ربما أن الرئيس صالح قد تنحى عن السلطة، لكن خطر الحرب الأهلية في تزايد مستمر
مجلة فورين بوليسي الأمريكية
مجلة فورين بوليسي الأمريكية

بقلم: توم فين                                                  ترجمة/ أخبار اليوم
      
عندما تدفق المصريون من جديد إلى ميدان التحرير والليبيون يحاصرون فلول مجرمي الحرب، كان اليمنيون يدعون الله بأن اتفاقية انتقال السلطة المُوقعة من قبل الرئيس علي عبدالله صالح ستمنع انزلاق ثورتهم ذات التسعة أشهر إلى حرب أهلية.
 
لقد نجا صالح، 67 عاما، من أشهر من الاحتجاجات الجماهيرية والانشقاق داخل جيشه وحزبه وقبيلته وهجوم يونيو على قصره الذي تركه طريح الفراش لثلاثة أشهر في المستشفى العسكري السعودية.
 
لكن مع اقتصاد يوشك على الانهيار واشتباكات فصائل الجيش المسلحة في العاصمة وتهديد الأمم المتحدة الذي يلوح في الأفق بفرض عقوبات وتجميد الأصول، يبدو أن رئيس اليمن الماكر قد قرر في النهاية التراجع خطوة إلى الوراء.
 
بعد توقيعه على أربع نسخ من الاتفاقية أمام جمع من الأمراء السعوديين والسفراء الأجانب ودبلوماسيي الأمم المتحدة الجالسين على كراسي مطلية بالذهب في قصر سعودي فاخر، قال صالح: "هذا الخلاف على مدى العشرة الأشهر الماضية كان له تأثير كبير على اليمن في مجالات الثقافة والتنمية والسياسة مما أدى إلى تهديد الوحدة الوطنية ودمرت ما تم بنائه في السنوات الماضية".
 
الاتفاقية، التي صاغتها في البداية دول مجلس التعاون الخليجي ودعمتها الولايات المتحدة في أبريل الماضي، تطالب بنقل فوري للسلطة إلى نائب صالح، عبد ربه منصور هادي العاجز نسبيا والذي سيترأس حكومة الوحدة الوطنية لحين إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة المقررة في 21 فبراير.
 
في مقابل توقيع صالح على الاتفاقية، مجلس النواب اليمني سيمنح صالح وأبناءه الحصانة من الملاحقة القضائية، أليست أسوء اتفاقية نظرا إلى مزاعم الفساد ومقتل مئات من المتظاهرين على أيدي القوات الحكومية في الأشهر الأخيرة. وفي نفس الوقت فإن اليمنيين حصلوا على فرصة نادرة للدفع بانتفاضتهم المتعثرة إلى مرحلة جديدة والبحث عن طريقة للخروج من الأزمة السياسية المستعرة.
 
لكن مع استمرار تحصن صالح في قصره متشبثا بلقب الرئيس الفخري، وبقاء قبضة أبنائه وأبناء أخيه على المناصب الرئيسية في أجهزة الجيش والمخابرات، فإن النظام يظل سليما إلى حد كبير.
 
غاضبين من أوجه القصور في الاتفاقية الخليجية وتفكير صالح بالهروب من المقاضاة، واصل عشرات الآلاف من المتظاهرين اعتصاماتهم ومسيراتهم اليومية من مخيماتهم في الساحات في جميع أنحاء اليمن.
 
بعد يوم واحد فقط من التوقيع على الاتفاقية، حشد من البلاطجة المدججين بأسلحة الكلاشنيكوف قتلوا بالرصاص خمسة متظاهرين وجرحوا 30 آخرين عندما كانوا في مسيرة حاشدة عبر شوارع صنعاء يطالبون بمحاكمة صنعاء.
 
