائمين في هجرة عدن لم أجد إجابة شافية ومقنعة تبرر مثل هذا التصرف الهمجي المنتهك لأبسط الحقوق الإنسانية، وهذه مأساة تستدعي الرثاء والبكاء.
فحتى هؤلاء الذين لا ناقة لهم أو قدرة على معرفة السبب؛ فبرغم أن فعلهم كان رائعاً وجميلاً وهم ينجزون المعاملة دون منغصات أو إساءة أو أسئلة من قبيل تلكم المعتادة في حقبة السبعينيات، إلا أن "المليح ما يكمل" وفق المثل السائد، ففي نهاية المطاف وظيفتهم تنتهي عند حد الضغط على مفتاح كمبيوتر لعين، أو موافقة عين فاحصة حريصة على نظافة الوطن من النظافة لا من الوسخ.
فهؤلاء جميعاً عادة ما يذهب عملهم سدى جراء هذه الوصاية الفظة الممارسة على عملية إجرائية وإدارية محضة لا يستلزمها أكثر من توقيع أو مراجعة مختص، فمع أنها كذلك فقد أبى المركز إلا أن يخضع المحافظات لثقافة الإمام وعقليته الرافضتين لكل معاملة خارجة عن سلطان وعلم وكيل الله على العباد، فإن لم يكن حاضراً فعلى أقل تقدير عامله أو من ينتدبه للمهمة .
يا لهذه الوقاحة ويا لهذه المهزلة!!، فهل هناك ما هو أسخف وأقبح من رؤية القتلة والمهربين واللصوص وتجار العملة والحشيش ووووإلخ وهم يسافرون إلى أصقاع الدنيا ومتى ابتغوا وأرادوا؟ ليس هذا فحسب، بل وبطائرات وجوازات ومنافذ خاصة لا تخضع لحسيب أو رقيب، يقابل هذه الحرية تضيق وتوصد كل نافذة مشرعة ولحد كتم أنفاس ما تبقى في هذه البلاد من طهر وصدق ونظام واحترام .
إنني لا أتحدث هنا عن حق شخصي بقدر ما الكلام ذو صلة بحق مجتمعي أصيل وأساسي، فلم أطلب أكثر من هوية إثبات لمواطنتي ككائن حي ينتمي لهذا الوطن الفقير الطارد لأبنائه نتيجة العبث الحاصل من القائمين على شؤونه، فأقل ما يحصل عليه الإنسان في هذه البلاد بطاقة شخصية أو وثيقة سفر، وعلى تواضع مطلبي كان واقع الحال يشير إلى أنه ما من شيء أو حق إلا وطالته مخالب العبث، فحتى موظفي الهجرة ومديرهم في عدن لم يسلموا من أوباش العبث .
أتدرون ما مشكلة هذه البلاد؟ أنها تكمن بهذه التصرفات المسيئة للدولة ولسلطتها ونظامها المهين أيضاً لكرامة الإنسان وكبريائه وانتمائه.. أتدرون ما آفة المجتمع؟ بالطبع غياب القدوة الحسنة من حياتنا اليومية، فسيادة العبث والفوضى كمنهج وطريقة يقتات منها الإنسان رزقه بلا شك كارثي ومدمر لقيم الحق والفضيلة والمساواة والواجب، حين تختفي من حياتنا القدوة الحسنة وعندما تصير الفوضى والعبث وسيلة ناجعة لقهر وإذلال الناس، فذاك بشارة بانحلال وخراب طال كل شيء - الأذهان والأخلاق والناس والقيم والنظام والضمير .

في الثلاثاء 06 ديسمبر-كانون الأول 2011 04:19:35 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=66458