وعلى الرغم من أعمال العنف، كانت صورة صالح وهو يوقع أخيرا على الاتفاقية بمثابة إغاثة للكثيرين. لكن بالرغم من حدوث انفراج، فاليمن تواجه كتلة سياسية فاشلة. إن مستقبل البلاد الآن منذر بسوء وأبرزها قضية وحدته والوضع في الجنوب.
 
صالح يعتبر إعادة توحيد شمال وجنوب اليمن في عام 1990 كجوهرة تتوج 33 عاما من حكمه. يدق حزبه الحاكم، المؤتمر الشعبي العام، طبول الوحدة كلما شكك أي واحد في ذلك الاندماج ويعتبرونه خائن ويخاطر بوضعه كـ"عدو للدولة".
 
في واقع الأمر أن 21 عاما من وجود اليمن الموحد قد عصفت به حروب داخلية وتشظي مناطقي واحتجاجات حاشدة. ومن جوانب كثيرة، كانت اليمن سباقة للربيع العربي. فقد كانت هناك انتفاضة سلمية منذ صيف عام 2007 في المحافظات الجنوبية التابعة لجمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية السابقة التي كانت الدولة الماركسية الوحيدة في العالم العربي قبل إفلاس وانهيار الاتحاد السوفيتي ومسارعتها إلى الاندماج مع اليمن الشمالي في عام 1990.
 
الجمهورية الجديدة لم تحقق هدفها المتمثل في السيادة الإقليمية الكاملة، فأجزاء كبيرة من المناطق الشمالية والشرقية لا تزال تحت سيطرة القبائل. واندلعت حرب أهلية قصيرة في عام 1994 عندما دعا صالح مرتزقة سلفيين قادمين للتو من الجهاد ضد السوفيت في أفغانستان ليسحقوا الجيش الجنوبي. ألسنة اللهب تصاعدت من أحد مصانع البيرة التابع للحكومة بعد إحراقه من قبل المجاهدين الإسلاميين في عدن، في الوقت الذي كان فيه عدد من القادة الاشتراكين يهربون فوق قوارب صيد إلى سلطنة عمان.
 
كوش ضباط الجيش من الشمال ورجال أعمال انتهازيون على الجنوب، استولوا على الأراضي والنفط والمصانع والمعاشات التقاعدية والوظائف الحكومية.
 
ثار غضب رجال، تم تجريدهم من وظائفهم ومعاشاتهم التقاعدية، ونساء، حُرمن من الحقوق التي تمتعن بها في ظل حكم الحزب الاشتراكي، مما أسموه بالاحتلال الشمالي. عائدات النفط المستخرج من آبار الجنوب تدفقت إلى خزائن صالح وأتباعه. لدى شطري البلاد ثقافات مختلفة متضادة، وهذا ما يعتقد به كثير من اليمنيين. كان شائعا في الشمال خلال السنوات الأولى للوحدة سماع الناس يشيرون إلى الجنوبيون بـ"الكفار" ويصفون نسائهم ببذاءة، بينما كثير من الجنوبيين اعتبروا الشماليين "جهلة" و"لصوص ممتلكات الدولة".
 
من المفارقات، أن تدفق المعارضين ضد صالح في فبراير الماضي، ملهمين من الانتفاضة في مصر، جعل حلم الرئيس لفترة طويلة بيمن موحد يظهر للمرة الأولى احتمال حقيقي. مجتمعة تحت مظلة واسعة مناهضة لصالح، التحمت فجأة فئات اجتماعية مع بعضها لم يكن بينها في السابق رابط مشترك، والآن جميعهم على استعداد للموت من أجل نفس القضية. لقد أصبح نمو مدينة الخيام الداعمة للديمقراطية في وسط صنعاء، التي سميت لاحقا بساحة التغيير، بوتقة انصهار حيث اندمج الطلاب المرتدين للجينز من العاصمة مع المتمردين الحوثيين والاشتراكيين الجنوبيين وخيموا في الساحة مع رجال القبائل القادمين من شرق البلاد مرتدين الجنابي.
 
الشعارات السعيدة مثل "لا شمال ولا جنوب وحدتنا وحدة قلوب" قبضت على مشاعر التضامن الوطني. وتضمنت تحالفات الشباب في ساحة التغيير أعضاء من عدن وحضرموت، وكلاهما في جنوب اليمن. لكن الابتهاج الأولي اتجه نحو خيبة الأمل. فبينما صالح متشبث بالسلطة، استمرت الاحتجاجات الواسعة من دون نتيجة، مما ولد الإحباط جنبا إلى جنب مع شكوك الجنوبيين من أن الأحداث في الشمال ستؤثر إيجابيا على الجنوب. كثير من الجنوبيين يشعرون اليوم أن الثورة التي قادها الشباب المستقلون قد تم اختطافها وتحويلها إلى صراع شخصي على السلطة بين النخب في الشمال.
 
في مدينة عدن الجنوبية، المستعمرة البريطانية السابقة، يهدد قادة الحراك بإلغاء اتفاقية الوحدة وإعلان الانفصال بعد خمس سنوات من حركتهم المطالبة بالانفصال بسبب شعورهم بالتهميش في ظل حكم الشمال.
 
أُجبرت قيادة الحراك على الهروب إلى خارج البلاد أو الاختباء بعد سنوات من التخويف والاعتقالات في أنصاف الليالي على أيدي الأمن السياسي التابع للنظام.
 
لكن مع نزوح القوات الحكومية الآن إلى الشمال، صار قادة الحراك يتحركون بحرية في أنحاء المدينة، حيث ينظمون اعتصاماتهم الأسبوعية ويعقدون مناقشات في المقاهي والمطاعم.
 
يقول اللواء ناصر الطويل، أبرز قادة الحراك، في خطابه المناهض للوحدة في اعتصام في شوارع عدن: "نحن نعطي النظام هذا الإنذار: إما أن تعترفوا بمطالبنا المشروعة في تقرير المصير أو أنكم سترون اليمن من جديد مشظى إلى دولتين".
 
على الرغم من القمع الوحشي من نظام صالح، أثبتت الانفصاليون مرونة ملحوظة، مستمدين قوتهم من دعم خارجي وأيضا من القيادة الكاريزمية القادرة على تعبئة السكان من خلال إقناعهم بسرد قصص الظلم والتهميش وتاريخ الاستقلال.
 
لكن في حين أن صراخ الانفصاليين عالي، فإنه أيضا مُنقسم. قادة الانفصال الأكثر تشددا مثل علي سالم البيض يطالبون بانفصال تام وفوري، بينما الفريق الأكثر اعتدالا بقيادة حيدر العطاس يدافعون عن نظام فدرالي لإقليمين لمدة خمس سنوات بعدها يتم إجراء استفتاء لتقرير المصير على غرار السودان. آخرون يريدون فقط وضع حد لمصادرة الأراضي والتمييز في العمل وزيادة صلاحيات المحافظات. رؤيتهم ليمن جنوبي مستقبلي تبدو أيضا متفاوتة، من العودة إلى الماركسية إلى ديمقراطية علمانية متعددة الأحزاب إلى دولة الخلافة الإسلامية.
 
مع ذلك يبدو أن قادة الحراك سيحصلون على موطنهم تدريجيا. مجموعة من أبرز الزعماء المنفيين قالوا أمام مؤتمر حاشد في العاصمة المصرية القاهرة في 22 نوفمبر إنهم اتفقوا على الفيدرالية باعتبارها أفضل وسيلة لحق الجنوب في تقرير المصير غير المشروط، لكنهم حذروا من أن عدم الاستجابة لهذا الحل سيعطي الجنوبيين "الحق في اللجوء إلى جميع الخيارات". لكن أي محاولة جادة للانفصال في هذه المرحلة قد تكون كارثة لليمن.
 
ربما يخرج صالح من المشهد، لكن يظل كلا من الحزب الحاكم والمعارضة، على الأقل علنا، مؤيدين مخلصين للوحدة. الجنوب خسر جيشه بعد حرب 1994، ومعظم قادته من ذوي الخبرة وكبار السن هم الآن يستندون بالعصي في مشيهم. وفي الوقت نفسه فإن الجناح العسكري للحراك، الذي يضم بضع مئات ممن يحملون الأسلحة الخفيفة، سيكون صعبا عليهم مواجهة دبابات صالح وطائراته المقاتلة. وعلاوة على ذلك، فإن إعلان الاستقلال قد يؤدي إلى مزيد من الاقتتال والتشرذم داخل الجنوب نفسه.
 
بعد أن تابعت محنة جنوب السودان، أصبح قادة الحراك الجنوبي يدركون جيدا أهمية حشد الدعم الدولي. لكن من المرجح أن مساعيهم لكسب تعاطف غربي سيلقى خيبة أمل مريرة. الدول الغربية والخليجية لا تزال تتعهد بتقديم المليارات من الدولارات إلى الحكومة اليمنية المركزية، مصرين على أن استقرار ووحدة النظام هو الهدف الأسمى.
 
بانزعاجهم من تنامي تهديد فرع القاعدة الذي أسس له معاقل في أجزاء من المحافظات النائية في الجنوب، فإن فكرة تشظي اليمن إلى دولتين ترسل رعشات قوية إلى الدبلوماسيين الغربيين. مع ذهاب صالح، ستسعى الولايات المتحدة على وجه الخصوص إلى الحصول على شريك قوي في الشمال، خوفا من أن موجة جديدة من الصراع بين الشمال والجنوب لن تخلق سوى المزيد من المعاقل للمتشددين.
 
وفي الوقت نفسه، لا تزال الحكومة اليمنية، التي تتقن فن التلاعب بالمساعدات العسكرية الدولية لاستخدامها ضد الخصوم الداخليين، غير معترفة بالحراك كاعتباره مجموعة صغيرة من الساخطين وغالبا ما اتهمت قادة الحراك بأنهم مرتبطون بتنظيم القاعدة.
 
الجنوبيون يتهمون صالح بالتعمد في تأجيج الصراع في الجنوب من أجل أن يبدو الجنوب غير مستحق أن يكون دولة.
 
النتيجة غير المقصودة للربيع العربي في اليمن هي تسطيح مظالم الجنوبيين. الحراك يسير حاليا في مسارين، البعض يدفع نحو الفدرالية وآخرون نحو الانفصال التام.
 
كما يبدو على أرض الواقع، فإن الدعوة للاستقلال هي قوية، وإذا فشلت حكومة الوحدة الوطنية الناشئة حتى في الاعتراف بمشروعة مطالب الحراك، فإن الدعوة للاستقلال ستنمو أقوى وأقوى. وإذا دخل انتقال السلطة في نزاع آخر على السلطة بين أبناء صالح والنخب المنافسة، فعواقب ذلك ستكون وخيمة جدا. وهذا قد يشجع أولئك الجنوبيين على الاستمتاع بفكرة إعلان الاستقلال على أرض الواقع.
 
وفي المقابل، سيؤدي ذلك على الأرجح إلى انفجار صراع أوسع نطاقا وأكثر دموية عندما يشن الشماليون حربا للحفاظ على وحدة البلاد.
 
مع ارتفاع معدلات البطالة والفقر المدقع والمتشددين السلفيين والضربات الأمريكية بدون طيار وآلاف النازحين، فإن الجنوب بالفعل سلة لمشاكل هائلة. وقد رفعت الانتفاضة في اليمن تكلفة التقاعس عن العمل.

في الثلاثاء 06 ديسمبر-كانون الأول 2011 04:58:28 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=66462